نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرا، لمراسلتها أميليا نيرينبيرغ، من مدينتي روثرهام وبرمنغهام، في إنجلترا، قالت فيه إن "طالب اللّجوء
السوداني، عبد المعز، خاف على حياته عندما قام عنصريون من اليمين المتطرف بإشعال النّار في الفندق الذي كان يقيم فيه بالقرب من مدينة روثرهام، ومع أن حدّة العنف قد خفّت الآن، إلاّ أنه لا يزال خائفا.
عبد المعز، وهو طالب اللجوء، في العشرينيات من عمره، من السودان، كان يشاهد من نافذة في الطابق العلوي مع رجال آخرين محاصرين في الداخل. وقال إن كل ما يمكنهم فعله هو الدعاء والانتظار، بينما بدأ الرجال في الخارج بمُهاجمة المبنى، وإلقاء الأشياء، وتحطيم النوافذ والهتاف: "أخرجوهم"، كما حاول بعض المهاجمين إشعال النّار في المبنى.
وأضاف عبد المعز، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لتجنّب تعريض طلب اللجوء الخاص به للخطر، عقب أيام قليلة من الهجوم: "كان الناس في حالة ذعر، وكنت أخشى أنه إذا لم يقتلنا الناس بالخارج، فسوف يقتلنا الدخان بالداخل".
وقع الهجوم قبل أسبوعين، وفي أحد الأيام الأخيرة من أعمال الشّغب الكبيرة التي غذّاها مُحرّضون من اليمين المتطرف، وحملة تضليل عبر الإنترنت، بعد هجوم قاتل بالسّكين على فصل رقص للأطفال في شمال غرب إنجلترا. زعم الكثير من التضليل بعد ذلك الهجوم زورا أنّ المشتبه به، وهو مراهق وُلد في
بريطانيا، كان طالب لجوء، أو أنّه جاء إلى إنجلترا بشكل غير قانوني.
تمكّنت الشرطة في النهاية من صد مُثيري الشّغب في روثرهام، لكن السّكان، بمن في ذلك عبد المعز، ما زالوا مرعوبين. فيما انتقل منذ ذلك الحين إلى فندق آخر في برمنغهام، لكنّه قال إن الخوف لم يهدأ بعد.
هدأت أعمال الشغب التي هزّت بريطانيا لأكثر من أسبوع، على الأقل في الوقت الحالي. فيما تعمل الحكومة في الوقت الرّاهن على توجيه الاتهامات والحكم على مثيري الشغب بسرعة، وتقديم تحذير واضح لأي شخص يريد مواصلة العنف الذي أدّى إلى إصابة العشرات من ضباط الشرطة. وكانت المساجد والجمعيات الخيرية والمحامون الذين يساعدون طالبي اللجوء والمباني العامة والشركات في حالة تأهّب قصوى منذ بدء أعمال الشغب.
وحتى يوم الاثنين، تم اعتقال ما يقرب من 1000 شخص، ووجّهت اتّهامات إلى ما يقرب من 550 شخصا، وفقا لمجلس رؤساء الشرطة الوطنية. لكن أعمال الشّغب تركت مذاقا مريرا، ليس فقط لطالبي اللجوء، بل وأيضا للآخرين، ممّن شعروا أنّهم أصبحوا مرة أخرى أهدافا للإساءة في بلد أصبحت فيه الهجرة نقطة اشتعال.
وقال اللاجئون ومنظمو المجتمع، إنّ هذه المجموعات تضمّ مهاجرين وطالبي لجوء، ولكن أيضا مُسلمين، وأشخاصا يتحدثون بلكنة أجنبية، وأشخاصا ليسوا من البيض.
وفي روثرهام، في الأيام التي أعقبت هجوم الفندق مباشرة، كانت الزوجات يطلبن من الأزواج مرافقتهن إلى متجر البقالة، وفقا لبعض السّكان وقادة المجتمع. وأبقى بعض الآباء أطفالهم في المنزل حتى في الأيام المشمسة. وقال الناس إنهم يخافون من الذهاب إلى المسجد للصلاة، ويخافون من الذهاب إلى وسط المدينة للتسوق، وحتى يخافون من الذهاب إلى الحديقة للعب كرة القدم.
وقال يعقوب آدم، وهو لاجئ من السودان، في أواخر الأسبوع الماضي: "الجميع خائفون؛ كل الأجانب، وكل اللاجئين، ولم يفعلوا أي شيء".
وصل آدم، الذي ولد في دارفور، إلى بريطانيا، خلال عام 2016، وأصبح قائدا في مجتمع اللاجئين في روثرهام. وهو عدّاء ورياضي متحمّس، وقد احتفلت به صحيفة "الإندبندنت" اللّندنية، في عام 2018، باعتباره عضوا بارزا في المجتمع البريطاني. وهو ينظم فريق كرة قدم، ويتطوع مع العديد من الجمعيات الخيرية.
وبسبب التأثّر بأعمال الشّغب، خلال الأسبوع الماضي، ألغى آدم مباراة كرة قدم. كان بعض لاعبيه المنتظمين يعيشون في الفندق، وهو فندق "هوليداي إن إكسبريس"، وقد تم نقلهم، بالإضافة إلى طالبي اللجوء الآخرين الذين كانوا يقيمون هناك، نحو أماكن أخرى بعد الهجوم. وقال إنّ "اللاّعبين الآخرين كانوا منزعجين للغاية بسبب أعمال الشغب".
