شهدت
صادرات مصر الزراعية طفرة خلال العام
الحالي، حيث تجاوزت الـ4.5 مليون طن منذ بداية عام 2024، بزيادة 400 ألف طن عن العام الماضي،
بقيمة إجمالية بلغت 2.6 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن هذا الرقم يُعَدّ مؤشرا
إيجابيا على نمو القطاع الزراعي المصري، إلا أنه يُخفي وراءه تحديا خطيرا يواجهه المستهلك
المصري، ألا وهو ارتفاع
أسعار السلع الزراعية محليًا.
تصدرت الموالح حجم الصادرات الزراعية بحوالي
مليوني طن، ثم البطاطس الطازجة في المركز الثاني بحوالي مليون طن، ثم البصل والفاصوليا
والبطاطا الحلوة والعنب والطماطم والفراولة والثوم، ثم الجوافة في المركز العاشر، وأخيرا
الرمان في المركز الأخير.
لماذا تُصبح الزيادة عبئًا؟
يطرح ازدياد الصادرات الزراعية تساؤلات
حول الأولويات التي تُحركها الحكومة المصرية في إدارة هذا القطاع الحيوي. ففي الوقت
الذي تُغرق فيه مصر الأسواق الخارجية بفائض إنتاجها، يعاني المواطن المصري من نقص المعروض
وارتفاع الأسعار.
وتعاني الأسواق المصرية من شح بعض المحاصيل
الرئيسية وارتفاع أسعارها عدة أضعاف جراء تصدير كميات كبيرة للخارج على حساب احتياجات
السوق المحلية؛ كما حدث مع البصل والثوم والبطاطس والفاصوليا في فترات مختلفة وسط انتقاد
حاد لارتفاع أسعارها بشكل كبير.
وتعود هذه الظاهرة بحسب خبراء ومختصين إلى
عدة عوامل، أهمها:
غياب التوازن بين الصادرات واحتياجات السوق
المحلية:
تُركز الحكومة المصرية بشكل كبير على تعزيز
الصادرات الزراعية دون وضع خطة مدروسة لضمان تلبية احتياجات السوق المحلية بأسعار مناسبة.
ويؤدي ذلك إلى نقص المعروض من بعض السلع
الزراعية، ما يُشعل موجة من الارتفاعات في الأسعار.
عدم وجود آليات فاعلة للرقابة على الأسعار:
تُعاني الأسواق المصرية من غياب آليات الرقابة
الفعالة على أسعار السلع، ما يسمح للتجار باستغلال نقص المعروض ورفع الأسعار بشكل
غير مبرر.
ويُحمل هذا الأمر المستهلك المصري عبئا
إضافيا يُثقل كاهله، خاصة مع تراجع القدرة الشرائية.
غياب الاستراتيجية للصناعات التحويلية:
يُركز اهتمام الحكومة المصرية على تصدير
المنتجات الزراعية الخام، دون التركيز على إقامة صناعات تحويلية تُضيف قيمة للمنتج
وتُخلق فرص عمل جديدة.
ويُعدّ هذا النهج قصير النظر، حيث تحرم
مصر من الاستفادة من القيمة المضافة للمنتجات الزراعية المُصنّعة، ويُقلّل من قدرتها
على المنافسة في الأسواق العالمية.
يُثير التركيز على تصدير الخضر والفاكهة
الطازجة تساؤلات حول جدوى هذا النهج، خاصة في ظل أزمة نقص المياه التي تعاني منها مصر.
النهوض بالقطاع الزراعي أولوية قصوى
في سياق تعليقه على نمو صادرات مصر من الحاصلات
الزراعية، يقول نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، إن "زيادة الصادرات الزراعية المصرية
ظاهرة إيجابية تستحقّ التقدير، لكن يجب ألا تأتي على حساب توفير احتياجات السوق المحلية بأسعار مناسبة، فالصادرات في بعض الحاصلات الزراعية مثل البطاطس يكون إنتاجها قليلا في هذا الوقت من كل عام، والعروة الصيفية تمثل 30 بالمئة من الإنتاج السنوي ومعظمها
تخزن كتقاوي للزراعات المقبلة".
وبخصوص التوازن بين التصدير والاحتياجات
المحلية، قال لـ"عربي21": "تقع على عاتق الحكومة المصرية مسؤولية وضع
استراتيجية زراعية شاملة تُحقق التوازن بين الصادرات والاحتياجات المحلية، وتُعزّز
الأمن الغذائي للمواطنين، وتُساهم في تنمية الصناعات التحويلية، وتُحافظ على الموارد
المائية"، مشيرا إلى أن "زيادة المعروض تسبب خسائر للفلاحين أيضا".
لكن نقيب الفلاحين أرجع زيادة أسعار السلع
الزراعية إلى أسباب أخرى تشمل "ارتفاع أسعار الدولار، وزيادة أسعار السولار والنقل
والتقاوي والأسمدة والأيدي العاملة، وهذه كلها أسباب أخرى لزيادة أسعار الخضار والفواكه
في مصر بشكل عام ويجب على الحكومة المصرية إعادة النظر في سياستها الزراعية".
وشدد أبو صدام على أهمية "الاستفادة
من الحاصلات الزراعية في مضاعفة حجم المنتجات الزراعية المصنعة وفتح أسواق لها، وبالتالي
مضاعفة الدخل ومضاعفة الأيدي العاملة وزيادة الإيرادات من العملة الصعبة، وهذا حلم
كبير لا يتحقق إلا بالتخطيط والإرادة والعمل بين أطراف المشروع وهم الدولة والمستثمر
والفلاح".
فوضى السياسة الزراعية
وصف المهندس الزراعي فؤاد سراج الدين، أرقام
الصادرات "بالهزيلة جدا، والحكومة تسعى للحصول على الدولار بأي طريقة كانت حتى
لو جاء على حساب جوع الناس، وهذا الكلام قيل على الهواء. صادراتنا الزراعية هي البصل
والثوم وموالح الليمون والبرتقال واليوسفي، أما الباقي فأرقام هزيلة لا تذكر وسط السوق
العالمية".
وأوضح لـ"عربي21": "أضف
إلى ذلك بعض صادرات البطاطس "الكارا" أو "الديمونت" أو باقي الأصناف
يتم رفضها من الحجر الزراعي للبلد المصدر إليه لعدم مطابقتها للمواصفات كنسبة اليوريا
العالية، أو ناقصة أي سماد لا يتطابق مع المقننات السمادية العالمية".
ورأى الخبير الزراعي أن "مصر تعاني
من فوضى زراعية، فالمنظومة بكاملها تحتاج إلى إعادة هيكلة وتطوير"، مضيفا أن "ترك
الزراعة تدار بطريقة التأشير وتخلي الدولة عن دورها في الزراعة بداية من استراتيجية
الزراعة في التسعينيات حتى اليوم، ثم ارتفاع مدخلات الزراعة من ري وأسمدة ومبيدات، وسوء
عملية التسويق، واختفاء الإرشاد الزراعي، وتدهور الصناعات الغذائية وغيرها من فوضى
السياسة الزراعية تؤدي لأكثر مما ذكرت".