المؤشرات العامة لمختلف الأبعاد المؤثرة في
الحرب في قطاع
غزة، وبعد مضيّ تسعة أشهر عليها، شكلت قناعة عامة بأن المقاومة
انتصرت في الحرب البريّة، ولم يعد من السهل التشكك في انتصار المقاومة، مهما طالت
الحرب.
وقد تمّ الوصول إلى هذه النتيجة، بعد المرور
بمراحل من التخوّف، وإبداء الشكوك لدى البعض، حول مدى إمكان انتصار المقاومة، في
مقابل ما كان يعلنه الجيش الصهيوني، من خطط في مواجهة الحرب، أو في التغلب على
المقاومة في نهاية المطاف. وكان يعزّز هذه المخاوف والشكوك، تاريخ الجيش الصهيوني
العسكري.
ما الذي يفسّر عودة نتنياهو إلى التصعيد الأعلى في القتل الجماعي للمدنيين، وتهديم البيوت، واغتيال الناس بالجملة، وعلناً في الساحات العامة، وإضافة، بالمضيّ بعيداً في سياسة التجويع على نطاق عام؟
على أن هذه التقديرات المتشائمة، سرعان ما
تبدّدت مع مجرى الحرب البريّة التي امتلكت فيها المقاومة، زمام المبادرة. وأثبتت
أن يدها العليا في معاركها الصفرية كل الوقت، طوال تسعة أشهر. وقد ظهرت هذه
المعادلة نفسها في حرب المساندة التي خاضها اليمن وحزب الله، والمقاومة في العراق
كذلك.
هذا وتبدّدت خلال التسعة أشهر، المخاوف التي
تحدث فيها الكثيرون، متأثرين بهول مجازر الإبادة والقتل الجماعي، وما صحبها من
تهويل، كجزء من الحرب النفسية.
وذلك من خلال ما أظهره الشعب من أسطورية في
الصمود والاحتساب والإيمان والتحمّل، إلى جانب ما عكسته تلك المجازر من انقلاب في
مواقف الرأي العام العالمي، نصرة للمقاومة والشعب والقضية
الفلسطينية، مع ما لحق
من سوء سمعة واتهام للكيان الصهيوني، من حيث كونه مجرم حرب، ومجرم إبادة إنسانية،
ومنتهكاً فظاً ووقحاً للقوانين الدولية والإنسانية، بل لكل قيمة عالمية تفرق بين
عالم الوحوش وعالم الإنسان.
على أن يوميّ 12 و13 تموز/يوليو 2024، شهدا
تصعيداً من جانب نتنياهو ومجلس حربه، فاق ما حدث يومياً، من إبادة بشرية وتدمير
شامل، خلال الأشهر الستة الأخيرة، حيث اضطر طوال تلك الأشهر التخفيف نسبياً من
القتل الجماعي، تحت الضغط الدولي الذي تصاعد، ولا سيما، وهو يخرج كل المستشفيات من
الخدمة، والإمعان في سياسة التجويع والحرمان من الماء والدواء.
والسؤال اليوم، ما الذي يفسّر عودة نتنياهو
إلى
التصعيد الأعلى في القتل الجماعي للمدنيين، وتهديم البيوت، واغتيال الناس
بالجملة، وعلناً في الساحات العامة، وإضافة، بالمضيّ بعيداً في سياسة التجويع على
نطاق عام؟
الجواب أولاً، جاء التصعيد لتغطية المحصلة
العامة في الحرب البريّة، التي أخذت تشهد المزيد من العمليات البطولية، وإنزال
الخسائر بالضباط والجنود والآليات.
اللجوء إلى تصعيد القتل الجماعي، لا يغيّر من معادلة موازين القوى، والصمود الشعبي والمقاومة. كما ثبت طوال الأشهر الماضية.
والجواب الثاني نجم التصعيد عن المأزق
السياسي الذي وقع فيه نتنياهو، بعد المبادرة التي اتخذتها قيادة المقاومة، من أجل
التوصل إلى اتفاق هدنة. وقد حركت المتفاوضين في قطر ومصر ورئيس المخابرات
الأمريكية، ورئيس الموساد والشاباك، للدخول مرة أخرى في محاولة للتوصل إلى اتفاق
هدنة، مما شدّ الخناق على نتنياهو. وأربك خطته في استمرار الحرب.
وبكلمة، أراد من هذا التصعيد الإفادة من
إغلاق الجامعات، ومن انشغال بايدن في موضوع الانتخابات الرئاسية. وأراد نتنياهو من
السبب الثاني إفشال مبادرة حماس وإنهاء المفاوضات.
ولكن اللجوء إلى تصعيد القتل الجماعي، لا
يغيّر من معادلة موازين القوى، والصمود الشعبي والمقاومة. كما ثبت طوال الأشهر
الماضية.
لذلك ما ينبغي لأحد أن يتخوّف من هذا
التصعيد المجرّب، وفي النهاية، الفاشل. وذلك بالرغم مما يسبّبه نفسياً زيادة القتل
والبطش في المدنيين، أو محاولة نتنياهو الإيهام، بأن التصعيد نال من قيادة في
المقاومة.
وهذا غير صحيح، وكُذب رسمياً. مما يدّل على
أن نتنياهو في حالة إفلاس، ويعاني من فشل تلو فشل.
لذلك يجب ألاّ يُسمح لتهويله بالتصعيد
والقتل، أو الإعلان الكاذب باستهداف قيادات، بأن يؤثر في معنويات أحد، ما دام
تهويلاً إلى فشل، ومصدره الإفلاس والارتباك.