نشرت صحيفة "
الغارديان" تقريرا لمراسلها
جيسون بيرك أعده من الأردن حيث إنه زار
مخيم الوحدات أكبر مخيمات اللاجئين في عمّان واستطلع
مواقف السكان من حرب
غزة.
وقال إن أحمد سعيد أبو فارس المقيم في مخيم
الوحدات يشعر بالفزع عندما يرن هاتفه المحمول: "في كل مرة رعب وخوف"،
ولكن أبو فارس كان مرتاحا بعدما تلقى مكالمة قصيرة من أخته الكبرى في غزة، وأخبرته أنها وأبناءها بخير.
ولأول مرة من أسابيع شعر تاجر الخردة، 61 عاما، بالراحة
و"لم نستطع الوصول إليهم والتأكد من سلامتهم عندما قصف البيت واستشهدت اثنتان
من بنات أختي، ولم أعرف عن استشهادهن إلا بعد أسابيع، ولهذا كنت أشعر بالفزع كلما رن
هاتفي" و"أشعر الآن بالراحة وتقول إنهم متعبون ولكنهم سالمون".
ومع صعود أرقام الضحايا في غزة إلى أكثر من
38,000 شهيد وأكثر من 87,000 جريح فإن الكثير من سكان الوحدات يعرفون من استشهد أو
أصيب في الحرب.
أبو فراس ليس وحيدا في فزعه فهناك الكثيرون في المخيم
يمرون بنفس الوضع: "كلنا نشعر بنفس الأمر، فكل واحد في المخيم تقريبا له شخص استشهد
في غزة ولا يستطيعون عمل أي شيء". وقد فرّت زوجة أخ أبي فراس من شمال غزة بعد
هجوم السابع تشرين الأول/ أكتوبر إلى جنوب غزة، ونزحت منذ ذلك الوقت أكثر من مرة
وهي الآن في خان يونس، حيث أمر الجيش الإسرائيلي السكان بالجلاء مرة أخرى.
وقال أبو فراس: "في غزة هم جياع، نعرف هذا ولكن
ماذا نفعل؟ ونحاول الاتصال مرة وبعد 50 محاولة يردون مرة". وأنشئ مخيم الوحدات
كمكان بسيط لاستيعاب الفلسطينيين الذي أجبروا على الخروج من بلادهم وفروا إلى الأردن
أثناء الحرب التي أدت لنشوء "إسرائيل" عام 1948، وزاد العدد بعد حرب
1967 حيث احتلت "إسرائيل" غزة والضفة الغربية.
وهناك مليونا فلسطيني مسجلون كلاجئين ونسبة النصف
من سكان المملكة البالغ عددهم 11 مليون نسمة لهم جذور في فلسطين، بمن فيهم الملكة رانيا.
ويحمل الكثيرون الجنسية الأردنية، إلا أن أعدادا مهمة ممن جاءوا قبل عقود لا يحملون
الجنسية. ولكن الجميع لديهم أقارب إما في داخل فلسطين المحتلة عام 1948، أو في غزة، أو في الضفة
الغربية.
وقال بيرك إن الناس في شوارع الوحدات أثنوا على
"المقاومة المسلحة" في غزة وانتقدوا الحكام العرب لأنهم لم "يفعلوا
شيئا".
وقال جار أبي فارس، محمود القريوتي، 30 عاما:
"نتابع الأخبار 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع، وكلنا يشعر بنفس الأمر.
ولكننا كأناس عاديين لا نستطيع عمل شيء، فالأمر بيد الله والناس في السلطة".
ويقول بيرك إن المسؤولين الأردنيين يردون على اتهامات
التقاعس بالقول إن المملكة قامت بعدة محاولات في غزة نفسها، وبنت مستشفيات ميدانية
وأقامت ممرات إنسانية وأسقطت المساعدات من الجو، وفي الوقت نفسه حاولت الضغط على القوى
الغربية لوقف الحرب.
