صحيح أنه مع انتخاب رئيس
حزب العمال كير ستارمر رئيسا لوزراء المملكة المتحدة، ربما تجد دولة
الاحتلال آذانا صاغية أكثر من أي وقت مضى في داونينغ 10، لكن سيكون لزاما عليها أن تتعامل معه بحكمة في ضوء جهوده الساعية للحفاظ على وحدة حزب العمال، وفي الوقت نفسه التعامل مع المشاعر المعادية للاحتلال الإسرائيلي الموجودة في أجزاء معينة من حزبه، وبين المسلمين في
بريطانيا عموما، ولذلك لن يكون الأمر سهلا على الإسرائيليين.
دوف ميمون الباحث بمعهد سياسات الشعب اليهودي (JPPI) ومنسق أنشطته في أوروبا، ذكر أنه "بينما يزداد اليمين المتطرف قوة في معظم الدول الأوروبية، فإن الاتجاه في بريطانيا عكس ذلك بما يشير إلى الاستقرار السياسي والتوافق، وبعد 14 عاماً من حكم المحافظين، الذي فشل في تحقيق حكم فعال، وعجز عن القضاء على التدهور الاقتصادي والفقر، جاءت الثورة، وكما كان متوقعا، تعرضوا لهزيمة ساحقة، الأكبر في المائة عام الماضية، فقد حظوا بـ131 مقعدا فقط، فيما فاز العمال بـ410 مقاعد".
وأضاف في مقال نشره موقع "
واللا"، وترجمته "عربي21" أنه "بينما يقدم ستارمر منظورا فريدا، فزوجته اليهودية تعلم طفليه وفق التقاليد اليهودية، ولذلك فإن شخصيته القيادية قد يكون لها تأثير كبير على العلاقات مع إسرائيل، خاصة أنه خلال الحملة الانتخابية، تعرض لانتقادات بسبب حفاظه على التقاليد اليهودية، خاصة توقفه عن العمل في الساعة السادسة مساء يوم الجمعة لقضاء بعض الوقت مع عائلته، وجادل منتقدوه بأن هذا سيجعله "رئيسا للوزراء بدوام جزئي"، لكنه ظل على موقفه، مع التأكيد على أهمية الأسرة والتقاليد في حياته، ولاقى هذا الالتزام الراسخ بمبادئه العائلية صدى لدى العديد من الناخبين، وساهم في فوز حزب العمال الساحق".
وأوضح ان "ستارمر يمثّل خروجا حادا عن الماضي الحديث للحزب في عهد جيريمي كوربين، الذي كانت قيادته مليئة بمعاداة السامية، وكان أحد أهم تصرفات الزعيم الجديد النأي بنفسه عن إرث سلفه المثير للجدل، حتى إنه قاد حملة لـ"تطهير" الحزب من العناصر المعادين للسامية، إلى حدّ الإطاحة بكوربين نفسه، فضلا عن تعريف نفسه بأنه "صهيوني"، ولذلك فقد دعم تصوره لدولة الاحتلال تحولًا كبيرًا في موقف حزب العمال من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
رغم ذلك كله، يقول الكاتب إنه "سيتعين على ستارمر أن يتنقل بحكمة، ويوازن بين وجهات نظره الشخصية، والمشاعر المعادية لدولة الاحتلال التي لا تزال موجودة في بعض أجزاء حزبه، ما يعني أن لهذه الانتخابات ستكون آثار مهمة على العلاقات البريطانية الإسرائيلية، بعد سنوات من عدم اليقين والتوتر في ظل قيادة كوربين، لكن ستارمر سيكون مطالبا بالتصرف بحذر للحفاظ على وحدة الحزب، مع الترويج لرؤيته لدور بريطانيا في الشرق الأوسط".
وأكد أن "العقبة الرئيسية أمام تحسين موقف بريطانيا تجاه الاحتلال مرتبطة بـ"البريطانيين الجدد"، وهم المهاجرون ذوو الأصول المسلمة، الذين يشكلون 30% من عموم السكان في بعض المدن الكبرى، وفي السنوات الأخيرة، تم تنظيم لوبي يسمى "صوت المسلمين"، يشبه في وظيفته "إيباك" في الولايات المتحدة المؤيد للاحتلال، ويعمل على الترويج للمسؤولين المسلمين المنتخبين، ويفحص مواقف المرشحين تجاه الفلسطينيين في انتخاب عدد من رؤساء البلديات المسلمين في المدن الكبرى، ويعتبر بعضهم من ذوي المواقف المناهضة للاحتلال".
وزعم أن "هذا اللوبي البريطاني يتخذ نهجا متشددا، وقد يتطلب من رئيس الوزراء الجديد تبني سياسة تنتقد الاحتلال، وتشير التقديرات إلى أن المسلمين يشكلون 6.5% من سكان بريطانيا، وأكثر من 80% منهم صوتوا لصالح حزب العمال في 2019، لكن دراسة أجريت قبل انتخابات 2024 مباشرة أشارت إلى أن دعمهم للحزب انخفض بنسبة 20%، فيما وصفت نسبة اليهود البريطانيين الذين يشكلون 0.5% من سكان المملكة وصوتوا لحزب العمال بزعامة كوربين بالضئيلة، رغم أن الدراسات الحالية تشير إلى أن هذا الرقم قد يرتفع مرة أخرى لأكثر من 40%".
الخلاصة الإسرائيلية أنه رغم كل هذه التحديات، فإن نتائج الانتخابات تبعث برسالة واضحة حول الرغبة باتباع نهج أكثر توازنا في التعامل مع القضايا الدولية المعقدة، صحيح أن جهود ستارمر ضد أعداء دولة الاحتلال تمثل فرصاً لها، لكنها في الوقت ذاته تأتي معها بتحديات، والآن يبقى أن نرى ما إذا كان سيتمكن من تحقيق التوازن بين العوامل المعقدة في حقبة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.