الشعور بالقلق المتزايد إزاء التقدم الانتخابي لأحزاب
اليمين العنصري في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، والانتخابات المحلية التي
حملت الحزب الفاشي في إيطاليا بزعامة جورجيا ميلوني إلى السلطة قبل عامين، ونجاح
فيكتور أوروبان في المجر في البقاء بمنصبه، والتقدم الملحوظ لحزب ماري لوبين في
فرنسا وحزب البديل لأجل ألمانيا، مع العودة المنتظرة للحزب الجمهوري في الولايات
المتحدة بزعامة الرئيس السابق دونالد ترامب للسلطة.. كل ذلك ينذر بمخاطر حقيقية
تُهدد الأنظمة "الديمقراطية" لما يجمعها من عناصر أساسية شكلت في الماضي
أيديولوجية الحركات
الفاشية والعنصرية في ثلاثينات القرن الماضي، مع فارق
استخدامها اليوم لبرامج وشعارات تعتمد على هذا الماضي كنوع من الشمولية والشعبوية
كأسلوب سياسي، ولغة وخطاب يسمحان بفهم الأرضية المشتركة للمواقف المتطرفة لهذه
الظاهرة.
ورغم حداثة الظاهرة في بعض البلدان، سواء على المستوى الأوروبي
أو عبر الأطلسي (في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية)، إلا أن شبكة العلاقة
بينهما أقوى بكثير مما كانت عليه في الماضي والتي تربط العالم الأنجلو ساسكسوني
بأوروبا وحتى مع إسرائيل بالاعتماد على الأسس المشتركة لأحزاب اليمين العنصري، فيتم
استخدام وتطوير برامج مشتركة لهذه
الأحزاب ومبادئ توجيهية ليس في خطاب الحملات
الانتخابية، ولكن في السياسة العامة؛ يوافقون عليها أو يتقدمون بها على المستوى
التشريعي عندما تكون الأحزاب موجودة في البرلمان أو في الحكومة. وهذا عنصر مهم جدا
لتغذية شهية الناخبين التي تمكن قادة
اليمين المتطرف من استخدامها بمهارة كبيرة
واجتهاد، وبفضل المال الكثير الذي تغدقه شخصيات وشركات تدعم أفكار اليمين المتطرف،
فضلا عن أهمية استثمار وسائل التواصل الاجتماعي كعنصر مهم لانتشار هذه الأفكار.
بعد 87 عاما من سقوط النازية، لا يزال هناك خطر كبير من أن يتحول عنف اليمين المتطرف إلى عنف مؤسسي في دول الاتحاد الأوروبي، مع تصاعد خطاب ونقاش نظرية "الاستبدال العظيم" على وسائل الإعلام بتطوير خطاب معادٍ للأجانب والإسلاموفوبيا
وفي فرنسا مثلا عندما سُمح في العام 1995 لحزب الجبهة
الوطنية بافتتاح موقع الكتروني لنشر أفكاره والتغلب على انسداد وسائل الإعلام في
وجهه، كان له فترة الانتشار الفيروسي بالتركيز على "الأخبار المزيفة" وعلى
نظرية المؤامرة والتي تستخدم اليوم على نطاق واسع من قبل معظم اليمين المتطرف في
أوروبا
ومن قبل الرئيس السابق في أمريكا دونالد ترامب بطريقة عاطفية وصادمة لجذب الانتباه
ولتثبيت هدف من شقين؛ الأول زيادة استقطاب الشارع، وزيادة عدم الثقة بالمؤسسات، مع
إضافة الأسباب الهيكيلية التي تفسر لماذا تمكنت الأحزاب السياسية لليمين المتطرف
من إحراز تقدم انتخابي في بلدانها على مدار عقدين.
هناك آلية مبسطة أثبتت نفسها بالعثور على كبش فداء، وهذا
يعني الإشارة المستمرة إلى الجاني المثالي (الأجنبي) كمصدر لكل الأزمات والمشكلات
التي تعاني منها تلك المجتمعات، وهذه عناصر مشتركة مع الفاشية التاريخية التي سادت
في ثلاثينات القرن الماضي في ألمانيا وإيطاليا وانتشرت في ظل حكم الجنرال فرانكو
في إسبانيا. واليوم على وجه الخصوص نجد في خطاب اليمين المتطرف في فرنسا وألمانيا
وفي الولايات المتحدة، أن العدو هو المهاجر، لشرح كيفية تعزيز "المجتمع
الوطني" بالكشف المستمر عن العدو المفترض أو المُخترَع الذي يهدد روابط
المجتمع، وهو ما عبر عنه حزب ماري لوبان بعد تحقيقه الفوز الكاسح في انتخابات
البرلمان الأوروبي في التاسع من حزيران/ يونيو الحالي، حين قال مرشح اليمين
المتطرف جوردان بارديلا إنه لم يتغير برنامج الحزب بشأن الهجرة. ولا يزال مشروعه
يتضمن تدابير لتجفيف (مضخات شفط) الهجرة المفترضة، مثل إلغاء المساعدات الطبية
الحكومية للأجنب و"الأفضلية الوطنية".
