بيت القصيد هو أن دولة الاحتلال تريد العودة إلى إدارة الصراع لا إنهائه، وعليه فهي تحاول عدم الحسم، وإطالة الحرب على
غزة بأساليب جديدة، وملاحقة السلاح والمسلحين، حتى تفرض شروطها المستقبلية لا الحالية على الشعب
الفلسطيني.
يختصر مثلنا الشعبي الفلسطيني العربي "من طلبه كله فاته كله"، حكايتنا المريرة مع الاحتلال تشابكاً مادياً وسياسياً.
من 6 أسابيع هدنة تريدها دولة الاحتلال إلى 12 أسبوعاً تطلبها حركة "حماس"، ليس كبير فرق، إلا إذا ما زالت شهوة القتل تسيطر على قادة الاحتلال المطلوبين قريباً للعدالة الدولية.
ما تفعله إسرائيل من عناد تفاوضي يدل على أن مستقبل قبول إسرائيل دولياً ليس مضموناً؛ فدولة بهذا المضمون الدموي لن تكون مقبولة، ولن تظل التحالفات إلى أبعد مدى، فهناك دوماً تقلب وتغير.
رئيس الولايات المتحدة، الذي لا يستحي بن غفير الوزير في حكومة الاحتلال من التطاول عليه، لأنه بدأ يتغير قليلاً، لن يستطيع الاستمرار في جريمة مد الاحتلال بأسلحة تدميرية تلقى على المدنيين، ولا يستطيع أن يدير ظهره لنخبة طلبة أميركا القادمين بعد سنوات إلى مراكز صنع القرار.
إذاً إسرائيل هي الخاسر في إطالة أمد المفاوضات، وبات السنوار يدرك عناصر الضعف في حكومة إسرائيل ويلعب عليها.
تتبع ردود فعل حكومة الاحتلال على المقترح المصري ترينا إلى أي مدى بلغت الحكومة الإسرائيلية من إصرار على الحرب على المدنيين.
والمقترح المصري، الذي يحظى بإجماع دولي وأميركي وعربي وإجماع الوسطاء، مقترح عمليّ ينزل
إسرائيل من على شجرة العناد، لكن يبدو أنه لن ترضى.. ترى ما الأسباب؟
الأسباب أن إسرائيل تخشى تحول أي هدنة إلى وقف إطلاق النار، أي وقف الحرب على غزة. كذلك فإنه في وعي المؤسسة الأمنية والعسكرية، وفي لا وعيها، أنها لا يمكن أن تنسى أمر السلاح والمسلحين، كذلك الخشية من اعتبار ذلك كله نصراً لغزة وخسارة لها إلا من المكسب الوحيد، ألا وهو تنفيذ جرائم حرب يحاسب عليها القانون.
كان الحديث عن عقد صفقة أسرى في ظل وقف العدوان على غزة، لعلنا جميعاً الآن، وفي ظل حراك النخب الطلابية في الولايات المتحدة وأوروبا، نرفع الصوت عالياً بضرورة إنهاء الاحتلال والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
دولة الاحتلال، لا تريد ولن تريد ذلك، لأن المحتلين ببساطة غزاة لا يقرؤون كما كتب في يوم شاعرنا الجميل سميح القاسم. وما زالت قصيدته حاضرة معبرة عن هزيمة الاحتلال.
الآن يجري التفاوض في ظل الحرب على رفح، ولو بشكل جزئي، للضغط على "حماس" من جهة، ولاستمرار العدوان من جهة أخرى.
لذلك، فإنه في الوقت الذي تفاوض فيه إسرائيل من أجل صفقة تبادل الأسرى في سياق (وقف
إطلاق النار)، فإنها تجتاح وتقصف رفح لإضعاف ما بقي من مقاومة في منطقة رفح كما تصرح بذلك. ولربما يحسب الكثيرون أنها بتحركاتها باتجاه رفح إنما تضغط على "حماس" لعمل اختراق في مسألة تبادل الأسرى، لكن في العمق العسكري والسياسي، فإن من يعرف الاحتلال الإسرائيلي يدرك كم هو جاد فعلاً في الحرب على رفح. لأنه كما ذكرنا، فإن الاحتلال لن يتقبل وجود السلاح أو المسلحين.
