أكد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أن جوهر
الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط ذو طابع أمني دفاعي، وهو ما تكشفه تدخلاتها
الخارجية في المنطقة التي بدأ الناتو يُزاحمها فيها، مشيرا إلى أن ذلك يتعزز بأن
40- 50% من مبيعات
روسيا العسكرية مُوَّجهة لهذه المنطقة، إضافة لسعيها لإيجاد
قواعد عسكرية لها في المنطقة، بالإضافة إلى تطوير المثلث الاستراتيجي الروسي
الصيني الإيراني، والذي تكرس سنة 2019 بالمناورات البحرية المشتركة للدول الثلاث
وتعميقها بعد
الحرب الأوكرانية.
ووفق دراسة أعدها الأستاذ الدكتور وليد عبد
الحي، ونشرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بعنوان "الاستراتيجية
الروسية تجاه طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة"، فإن السياسة
الخارجية للدول الكبرى بما في ها روسيا تتسم بأنها ذات منظور "عالمي"
يحدد مكانة كل إقليم في استراتيجيتها طبقاً لاستراتيجيات خصومها في ذلك الإقليم.
وقالت الدراسة: "أدركت روسيا ضرورة
بناء استراتيجيتها نحو الشرق الأوسط لمواجهة التخطيط الغربي الساعي لمتابعة التفكك
السوفييتي باتجاه مزيد من التفكك في الاتحاد الروسي، وخصوصاً من خلال تحريك
النزعات الانفصالية داخله، لا سيما وأن روسيا تضم 22 جمهورية و89 كياناً اتحادياً،
وتشكل أقلياتها 19% من السكان".
وأضافت: "أدركت روسيا هذا التوجه من
خلال المؤشرات التالية: 1 ـ الدعوة الأمريكية في مؤتمر مجلس الناتو في
براغ سنة 2003 إلى "توسيع عمل الناتو شرقاً وجنوباً"، أي في منطقة تمتد
من المغرب العربي حتى آسيا الوسطى. 2 ـ تدخل الناتو في ليبيا سنة 2011 شكل تنفيذاً عملياً لتوسع عمل الحلف. 3 ـ في سنة 2021 تمّ نقل
تبعية الجيش الإسرائيلي من القيادة الأوروبية للقوات الأمريكية إلى القيادة
المركزية التي تغطي منطقة توسع الناتو المشار لها".
وأكدت الدراسة أن ما سبق يضع الإطار
الاستراتيجي الروسي تجاه معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة،
كما يلي:
1 ـ تنظر روسيا لإيران من زاويتين: أنها حليفها الأقوى في
المنطقة، ولكنها مركز محور المقاومة. وقد وضع طوفان الأقصى العلاقة الروسية
الإيرانية أمام اختبار بخصوص درجة اتساق العلاقة الروسية الإيرانية، فالرد الروسي
على الهجمات الإسرائيلية على سورية ما زال قاصراً، لكن ذلك لا ينفي أن هذه السياسة
الإسرائيلية تعمق التباعد في العلاقات الروسية الإسرائيلية، وتدفع روسيا ببطء نحو
محور المقاومة، خصوصاً مع انحياز "إسرائيل" للمعسكر الغربي في حرب
أوكرانيا.
2 ـ خشيت روسيا من انعكاس حرب غزة على استقرارها الاجتماعي
من خلال الآتي:
أ ـ حصلت اضطرابات في داغستان الإسلامية
ضدّ قدوم يهود مهاجرين من "إسرائيل" بعد أيام من الطوفان.
ب ـ ينتمي أغلب اليهود في
"إسرائيل" ممن هاجروا من الاتحاد السوفييتي إلى كل من روسيا وأوكرانيا
وبيلاروسيا، وتخشى روسيا أن تنعكس خلافات هذه الدول على استقرارها الداخلي.
3 ـ استثمرت روسيا الاضطراب الاجتماعي الغربي في الشارع
والجامعات وبين المؤسسات لكشف ازدواجية المعايير عند مقارنة الموقف الغربي من
"إسرائيل" وروسيا، كما صرف الطوفان الانتباه عن السلوك الروسي في
أوكرانيا.
4 ـ أدى الطوفان لتحويل بعض المساعدات الأمريكية والغربية من
أوكرانيا لـ"إسرائيل"، مما خفَّف الضغط على روسيا.
5 ـ دفع الموقف الإسرائيلي المنحاز لأوكرانيا نحو توجُّهٍ
روسيٍ للتقارب مع حماس، وتوظيفه لتعميق وتحسين القبول الروسي في الدُّول الإسلامية
والعالم الثالث، ولتقليص الفجوة مع التيارات الإسلامية حول التدخل الروسي في سورية
سنة 2015، وتعزز ذلك باستضافة روسيا وفداً من حماس في 26/10/2023، وبعدها تمّ
الإفراج عن 3 رهائن روس من أصل 6؛ كما استضافت وفداً آخر في 24/6/2024.
6 ـ أجبرت الحرب الأوكرانية "إسرائيل" على ضرورة
اتخاذ موقف محدد، وهو ما فعلته بإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهو
ما جعل روسيا أقل حماساً لترميم العلاقة مع "إسرائيل" بعد انفجار
الطوفان.
7 ـ إذا كانت أوكرانيا وحَّدت الموقف الغربي ضدّ روسيا، فإن
الطوفان أفرز تباينات تحاول روسيا استثمارها خصوصاً بعد موقف عدد من الدول
الأوروبية بقيادة إسبانيا من الاعتراف بفلسطين.
