تتضح معالم
الفشل الإسرائيلي جلية على أصعدة عدة، مع قرب دخول الحرب على
غزة شهرها التاسع دون تحقيق أي هدف من الأهداف المعلنة، في ظل توتر داخلي وخارجي غير مسبوق، واحتمال توسع المواجهة العسكرية على الجبهة اللبنانية.
وأعرب محلل عسكري إسرائيلي، الجمعة، عن اعتقاده بأن تل أبيب متجهة نحو "فشل ذريع متعدد الأبعاد"، وأنها على المستوى الاستراتيجي "عالقة في جميع الجبهات: غزة ولبنان ودوليا".
وقال المحلل بصحيفة "
هآرتس" عاموس هارئيل، في تحليل نشره الجمعة: "مع دخول الحرب على غزة شهرها التاسع فإنه من الصعب الإعلان عن وجود أخبار جيدة في الأفق".
وأكمل قائلا: "سلسلة من المناقشات أجريت في الأسابيع القليلة الماضية مع شخصيات رفيعة المستوى في مؤسسة الدفاع تشير بشكل متزايد إلى أن إسرائيل تتجه نحو فشل ذريع متعدد الأبعاد".
وأضاف: "استراتيجيا، نحن عالقون في جميع الجبهات، أكبرها وأهمها جبهة حزب الله في لبنان المهددة بالتحول إلى حريق هائل، إذا حدثت، ستلقي بظلالها على كل ما حدث قبلها".
جبهة غزة
وقال هارئيل: "كما هو الحال في غزة، فإن إسرائيل لا تنجح في ترجمة التراكم الكبير من الإنجازات التكتيكية إلى نصر استراتيجي".
وأوضح أن "النشاط العسكري في قطاع غزة الذي يتركز الآن في رفح ومخيمات اللاجئين في الوسط، يفرض ثمناً باهظاً على حماس، لكنه لا يحقق النصر في الحرب في المستقبل المنظور".
ووصف الوضع في غزة بـ"الأكثر تعقيدا"، مرجعا ذلك لـ"أسباب ليس أقلها اعتقاد حماس أن الوقت في صالحها وأن عملية الجيش الإسرائيلي على الأرض أصبحت متشابكة".
وأضاف حول ذلك: "على الأرض في غزة، فإن حماس لا تنكسر، لقد تدهورت بالفعل العديد من قدراتها العسكرية، مثل المقاتلين المسلحين وأنظمة القيادة والصواريخ، ولكن تم استبدالها بتشكيلات أصغر وأكثر مرونة تركز على البقاء ومحاولة إلحاق خسائر بالقوات الإسرائيلية".
وحول صفقة تبادل أسرى، قال: "يبدو أن المحادثات حول صفقة الرهائن مع حماس دخلت أزمة جديدة، بعد أن بدا للحظة أن خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن قد يخرجنا من المستنقع".
وأعرب عن اعتقاده بأنه "في ظل الظروف، يبدو أن الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله هو السعي قدر الإمكان إلى صفقة الرهائن، حتى على حساب وقف الحرب".
وأشار إلى أنه "قبل شهرين أو ثلاثة أشهر، عندما كان وضع إسرائيل في الحرب أفضل، ضاعت فرصة التوصل إلى اتفاق بسبب إصرار
نتنياهو على تجنب اتخاذ قرار".
جبهة لبنان
في السياق، حذر هارئيل "من تبعات الحرب مع حزب الله في لبنان"، وقال: "يبدو أن الجمهور لم يدرك بعد الفرق من حيث الضرر الذي يمكن أن تسببه صواريخ حزب الله مقارنة بصواريخ حماس".
وأضاف: "عدد الصواريخ التي أطلقتها حماس في اليوم الأول من الحرب كان 5 آلاف، وهو عدد من الممكن أن يكرره حزب الله كل يوم لمدة شهر؛ والعديد من هذه الصواريخ أثقل، ولها مدى أطول وأكثر دقة أيضًا".
