ما زالت قضية
الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة تثير مزيدا من الخلافات داخل دولة الاحتلال، بين داع لإبرام صفقة تبادل مع حركة
حماس، بكل الأثمان، ومن يرى بعدم الخضوع للحركة، والامتناع عن الاستجابة لمطالبها، حتى إن أحدهم شبّه دعوات عائلات الأسرى بالضغط على الحكومة بسلاح الصيد الذي قد يضرّ صاحبه حين يستخدمه، بزعم أن العائلات المحتجّة المطالبة بإطلاق سراح أبنائها في أسر حركة حماس، "الآن وبأي ثمن"، إنما يمنحون الحركة فرصة لأن ترفع الثمن المطلوب.
وقال البروفيسور أرييه إلداد، في مقال نشرته صحيفة "
معاريف"، وترجمته "عربي21"، إن "القانون غير المكتوب في الإعلام الإسرائيلي ينص على عدم الجدال مع العائلات الثكلى أو عائلات المختطفين، لأنه مسموح لهم أن يقولوا أي شيء، انطلاقا من قاعدة ’لا تحكم على صديقك حتى تصل إلى مكانه’، وهي قاعدة تخبرنا أن الحالة النفسية للأسر الثكلى أو المختطف أحد أفرادها، قد تدفعها لقول أشياء أو القيام بأفعال لا يمكن لأي شخص في وضع مختلف أن يقولها أو يفعلها، لكن عائلات الأسرى في الآونة الأخيرة باتت تتجاوز قواعد وخطوطا حمرا، رغم مشروعية صراخ الأم من الألم، وغضبها من رئيس الوزراء لأنه لا يوافق على قبول مطالب حماس، وأفهم أباً يقول إن الحكومة تتخلى عن مختطفينا".
وأضاف إلداد أن "التحفظ الذي تبديه الحكومة من الاستجابة لمطالب حماس يعود إلى تغذية راجعة من صفقات سابقة مع الحركة وحزب الله، حين تم إطلاق سراح أسرى فلسطينيين كبار قتلوا إسرائيليين، ما ينفي مشروعية مطالب عائلات الأسرى بالاستسلام لمطالب حماس، وإعطائها كل ما تريده، حتى إن والدة أحد المختطفين قالت أمام الكاميرا "إذا لم يعد الأبناء من أسر حماس، فسنحرق الدولة"، وآخرون قالوا إنه لن يكون لهم وطن "إذا لم يعد جميع المختطفين".
وزعم أن "مثل هذه التهديدات في الاحتجاج لها دور في ما تفعله حماس بالاحتلال، لقد اشتمّت رائحة الضعف، وأدركت الفرصة، وتعتقد أن مثل هذه الدعوات من أهالي الأسرى الإسرائيليين في مهاجمة الحكومة، والضغط عليها، قد تفيدها في هدفها النهائي بإخضاع الدولة، وتركيعها، لأنها تعتقد أن هذه الاحتجاجات ستعزز وجهات نظرها، مع أننا أمام طريقة تعيسة في تعبير عائلات الأسرى عن مطالبها المشروعة باستعادة ذويها من أسر حماس، خاصة بعد حالة الإحباط التي تدفعها لتصعيد تصريحاتها المتطرفة ضد الحكومة، والوصول بها إلى حد السخافة".
ووجه اللوم لمن أسماهم "الخبراء العسكريين الذين يجلسون بلا خجل في الاستوديوهات، بعد تحطم كل تنبؤاتهم أمامنا في السابع من أكتوبر، وما زالوا يواصلون التفسير والتنبؤ والاقتراح والتهديد، ويروجون لفرضية الاستجابة لكافة مطالب حماس، بزعم أنه بمجرد أن نحصل على آخر أسير من بين يديها يمكننا العودة للقتال، مع أننا أمام ضمانات أمريكية لحماس بألا تعود إسرائيل للحرب من جديد، مع التهديد بفرض حظر كامل على الأسلحة، وإمكانية استخدام حق النقض لمنع مجلس الأمن من فرض عقوبات على الاحتلال".
وواصل هجومه على رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي الذي قال إن "الجيش قوي بما يكفي لكي تعرف الدولة كيف تدفع ثمن عودة أبنائها، وكأنه نسي أنه في يوم واحد في هجوم السابع من أكتوبر لم يكن الجيش قويا بما فيه الكفاية لإيقاع كارثة بنا لا نعرف حتى الآن كيف نتنبأ بكل عواقبها، ما يتطلب منه التوقف عن نشر الوعود الجوفاء".
يكشف هذا الموقف الرافض لإبرام صفقة تبادل عن صراع حقيقي يشهده المجتمع الإسرائيلي منذ أحداث أكتوبر، ولم يتوقف حتى اللحظة، على العكس فإنه يتصاعد، وهم يدركون أن المقاومة الفلسطينية تدرك أن الزمن يعمل لصالحها، وأن الاحتلال يتآكل، ويتفتت أمام أعينها، وعندما تنضم لهذه المعادلة حكومة يمينية تتلكأ في أقدامها، فإن إبرام صفقة تبادل مع حماس يعني الإجهاز على ما تبقى من بقايا نظرية الردع المتصدعة أصلا لدى الاحتلال.
وفي المقابل، فإن هناك مطالبات إسرائيلية بدفع الثمن الأقصى لإبرام
صفقة التبادل، من خلال اتخاذ قرارات شجاعة، ودفع أثمان باهظة، وتحرك سياسي حاسم مكمّل للتحرك العسكري، وإذا كان الرافضون لإبرام الصفقة يخشون من الثمن الكبير الذي سيدفعه الاحتلال لحماس، فإن الثمن سيصبح أكثر فأكثر مع مرور الوقت.