بعد 87 عاما من سقوط النازية، لا يزال هناك خطر كبير من
أن يتحول عنف اليمين المتطرف إلى عنف مؤسسي في دول الاتحاد الأوروبي، مع تصاعد
خطاب ونقاش نظرية "الاستبدال العظيم" على وسائل الإعلام بتطوير خطاب
معادٍ للأجانب والإسلاموفوبيا.
عجز من النخب التقليدية على معالجة المشاكل الهيكلية لسنوات طويلة، خاصة في الخلل الناشئ من النموذج الاقتصادي النيوليبرالي وتراجع الطبقات الوسطى، وعدم استقرار العمل، وضعف رفاهية المجتمعات الغربية، والحد من السياسات الاجتماعية، فضلا عن الإخفاق الكبير في التعاطي مع أزمات حول العالم كالغزو الروسي لأوكرانيا، واستمرار النفاق الضخم بالتعامل مع القضية الفلسطينية والعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، وفرض سياسات إمبريالية ودعم الديكتاتوريات في العالم العربي وحول العالم
هناك عجز من النخب التقليدية على معالجة المشاكل
الهيكلية لسنوات طويلة، خاصة في الخلل الناشئ من النموذج الاقتصادي النيوليبرالي
وتراجع الطبقات الوسطى، وعدم استقرار العمل، وضعف رفاهية المجتمعات الغربية، والحد
من السياسات الاجتماعية، فضلا عن الإخفاق الكبير في التعاطي مع أزمات حول العالم
كالغزو الروسي لأوكرانيا، واستمرار النفاق الضخم بالتعامل مع القضية الفلسطينية
والعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، وفرض سياسات إمبريالية ودعم الديكتاتوريات في
العالم العربي وحول العالم.. كل ذلك يفتح الأعين على ظاهرة واضحة تجعل من القرن
الحادي والعشرين واحدا من أعظم قرون القبح السياسي، كما وصفه لوران دي سوتر، أستاذ
النظرية القانونية بجامعة "vriie" في بروكسل ومؤلف كتاب
"وجهات نظر نقدية"، والذي يضيف فيه أن صعود أحزاب اليمين العنصري
بالانتخابات ووصولها للسلطة تعبير عن فاشية ناعمة ومراوغة بالشعبوية من خلال إظهار
الازدراء للمبادئ التي تزعم الاستناد لها.
أخيرا، حين يعبر بعض الأوروبيين عن القلق من سياسات
محلية تسمح بصعود اليمين المتطرف ويصف بعضهم هذه السياسة بأنها تنجز خرابا كامل
لقارة بأكملها، فذلك فهمٌ لسياسة الدوران في فراغ لا يتصل مع العالم الملموس
ومشكلاته إلا بنظرة استعمارية واستعلائية، والتظاهر بإيجاد أسباب لهذيان التطرف
والعنصرية لتدجين المجتمعات وتذكيرها بالانتماء لعائلة واحدة من الفاشية تعمل على إنقاذها
من حكومات ومؤسسات أجندتها خفية، وبإبقاء شعار "أوروبا ليست ملكا لكم"
أنتم شعوب أوروبا، وهي لا تنتمي إلى الحكومات التي انتخبتموها، إذا لم تتحرك
بالسرعة التي نود أن نراها، أو من خلال الالتفاف حول شعار دونالد ترامب لتنفيذ
أكبر عملية ترحيل في التاريخ عبر الحدود في حال فوزه بالسلطة للحفاظ على :عظمة
أمريكا".
لكن تبقى الحقيقة التي يدركها الجميع أن الأزمة التي تمر
بها المجتمعات الغربية والأمريكية لا علاقة لها بمسألة رأسمالية واقتصادية فقط،
إنها مسألة قوة وفرضها الاستعماري على الآخرين، فهي من تتحكم بالعقل الفاشي
والعنصري، وفي منطقتنا العربية نموذج دموي لها في المؤسسة الصهيونية وبرامجها
وسياساتها الفاشية.
x.com/nizar_sahli