من كان يحاول خلال الأسبوع الفائت أن يحدّد سمات السياسة الأمريكية في
مختلف القضايا التي تواجهها، خصوصا الأهم دوليا والأهم بالنسبة إليها، يجد حالة من
الإرباك، لم يسبق لها مثيل، ويجد حالة من التردد والضعف والتخبط تلفت النظر إلى
حدّ العجب.
الوضع كله سيتأثر بالإرباك الأمريكي، وهذا أمر طبيعي لأن أمريكا وباعتراف
الجميع تحتل موقع الدولة الكبرى رقم 1، وتتقدم، مثلا، لمواجهة الحرب الأوكرانية
باعتبارها قائدة الطرف المواجِه لروسيا، أي الناتو.
وأمريكا هي الداعم الأول والمشجع الأول لمجلس الحرب الصهيوني في شنّ حرب
الإبادة، والتدمير الشامل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع
غزة، وهي الداعم والمشجع
الأول للحرب البريّة كذلك، ولولا هذا الدعم لما استمر العدوان ثمانية أشهر، ولما
دخل شهره التاسع.
السياسة الأمريكية مرتبكة أشدّ الارتباك في معالجتها لما قام من تناقض مع نتنياهو، والفشل في تسجيل نجاح في المفاوضات قد يحسّن من وضع بايدن في الانتخابات الرئاسية
وجعلت أمريكا تحاول إنقاذ الموقف في أوكرانيا، وقد راح يتفاقم بسبب إعطائها
الأولوية للحرب في غزة. وقد ضُربت عليها عزلة دولية عبر تحرك رأي عام عالمي
وأمريكي أخذا يتعاظمان في الهجوم على الكيان الصهيوني، وضد سياسات بايدن.
ولهذا جاءت زيارة وزير الخارجية بلينكن إلى منطقتنا حائرة حتى الفضيحة، وهو
يحاول تحميل حماس وحدها مسؤولية عدم الموافقة الكاملة على ما تُسمّى اتفاقية
الهدنة، أو في محاولته، في الآن نفسه، إظهار تناقضه مع
نتنياهو المُصّر على مواصلة
الحرب، والذي راح يصعِّد في رفح بحضور بلينكن.
وهكذا تكون السياسة الأمريكية مرتبكة أشدّ الارتباك في معالجتها لما قام من
تناقض مع نتنياهو، والفشل في تسجيل نجاح في المفاوضات قد يحسّن من وضع بايدن في
الانتخابات الرئاسية.
أما المهزلة الصارخة في التخبط الأمريكي فيمثلها قرار بناء الجسر
العائم، وبكلفة 350 مليون دولار، وكيف أُخِذَ قرار بإلغائه ولم يمضِ على إنشائه
ثلاثة أشهر، مما يدل على الارتجالية واتخاذ القرارات الخاطئة، والأنكى ما فعلت به
الأمواج وهي تتلاعب به، وتذهب ببعض أجزائه.
وبالمناسبة، فليتذكر
من ذهبوا بعيدا في تحليل ما يشكله من خطر التهجير، وما سيحققه من سيطرة أمريكية في
غزة والمنطقة. والسؤال: هل من مراجعة؟ أم التقدير المطمئن للوضع يمحوه النهار، والنسيان
سيد الشطحات؟
ثم هنالك الإرباك الأشدّ، حين تذهب كل جهود إدارة بايدن لإنقاذ نفسها،
وإنقاذ الكيان الصهيوني من الهزيمة أمام
المقاومة في حرب قطاع غزة، فيما أولويتها
الاستراتيجية المعلنة تفترض بأن تركز معظم جهودها في مواجهة الصين التي أخذت تزحف
رويدا رويدا، لاحتلال مكانة القطب الاقتصادي والتقني رقم 1 في العالم، فضلا عما
تقوم به الصين من تعزيز لعلاقاتها الدولية، ودعمها لروسيا في حرب أوكرانيا.
هذا الارتباك الأمريكي أخذ بالضرورة يترك أثره في إرباك كامل السياسة
الدولية، بانتظار نتائج حرب غزة، والتي ما زالت مستمرة. ومن ثم أصبح كامل الوضع
العالمي، بانتظار وقفها بعد ثمانية أشهر من وضع إقليمي وعالمي عاش مرهونا، عمليا،
على نتائجها.
تناقضات داخل الكيان الصهيوني، خصوصا بين الأحزاب الدينية والتيارات العلمانية، كما بين الحكومة والجيش، إضافة إلى التظاهرات ضد نتنياهو
وإن نظرة سريعة ومدققة إلى المحصلة العامة لنتائج الحرب في غزة، تكشف عن
هزيمة عسكرية ميدانية متواصلة لجيش الكيان الصهيوني، وفضيحة أخلاقية وقانونية
دولية وضميرية وسياسية، حلت بالكيان الصهيوني. وقد انتقل من حالة المدلل دوليا،
والمتحرّر من الخضوع للقانون الدولي، إلى مُدان بالجرم المشهود، بقتل الأطفال
والمدنيين والمعتدي على كل ما ينتسب إلى إنساني وأخلاقي وعقلاني عالميا. هذا من
جهة، أما من الجهة الثانية، فقد اشتدّ ساعد مساندي عدالة القضية الفلسطينية، وحقها
في المقاومة، وضرورة وقف العدوان، إلى جانب الرأي العام العالمي.
ثم هنالك ما أخذ يبرز من تناقضات داخل الكيان الصهيوني، خصوصا بين الأحزاب
الدينية والتيارات العلمانية، كما بين الحكومة والجيش، إضافة إلى التظاهرات ضد
نتنياهو.
بكلمة، إن المحصلة العامة للوضع بكل أبعاده هي في مصلحة المقاومة والقضية
الفلسطينية، وفي غير مصلحة الكيان الصهيوني وأمريكا، والحضارة الغربية التي أخفقت
في معالجة حرب الإبادة التي تمارس من قِبَل ممثليها السياسيين العسكريين.