وألقى الملك عبد الله الثاني والملكة رانيا خطابات
قوية اتهما فيها "إسرائيل" بارتكاب جرائم حرب، وحظيت بمتابعة على منصات التواصل
ومن المتابعين الكثر لهما.
ودافع الأردن بقوة عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين (أونروا) ضد الاتهامات الإسرائيلية لها بالعمل مع حماس.
ويرى بيرك أن النزاع زاد من حدة التوتر داخل المملكة
والذي حاول المسؤولون ولفترة طويلة التقليل منه. ونقل الكاتب عن محمد أبو رمان، المستشار
الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع بعمان: "لدينا مشكلة من الناحية الاجتماعية:
مسألة الهوية والمرتبطة بشدة بالمسألة الفلسطينية، فنصف السكان هم فلسطينيون، ومعظهم
ينظرون إلى أنفسهم كأردنيين، لكن روابطهم قوية بفلسطين".
ومن الناحية التاريخية يعتبر الأردن أكبر مناصر للفلسطينيين
في المنطقة، وهي سمعة قد تتعرض للتهديد. فصورة انتشرت بشكل واسع على منصات التواصل
الاجتماعي في نيسان/ إبريل، في أثناء مظاهرة ودعت الجيش الأردني إلى الاستجابة لنداءات
الأطفال والنساء في غزة والانتقام من أعدائهم وتحرير الأرض مع هاشتاغ "نحن جيش
الكرامة" في إشارة إلى معركة الكرامة التي خاضها الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية
عام 1968 ضد الجيش الإسرائيلي الذي كان يحاول تدمير قواعد المقاتلين الفلسطينيين في
الأردن. وانسحب الجيش الإسرائيلي لاحقا بعد تكبده خسائر بسبب القصف المدفعي الأردني.
وقال بيرك إن الكثير من الفلسطينيين الأردنيين
باتوا نتيجة للحرب في غزة، ينظرون إلى هويتهم بطريقة جديدة. وقال ناشط في عمان، لم يرد
الكشف عن هويته بعد اعتقاله في تظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية في عمان: "أنا
أصلا من فلسطين. وأشعر بأن علي عمل شيء. وجعلني النزاع أكثر وعيا بهويتي الفلسطينية".
ويشير الكاتب إلى أن الكثير من الأردنيين يعترفون
ويأسفون للتحدي الذي يواجه حكامهم وهم يحاولون موازنة علاقات المملكة الصغيرة مع الولايات
المتحدة بالدعوات المطالبة بتحرك قوي. وقال أحد الناشطين: "أشعر أن الأردن مهم
في النزاع، ولدينا حدود طويلة مع "إسرائيل" وعلاقات اقتصادية، وهذا يعني
أنه يجب علينا عمل المزيد وليس الأقل".
يقول التقرير إن الإحباط في مخيم الوحدات واضح، حيث
تغطي الجدران الكتابات الجدارية/ غرافيتي تدعم ضمنيا حماس التي أغلقت مكاتبها في الأردن
عام 1999. وتدعو الملصقات وإن بشكل متكتم للنصر في غزة.
وقال جميل الصفدي، 49 عاما، والذي يعمل نجارا:
"الشعب الوحيد في العالمين العربي والإسلامي الذي جعلنا فخورين هو في غزة"
و"من الناحية التاريخية كان الوضع دائما على هذا النحو للفلسطينيين، فلا أحد على
ما يبدو قادر على عمل شيء لنا. وكلما طال أمده، زاد غضب الناس. وأهم شيء لنا لشرفنا
هو مواصلة قتال "إسرائيل" وهو ما تفعله المقاومة في غزة".
وهي مشاعر منتشرة بشكل واسع ولن تتلاشى طالما استمرت
الحرب في غزة. ويرى محللون أن الغضب والقلق الناجم عن حرب غزة سيترك تداعياته على المملكة
ولسنين قادمة.