لا تزال تصريحات سفيرة واشنطن الجديدة في بغداد، تريسي جاكوبسون، تثير الجدل في الأوساط السياسية
العراقية، خصوصا القريبة من طهران، فكان آخرها خلال خطابها أمام لجنة العلاقات بمجلس الشيوخ الأمريكي.
وحذّرت جاكوبسون، خلال خطابها في منتصف حزيران/ يونيو الجاري، من "نفوذ المليشيات المتحالفة مع إيران، التي تشكل خطرا كبيرا على مستقبل العراق"، مؤكدة أنها "ستعمل بكل الوسائل السياسية المتاحة للتصدي لهذا التهديد وتحجيم النفوذ الإيراني".
"استعراض إعلامي"
بخصوص تداعيات عمل السفيرة الجديدة على المشهد بالعراق، قال المحلل السياسي، فلاح المشعل، في حديث لـ"عربي21" إن "التوجّهات الأمريكية بشكل عام، سواء جاكبسون أو السفيرة المنتهية مدتها ألينا رومانوسكي، تتقاطع مع التمدد الإيراني في العراق".
وأوضح المشعل أن "الأمريكيين، يصنفون الأشياء بحسب سياستهم الخارجية، من منظورهم لما يحصل في العراق، لكن التساؤل الأهم هو: هل ما يطرحونه سيطبق على أرض الواقع؟".
وأشار إلى أن "تصريحات جاكبسون، أشبه بعملية البيدر والحقل، فهي لا تزال في الحقل، لكن حصاد البيدر عندما تأتي إلى البلاد وتدخل في تفاصيل الوضع العراقي وتشابك الجزيئات بين الطائفي والوطني والديني والعشائري، عندها أعتقد أنها ستخرج باستنتاجات أخرى".
ورأى المشعل أن "مثل هذه التصريحات سبق أن سمعناها من السفيرة الحالية ألينا رومانوسكي، قبل أن تتسلّم مهامها في العراق، والتي قالت حينها أيضا إنها ستقضي على المليشيات والفساد في البلاد، لكنها لم تستطع فعل أي شيء".
ولفت إلى أن "وضع العراق لا يعالج بدور دبلوماسي، وإنما بقرارات وقوانين، فعندما وضعت وزارة الخزانة الأمريكية ضوابط لبيع الدولار في البلاد، كان الأمر فاعلا، وكشف حقائق كثيرة تتعلّق بعمليات غسيل الأموال، وتبين أن بعض المصارف ليست سوى دكاكين لتهريب العملة".
وأوضح المشعل أن "حديث السفيرة لا يعني شيئا، بل إنه
القانون الأمريكي إزاء العراق كون
الولايات المتحدة لا تزال تمتلك الوصاية على هذا البلد، فإنها تحتاج إلى تشريعات عملية تنفيذية إجرائية وليس مجرد كلام".
ووصف تصريحات جاكبسون، أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، بأنها مجرّد "استعراض إعلامي"، لأن ما هو موجود من عملية سياسية في العراق هو نتاج أمريكي، "لكنها لا تنسجم مع ما تريده الولايات المتحدة، لذلك فهم عادة ما يهددون باتخاذ خطوات تجاه الوضع في البلاد".
وشدّد المشعل على أن "التصريحات الإعلامية لا تفعل فعلها، إلا في حال ساندها قانون صادر من الإدارة الأمريكية أولا قبل تشريعه، وقد يكون حديث جاكبسون يندرج ضمن الخطاب الموجه للداخل الأمريكي في ظل الصراع الانتخابي بين الجمهوريين والديمقراطيين".
"خطاب للضغط"
في المقابل، قال المتحدث باسم الإطار التنسيقي السابق، عائد الهلالي، في حديث لـ"عربي21"، إن "تصريحات السفيرة الجديدة لا ترتقي إلى الأعراف الدبلوماسية، ويبدو أنها غير مطلعة على الواقع العراقي".
وأوضح الهلالي أن "العراق قطع شوطا كبيرا في بناء الدولة ومؤسساتها، وحكومة محمد شياع السوداني، اتّخذت خطوات للتقارب مع دول العالم الكبرى، من خلال الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية الكبيرة، وكذلك العمل على تهدئة الوضع في منطقة الشرق الأوسط".
وأضاف السياسي العراقي أن "تصريحات السفيرة ربما تكون مقبولة لو أنها جاءت بعد عام 2003، لكن اليوم الجميع عازم على أن تكون هناك دولة عراقية تختلف عن الماضي، وذلك باعتمادها على العمل المؤسساتي، وأن يكون لها دور كبير جدا وإيجابي في الشرق الأوسط والعالم".
ولفت الهلالي إلى أن "دور العراق في المنطقة والعالم يأتي من كونه لاعبا أساسيا في سوق الطاقة العالمي، إضافة إلى أنه بات يشكّل أيضا حلقة وصل بين الشرق والغرب".
وفسّر تصريحات جاكبسون بأنها يراد منها "الضغط على الفصائل العراقية، التي بات لها دور معروف ومساند لحركة حماس في حرب غزة، إذ إن محور المقاومة خلق حالة من التوازن، وبالتالي فهذه رسالة للفصائل بأن تنسحب أو تخفف من حالة الدعم التي تقدمها للفلسطينيين".
واستبعد الهلالي أن "ينشب أي صدام بين الفصائل العراقية والقوات الأمريكية في الوقت الحالي، وأن الجميع لا يرغب في حالة التصعيد، لأن المنقطة قد تذهب إلى حروب وعدم استقرار، وبالتالي تحترق بشكل كامل".
وكان خالد اليعقوبي، وهو مستشار رئيس الوزراء العراقي للسياسات الأمنية، قد ردّ على تصريحات جاكبسون، بالقول إنها تدل على "عدم فهم واضح للعراق الجديد المتعافي وتدخل في شؤونه الداخلية وإساءة إلى جيرانه".
وأكد اليعقوبي عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" أن "على السيدة المرشحة أن تعي حقيقة واضحة، أن جملة ما تحدثت به لا يتناسب ومهام عملها الجديد، وأن مهمتها المرتقبة محددة بالاتفاقات والمعاهدات الدولية الواضحة”.
وقبل ذلك، قالت كتلة "صادقون" البرلمانية، التابعة لجماعة "عصائب أهل الحق" إن "تصريحات جاكوبسون تمثل استفزازا للعراق، وتعزز القناعة بأن الولايات المتحدة تتعامل وكأنها تحتل البلاد ووصية عليه. وهذا يمثل تجاوزا سافرا لأساس العلاقات الدولية".
من جهته، خاطب رئيس المجلس السياسي لجماعة "النجباء" الموالية لإيران علي الأسدي، جاكوبسون، بالقول: "عليكِ أن تعي وتعلمي أن الأيام بيننا ولن تكون صفعاتنا القادمة إلا على الأنوف، وسترين لمن الكلمة الفصل".
واتّهم الأسدي عبر تدوينة نشرها في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، السياسيين العراقيين، بـ"التخبط والانجرار وراء المطامع والانتهاكات الأمريكية، والتغافل عن حماية سيادة واستقلال العراق".