وتابع: "قد تكون تقديرات عشرات الآلاف من الضحايا في العمق (الإسرائيلي) جراء الحرب مع حزب الله مبالغاً فيها، ولكن على أية حال، فإن مدن الشمال والوسط ستواجه تهديداً على نطاق وكثافة لم يسبق لهما مثيل في الماضي".
وبالمقابل قال: "ويتعين علينا أن نأمل أن يدرك حزب الله أيضاً فداحة الخطر، وأن يدرك حجم الضرر الذي سيلحق بالبنية الأساسية في لبنان وبالشعب اللبناني، وأن هذا من شأنه أن يكبح سلوكه".
ووصف الحال بين "إسرائيل" و"حزب الله" قائلا: "كما هو الحال في الأفلام الأمريكية القديمة، تلعب إسرائيل وحزب الله لعبة الدجاجة على حافة الهاوية".
وزاد: "لعل القول المبتذل القديم بأن أياً من الطرفين لا يريد حرباً شاملة لا يزال صحيحاً، ولكنهما من المحتمل أن يصلا إلى تلك المرحلة، وهو ما يرجع إلى حد كبير إلى سوء التقدير".
وأردف هارئيل: "خلافاً للانطباع الذي خلقته بعض التقارير الأخيرة، من الصعب القول إن القيادة الإسرائيلية متحمسة لحرب في الشمال. ومع ذلك، فإن الخطر قائم في أن يؤدي العرض المفرط لقدرات الجيش الإسرائيلي إلى عكس النتيجة المرجوة، ويجعل الحرب الشاملة أكثر احتمالا".
على المستوى الدولي
ورجح هارئيل أن "تجد إسرائيل نفسها في حرب بلا شرعية دولية التي تلاشت بعد 7 أكتوبر عندما اتضحت أبعاد الدمار والقتل في غزة، وبدون دعم أمريكي قوي وفي ظل جيش منهك يكافح من أجل الحفاظ على إمدادات منتظمة من الذخائر وقطع الغيار".
وفسر هارئيل الأسباب التي دفعت الجيش الإسرائيلي إلى استخدام تعبير "هجمات دقيقة" في بياناته الأخيرة.
وقال: "أضيفت مؤخراً فقرة تفصيلية إلى البيانات العسكرية الرسمية حول مثل هذه الهجمات، تقول إن العمليات تمت بأقصى قدر من الحذر ووفقاً لقوانين الحرب الدولية".
وأضاف: "إن ظلال محكمة الجنايات الدولية في لاهاي تلوح بالفعل في أفق الأحداث، وفي بعض المناقشات الأخيرة التي أجرتها الحكومة ومؤسسة الدفاع، ذهل المشاركون عندما اكتشفوا أن أوامر الاعتقال الدولية يمكن أيضاً إصدارها سراً".
وتابع: "من الناحية النظرية، يمكن لضابط عسكري كبير أو وزير أن يزور دولة أجنبية ويجد نفسه مشتبهًا به ومطلوبًا عند هبوطه".
ومن جانب آخر، ذكر هارئيل أن "غياب الأهداف الواضحة بالحرب قد يؤدي إلى تفاقم مشاعر الإرهاق والاستنزاف في كل من الوحدات الاحتياطية والنظامية".
ونهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي رفعت جنوب أفريقيا دعوى قضائية ضد "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية على أساس أنها انتهكت اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع الإبادة الجماعية.
ولاحقا تقدمت عدة دول بطلبات الانضمام إلى القضية بينها
فلسطين وتركيا وليبيا ونيكاراغوا وكولومبيا والمكسيك وإسبانيا.
ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر تشن دولة
الاحتلال حربا على غزة، خلفت أكثر من 120 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
وتواصل دولة الاحتلال حربها رغم قرار من مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح مدينة رفح، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، وتحسين الوضع الإنساني المزري في غزة.
كما تتحدى طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ووزير حربها يوآف غالانت؛ لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" في غزة.