واستفسر آدم وهو يبكي: "كيف يمكن للناس أن يحاولوا حرق شخص حي؟"، مردفا: "لم نأت إلى هنا لإيذاء أي شخص، لقد جئنا لنعيش حياة كريمة".
وقال إن التوترات كانت موجودة في روثرهام من قبل، ولكن لم يكن هناك شيء مثل هذا في السنوات الأخيرة. في ليلة الأربعاء، ذهب لحماية مسجد قريب، قلقا من أنه قد يتعرّض للهجوم، خلال الاحتجاجات المناهضة للمهاجرين المخطط لها في ذلك المساء. لكنّها لم تحصل أبدا. والآن يشعر أنه قد لا يعرف كيف ينظر إليه جيرانه في الواقع.
وأوضح: "لقد فررت من الحرب في بلدي، حيث الإبادة الجماعية في بلدي، لآتي إلى إنجلترا. ولكن على الأقل اعتبارا من الأسبوع الماضي، كنت خائفا جدّا من البقاء خارجا بعد الساعة 10 مساء". وعلّق على ذلك بالقول: "هذه ليست حرّية".
يقول السكان إنّ العُنف بالقرب من روثرهام قد تفاقم بسبب التوترات العنصرية المتفاقمة الناجمة عن ذكريات الاعتداء الجنسي واسع النّطاق الذي حدث في المنطقة من عام 1997 إلى عام 2013. وفي عام 2014، صدر تقرير مستقل ذكر أن 1400 طفل على الأقل تعرضوا للإساءة، في حين اتُهمت السّلطات بغض الطرف عن المشكلة. وكان معظم الضحايا من البيض، وكان الجناة من أصول باكستانية في الغالب.
وقال أبرار جاويد، من منتدى مجتمع روثرهام الإسلامي: "كان السرد في الأساس 'نحن وهم'. وقال إن نتائج التقرير، وردود الفعل اليمينية المتطرفة، "أدت إلى تطرف الكثير من المجتمعات البيضاء". مضيفا: "لقد سممت الكثير من العقول في روثرهام".
بالنسبة لطالبي اللجوء في فندق هوليداي إن إكسبريس، فإنّ شعورهم بالتهميش زاد بسبب عزلتهم؛ كان الفندق بعيدا عن وسط روثرهام، وبعيدا عن المساجد والمحلات الحلال، كما قال زيد حسين، وهو إمام مسجد عثمان، مسجد محلي.
إلى ذلك، يقول النّاشطون الذين يؤيدون الهجرة، إن إيواء طالبي اللجوء في الفنادق يمكن أن يجعلهم أكثر عرضة للهجمات، لأنّ المباني يمكن التعرّف عليها بسهولة وعاجزة نسبيا. وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية، قد تعرض فندق آخر على الأقل كان يستخدم لسنوات لإيواء طالبي اللجوء للهجوم خلال موجة العنف الأخيرة، كما كانت فنادق أخرى هدفا للاحتجاجات في الماضي.
وقالت كاما بيتروزينكو، وهي محللة سياسات في مجلس اللاجئين، وهي منظمة غير حكومية بريطانية: "الناس الذين يعيشون في هذه الفنادق دون أي حماية". فيما قال فيل تورنر، 72 عاما، وهو الذّي يعمل مع منظمة تسمى Stand Up to Racism Rotherham، إنّه قاد مظاهرة مضادة في يوم الهجوم على فندق هوليداي إن إكسبريس وكان يحاول صدّ ما أسماه هجوما "على غرار المذابح" ضد المسلمين والمهاجرين.
وشبك المتظاهرون المضادون أذرعهم، مرددين "اللاجئون مرحب بهم هنا"، لكنه قال "إنهم لم يكونوا ندا للمهاجمين. وكانوا ينادون بالدم. لقد كان حشدا قاتلا". وبالنسبة لعبد المعز، بدا العنف مألوفا، بشكل مخيف. وقال إنه فرّ من الحرب الأهلية المتصاعدة في السودان قبل أن يضطر إلى الانضمام إلى القتال، مثل إخوته الثلاثة الأكبر سنا.
وأردف بأنّ هروبه أخذه عبر تشاد وليبيا وتونس، ثم عبر البحر إلى إيطاليا. لم يكن لديه سترة نجاة وكان يخشى الغرق. وقال إن العنصرية في إيطاليا كانت قويّة للغاية، فغادر إلى فرنسا وفي النهاية صعد على متن قارب مطاطي إلى إنجلترا.
الآن، بعد أسبوع من حياته الجديدة في برمنغهام، قال عبد المعز إنه أكثر سعادة مما كان عليه في روثرهام. وتابع متحدّثا في مقهى، بالقرب من فندقه الجديد، إنّه لم يعد مضطرا إلى ركوب حافلة للوصول إلى مسجد. حيث يوجد مسجد على بعد 10 دقائق فقط سيرا على الأقدام.
ويحب كون المدينة متنوّعة: هناك المزيد من السودانيين، وغيرهم من الأفارقة، في الشوارع. لكنه لا يزال لا ينام جيدا. ما يؤلمه هو ذكرى إنذار الحريق، الذي قال إنه رنّ لساعات بينما كانت أعمال الشغب مستعرة في الفندق، مردفا: "إنه صوت لا يمكنني أن أنساه".