8 ـ أما موقف الرأي العام الروسي من الطوفان وتداعياته فيتضح
في نتائج استطلاع رأي عام روسي أجراه مركز لافادا في 25/10/2023:
ـ 88% من الروس
يتابعون تطورات الطوفان (مقابل 86% يتابعون أوكرانيا).
ـ 66% من الروس يتخذ
موقفاً محايداً تجاه الطوفان.
ـ 21% يتعاطفون مع
فلسطين مقابل 6% مع "إسرائيل".
ـ كبار السن الروس أكثر تعاطفاً مع فلسطين، بمعدل 4 أضعاف
الشباب تقريباً، خلافاً للواقع في الغرب.
ـ 46% فقط من مسلمي
روسيا متعاطفون مع فلسطين، وهو امتداد لموقف دول آسيا الوسطى.
ـ وحول تحديد المسؤول عن الانفجار في الشرق الأوسط أجاب
45% أمريكا والناتو، و12% "إسرائيل"، و8% حماس، والباقي لا يعرف.
ولاحظت الدراسة أن الديبلوماسية الروسية
أقرب لموقف محور المقاومة في التصويت على القرارات الدولية في أجهزة الأمم
المتحدة، أما في موقفها من قرارات المحكمة الجنائية (التي أصدرت حكماً على
فلاديمير بوتين كالذي أصدرته ضدّ رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه الحالي)،
فإنها لا تتبنى
مواقف المحكمة، خصوصاً أنها ليست طرفاً في نظام روما المؤسس لهذه
المحكمة. أما مع محكمة العدل الدولية (دعوى الإبادة الجماعية ضدّ
"إسرائيل") فإن الموقف الروسي هو تأييد أن "المحكمة اعترفت مبدئياً
بمسألة الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وهذا يؤكد ضرورة وقف العنف فوراً".
وعن التوجهات العامة لروسيا تجاه الطوفان،
أكدت الدراسة أنه يمكن تحديد التوجهات العامة لروسيا تجاه طوفان الأقصى والعداون
الإسرائيلي على القطاع كما يلي:
1 ـ قبول حلّ الدولتين على أساس قيام دولة فلسطينية على حدود
1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتكون عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة، واعتبار
الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة إقليمية واحدة، والمطالبة بوقف الاستيطان الإسرائيلي
ووقف أي تهجير قسري للفلسطينيين، واحترام الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة.
2 ـ عدم المشاركة في الوساطة بين المقاومة
و"إسرائيل"، وتركه للولايات المتحدة وقطر ومصر، لكن البيانات الروسية
تُكرر الدعوة لوقف دائم لإطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن فوراً دون شروط.
وهو ما اتضح في بيان منظمة البريكس في نيسان/ إبريل 2024، ناهيك عن نقد روسي ضمني
لعمليات أنصار الله في البحر الأحمر وبحر العرب لتأثيرها على "حرية الملاحة
البحرية الدولية"، إضافة للعجز عن كبح الضربات الإسرائيلية المتواصلة للأهداف
في سورية.
3 ـ توجيه الدعوة لوفود من المقاومة للتشاور أو لمساعدة
الفلسطينيين على تسوية مشاكلهم السياسية الداخلية، وهو أمر عدَّته
"إسرائيل" اعترافاً روسياً بشرعية قوى المقاومة كلها.
4 ـ تحسين الصورة الروسية في الذهن الشعبي العربي، خصوصاً
لدى القطاعات العربية التي أنكرت على روسيا تدخلها في سورية سنة 2015.
5 ـ توظيف انكشاف ازدواجية المعايير في منظومة القيم
الغربية، خصوصاً فيما يتعلق بالموقف والمقارنة بين غزة وأوكرانيا.
6 ـ يُلاحَظ أن الموقف السياسي الروسي المتقدم نسبياً، لا
يتسق مع ضآلة مساعداتها المالية المقدَّمة لفلسطين.
7 ـ زادت صادرات روسيا
لـ"إسرائيل" بين 2018 و2023 بنحو 58.3%، وزادت وارداتها بنحو 27.4%، لكن
أزمة أوكرانيا والطوفان لجمتا هذا التطور.
وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم الثلاثاء،
ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين جراء الحرب الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/ تشرين
الأول الماضي، إلى "38 ألفا و713 شهيدا و89 ألفا و166 إصابة".
وإلى جانب الضحايا، ومعظمهم طفال ونساء،
أسفرت الحرب الإسرائيلية التي تحظى بدعم أمريكي مطلق عن أكثر من 10 آلاف مفقود،
وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
وقالت الوزارة في تقرير إحصائي يومي:
"
الاحتلال الإسرائيلي يرتكب مجزرتين ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها
للمستشفيات 49 شهيدا و69 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضية".
وتواصل إسرائيل حربها على غزة متجاهلة قراري
مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح
(جنوب)، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، ولتحسين الوضع الإنساني
الكارثي بالقطاع.
كما تتحدى تل أبيب طلب مدعي عام المحكمة
الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو
ووزير دفاعها يوآف غالانت، لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب" و"جرائم ضد
الإنسانية" في غزة.
وللعام الـ18، تحاصر إسرائيل قطاع غزة،
وأجبرت حربها نحو مليونين من سكانه البالغ عددهم نحو 2.3 مليون فلسطيني، على
النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد في الغذاء والماء والدواء.