منذ اغتيال
إسماعيل هنية في قلب
طهران على يد الصهاينة؛ والتكهنات حول من سيخلفه في قيادة حركة
حماس لم تتوقف يوما
واحدا، وكانت أقل الاحتمالات المطروحة على الطاولة هي اختيار
يحيى السنوار -من
مواليد ١٩٦٢- رئيس الحركة في قطاع
غزة خلفا لإسماعيل هنية، والسبب الأبرز أنه داخل
غزة لا يستطيع ممارسة العمل السياسي أو التفاوض، كما أنه المطلوب الأول للكيان
الصهيوني الذي يعتبره المسئول الأول عما حدث منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. فلماذا
اختارت الحركة السنوار رغم تعقد وضعه الشخصي وكذلك بيئة الصراع التي تخوضها
الحركة؟
من وجهة نظري أن حركة حماس اختارت
السنوار لجانب عملياتي وكذلك لتوصيل عدة رسائل للجميع. فأما الجانب العملياتي،
فتواجد رئيس المكتب السياسي في ذات المكان مع القائد العام للجناح العسكري، يسهل
عملية التنسيق والتشبيك واتخاذ القرارات، وخصوصا بعد أن ضاقت المسافة بين السياسي
والعسكري بشكل كبير.
تواجد رئيس المكتب السياسي في ذات المكان مع القائد العام للجناح العسكري، يسهل عملية التنسيق والتشبيك واتخاذ القرارات، وخصوصا بعد أن ضاقت المسافة بين السياسي والعسكري بشكل كبير
بكل تأكيد، المكتب السياسي خارج
فلسطين المحتلة هو جزء أساسي من عملية اتخاذ القرارات والتفاوض، ولكن وجود رأس
القيادة السياسية مع القيادة العسكرية في مكان واحد يسهل كثيرا عملية اتخاذ القرار
بينهما، كما يخفف الضغط على المكتب السياسي في الخارج والدول لمضيفة، فإذا سعت واشنطن
وتل أبييب للضغط على المكتب السياسي في الخارج عبر الوساطاء سيكون الرد لسنا أصحاب
القرار، صاحب القرار النهائي هو السنوار، وبالتالي بهذا الاختيار يخف الضغط كثيرا
على دولة قطر، وهو أمر مطلوب حفاظا عليها كحليف استراتيجي للقضية.
أمّا الرسائل فهي كثيرة متعددة؛ أرادت
الحركة إيصالها للجميع ومنها:
بهذا الاختيار تقول الحركة للجميع أن
خط المقاومة والتحدي للاحتلال هو الخط الأصيل للحركة، وأنه موقفها الثابت الذي لن
يتغير مهما كانت الظروف أو الضغوط عليها، وهو ما يستدعي من الجميع أن يعلم الحركة
ماضية دون هوادة في خيار المقاومة بكل أشكالها، وأن الفعل السياسي تابع للمقاومة
وليس سابقا له؛ على الأقل في الأمد القريب للصراع.
وجدير بالذكر أن السنوار كان المشرف
على كتائب القسام الجناح العسكري قبل اختياره رئيسا للحركة في ٢٠٢١ م، وكان المؤسس
لجهاز "مجد" الأمني، المختص باكتشاف العملاء، وبالتالي من كان يشرف على
كتائب القسام أصبح رئيسا للحركة وينسق مباشرة مع قائدها الحالي محمد الضيف، وهي
دلالة مهمة للغاية لفهم طبيعة المرحلة ومستقبل الصراع.
بهذا الاختيار تقول الحركة للجميع أن خط المقاومة والتحدي للاحتلال هو الخط الأصيل للحركة، وأنه موقفها الثابت الذي لن يتغير مهما كانت الظروف أو الضغوط عليها
كذلك أرادت الحركة أن توصل لمن يهمه
الأمر رسالة مفادها أن السنوار لا يزال حيّا يرزق، يمارس مهام عمله بشكل طبيعي، بل
سيقود الحركة كاملة، وهي تعني كذلك أن التواصل بين القيادة وباقي جسد الحركة
ومؤسساتها لا تزال تعمل بشكل طبيعي وسلس ولم تتأثر بكل هذه الضغوط الإسرائيلية
داخل القطاع.
من دلالات الخطوة كذلك، تأكيد الحركة
على أن المعركة مع الاحتلال أصبحت معركة وجودية لا مكان فيها لأنصاف المواقف
والحلول، وأن البندقية هي لغة التفاهم بينهم حاليا وحتى إشعار آخر.
أكّدت الحركة بهذه الخطوة فكرة أن من
أشرف علـى صناعة مشهد السابع من أكتوبر يستحق التكريم والتقديم، وبهذه الخطوة تؤكد
الحركة أنها بكل مؤسساتها وأفرادها راضية عن الثمن المدفوع في غزة والضفة، حتى
أنها اختارت صانع المشهد رئيسا لها.
أيضا توصل الحركة رسالة تدعيم لمحور
المقاومة بقيادة إيران، فمعروف أن الرجل كثيرا ما أشاد بإيران وحزب الله من زاوية
دعمهما العسكري للحركة، وبالتالي اختياره سيكون رسالة تدعيم لمحور المقاومة،
فالرجل على سبيل المثال لا الحصر أكد سابقا في أيار/ مايو ٢٠١٨ على قوة العلاقة مع
قيادة الحرس الثوري الإيراني وقاسم سليماني، مشددا على أن "إيران لم تقصر في
دعم الحركة بكل أشكال الدعم منذ العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014"، وكانت
كثيرا ما تستفز تصريحاته المؤيدة لمحور المقاومة وقادته حتى القريبين من الحركة في
وقتها.
توصل الحركة رسالة تدعيم لمحور المقاومة بقيادة إيران، فمعروف أن الرجل كثيرا ما أشاد بإيران وحزب الله من زاوية دعمهما العسكري للحركة، وبالتالي اختياره سيكون رسالة تدعيم لمحور المقاومة
وبالتالي ستعطي الخطوة زخما لمحور
المقاومة وهو الأمر الذي تحتاجه الحركة بشدة في هذه المرحلة، خصوصا بعد أن تخلى
عنها الجميع عربيا، بل أصبحت عواصم عربية تعمل بلا خجل أو رادع مع الكيان الصهيوني
كتفا بكتف، في تواطؤ مخجل ومعيب وصمت شعبي مخزٍ.
وبالتالي، لم يعد أمام الحركة سوى
تقوية محور المقاومة فهو الوحيد الذي يقف بجانبها فعليا وجديا على الأرض ويدفع
أثمان مقابل ذلك، بغض النظر عمّا يثيره البعض من دوافع إيران وحزب الله أو كفاية
الدعم من عدمه.
قد يثير اختيار السنوار لغطا وجدلا
كبيرا في المرحلة القادمة، ولكنها رصاصة أطلقت وأنتهي الأمر، ولم يعد مهما سوى أن
نشغل أنفسنا بأي طريق ستسلكه هذه الرصاصة وفي قلب من ستستقر.