لا البحر ابتلع غزة، كما تمنى المحتلون، ولا غزة براحلة؛ ففلسطين باقية، ولعلنا نزداد بقاء، رغم آثار العدوان.
هو فعل المأساة، وهو فعل مرتكبيها، الذي استلزم ردود فعل تتعمق وتزداد حتى داخل مراكز النخب في الولايات المتحدة.
وهي الإنسانية التي لن توقف نبضها قوى الشرّ مهما كانت خيوطها ناظمة ومنتظمة ومتحالفة، لأنها في لحظة تدوسها أقدام الشباب الثائر على الظلم والعدوان.
في أميركا، الوضع ملتبس، حول المساعدات العسكرية، والحديث يدور عن ذخائر شديدة الانفجار لا تريد أميركا أن تستخدمها إسرائيل في رفح.
ولن تستطيع لا الولايات المتحدة بسهولة، ولا ما تبقى من حلف أوروبي داعم لإسرائيل، الاستمرار في دعم إبادة دولة الاحتلال لغزة.
لن تستطيع ألمانيا الاستمرار في هذا التطرف الأعمى المؤيد لإسرائيل وهي تدرك فعل إسرائيل الاحتلالي في فلسطين.
والتغيير قادم لا كما تتمنى إسرائيل، وهو قادم سواء اجتاحت إسرائيل رفح أو لم تفعل ذلك، لأن ما تم ارتكابه من جرائم ضد الإنسانية لن يذهب سدى.
يبدو أن أميركا صارت تتقبل هزيمة إسرائيل لأنها لم تحقق أهدافها، لكن إسرائيل ستجنّ فعلاً، وسيذهب نتنياهو إلى قدره في المحاكمات داخل إسرائيل وخارجها، فلن يستبعد الطلب بإجراء ضبطه للمحكمة الجنائية الدولية.
تضيق أميركا ذرعاً بكل هذا، رغم أنها سخية (26 مليار دولار لدعم إسرائيل)، إلا أنها لن تستطيع فعلياً لا مواجهة مواطنيها ولا العالم.
ولن يكون بوسع بنيامين نتنياهو الجلوس على كرسي الحكم بعد أن كثرت جرائمه، التي زادت من نفور العالم وكراهيته لدولة الاحتلال.
ما هو الإجراء الفعلي والعملي الممكن والذي يمكن أن يكون حاملاً معه بداية نهاية صراع دموي طويل؟
الظن أن هناك إجماعاً على:
- لا يمكن إتمام صفقة تبادل الأسرى دون وقف العدوان على شعبنا.
- ارتباط ما يحدث من حلول حول ما هو آن بما هو مستدام.
- سيكون من غير الممكن اختراق سياسي في علاقة دولة الاحتلال مع العالم العربي، وهي الآن تجد صعوبة مع من هم خارج المنظومة العربية.
- تغير مضمون التحالف الإسرائيلي الأميركي بسبب إخفاق إسرائيل عسكرياً، ما يعني بحث أميركا عن أقوياء جدد، إن لم تكن أميركا قد فعلت ذلك فعلاً تحت الطاولة مع الجمهورية الإيرانية.
إنها الساعات أو الأيام القادمة التي يمكن أن تظهر إرادة المجتمع الدولي الضاغط على إسرائيل المحتلة لوقف القتل!
لن يكن العالم من قبل عالماً ملائكياً ولا الآن صار ولا سيصير، لكنه سيجد صعوبة جمة في قبول التحول إلى المشاهد السلبي لما يجري من شرور، حيث من الممكن حلّ القضايا المختلفة وفقاً للقانون الدولي.
سيشكل وقف العدوان بداية آمال للكل، لهؤلاء الذين يلوذون بالبحر على شاطئ غزة، ولكل الباحثين عن الاستقرار اللازم لمتابعة الحياة.
عوداً على بدء، إسرائيل تخشى أن يكون مستقبل ما بعد الحرب إنهاء احتلالها، وقيام دولة فلسطينية رغم عنها.
(الأيام الفلسطينية)