قال الفيلسوف المغربي،
طه عبد الرحمن، إن "أرض فلسطين تجمعت وتجذّرت فيها أسباب القداسة؛ والغزّاوي يتحرك اليوم في مجال الكمالات الإلهية، لا النقصانات الإنسانية؛ وإن زمن المرابط الفلسطيني غير زمان غيره، إذ إن ذاكرة فلسطين قد اتصلت وتداخلت فيها الآثار الروحية".
وأوضح عبد الرحمن، خلال محاضرة في معهد التفكّر الإسلامي في أنقرة، أنه "مهما أصيب وابتلي وما وقع له من الشرّ المطلق، فإن الإنسان الكامل اليوم هو الإنسان الغزاوي، وقدرته على التأثير تجعله ينسى ذاته، ولو ذكر بحقها عليه، وهذا سر كونه في خدمة أخيه الإنسان، لتذكره الميثاق الأول: ألست بربكم، ميثاق الربوبية والوحدانية".
وتابع الفيلسوف المغربي، مدافعا عن كون
المقاومة الغزاوية خاصة، والفلسطينية عامة، تجدّد القيم الإنسانية وتحرّر الإنسان في مختلف أنحاء العالم من القيود التي بسطها على فكره وفطرته، بالقول: "لم يخطر في بالنا آنذاك عقد مقارنة علمية بين -الشر المطلق- والأقصى، الذي سبق استخدامه من فلاسفة؛ لكن وقع الآن ما كنا نستشعر من ظلم ومآس وجبت -المرابطة الفكرية- وبات لزاما علينا هذه المقارنة".
وأبرز، أن "المرابط الفلسطيني المتمثّل في المرابط الغزاوي، هو الإنسان العالمي، وإيذاؤه إيذاء للعالم كله"، مردفا بأنه "هو اختير من بين البشر كلهم، لتكون له مهمتان تشملان الإنسانية جمعاء، من أجل تجديد القيم الإنسانية، وتحرير الإنسان في العالم".
وبحسب قراءة طه عبد الرحمن، فإن هذا الميثاق تلبّس به "ميثاق الإشهاد، كأنه في رباطه ساجد أمام ربه"، متابعا بأن "الغزاوي يستمد من هذا الكمال قيما جديدة، فمن ينكر أن الصمود الذي زانه بما لم يزن غيره، قيمة تولّى هو تجديدها، فبلغت من التأثير درجة أن ينسب إليها انتصاره على عدوه، وصل قيمة الصمود بالكمال الصمدي والصمد عز وجل، والأمر ليس بيده، بل اختير لتلهمه الكمالات الإلهية".
"للفلسطيني حريتان: حرية أصلية، وحرية موافقة إرادته لإرادة ربه؛ أي قبول الأمانة، أن يتصرف ويأتي من الأفعال ما يرضي الله ويوافق إرادته، الأولى حرية الاختيار والثانية حرية الامتثال". استرسل طه، مردفا: "لا يجاهد ليحرر الإنسان من جهة موافقة إرادته إرادة ربه، بل من جهة الحرية الأصلية حتى ولو لم توافق إرادته إرادة ربه، فهو يحرر الإنسان في الاختيار الأول الذي أعطاه الله للإنسان".
وأكّد أن "الحرية التي يدافع عنها في
غزة، الحرية الأصلية، والفلسطيني يحمل لواء تحرير الإنسان أي رد الحرية الأصلية إليه؛ وإيذاء الفلسطيني الغزاوي وهو نموذج الإنسان، وفي إيذاءه إيذاء العالم، وجوانب هذا الإيذاء المادية مشهودة رأينا منها ما لا يطاق، لكن هذا الإيذاء أبعد؛ حيث الإبادة الجذرية".
وأوضح: "لا الإبادة الجماعية، كما سار الاصطلاح، وتتمثل في السعي إلى إبادة الفطرة عند الفلسطيني، وإبادة الأمانة عنده، وإبادة المواثقة؛ لأن الغاية الحقيقية هي الإبادة الجذرية، لا مجرد هدف (هدم) العمارات إذ إن هذه وسائل، وعند -الشر المطلق- كل الوسائل تبرر الغاية".
إلى ذلك دعا الفيلسوف المغربي إلى "التصدّي الأكبر للشر المطلق" من خلال أنه "لا بد أن يكون التصدي الأكبر عالميا، بالتتلمذ على الغزاوي والفلسطيني في تصديه للشر المطلق، من حيث القيم التي يبثها في تصديه، والأصل القيم لا المظاهر".
وأشار إلى أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي في خطابه بالكونغرس الأمريكي: "يكذب كذبا مطلقا والآخرون يصفقون، هل بقي إدراك للشر والخير؟! لم يبق أي إدراك للشر والخير؛ يتعين ملازمة أحداث فاصلة وقضايا مصيرية يواجه فيها الشر المطلق بكل قوة، والمرابطة فيها لإحداث ثغرات تهز كيانه".
كذلك قدّر عبد الرحمن أن "العالم الآن كله غزة، لأن حاجته إلى التفكر لا تقل عن حاجتها إليه؛ فالشر المطلق يحاصر العالم، ويعتقله كما اعتقلت غزة، لكن باعتقال خفي لا اعتقال ظاهر، والدليل هو أن الإرادات في الزعامات عطلت".
وأضاف: "جمّدت العقول في مثقفي العالم وعلمائه ومفكريه، فلم تعد تستفزها إبادته الجذرية. والحاكم ليس الظاهر، بل الخفي، واعتقالنا ظاهر وليس باطنا، وقوة الغزاويين أن ظاهرهم معتقل وباطنهم غير معتقل، إنما أولئك غير الغزاويين والمتتلمذين عليهم باطنهم معتقل وظاهرهم معتقل أيضا".