ما إن أعلن قائد الجيش في
بنغلادش، وقر الزمان، عن استقالة رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة واجد، ومطالبته المواطنين بالكف عن العنف وأن يثقوا بالجيش، حتى بدأت تنتشر مقارنة على مواقع التواصل الاجتماعي بينه والرئيس
المصري عبد الفتاح
السيسي.
وقد طلب وقر الزمان من الشعب البنغالي تفويضا لتسيير الحكم في البلاد تماما كما فعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقائد الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في مصر.
كذلك تشابهت بعض الأحداث في بنغلادش مع أحداث وقعت في مصر، ومنها مطالبة بعض شباب الثورة في مصر بأن يستلم الدكتور محمد البرادعي الحكم في مصر بعد الثورة وكذلك بعد الانقلاب على مرسي، بينما في بنغلادش طالب بعض المحتجين الشباب بتولي الاقتصادي البنغالي المعروف والحائز على جائزة نوبل محمد يونس الحكومة.
وقد تم فعلا تعيين محمد يونس كرئيس وزراء مؤقت لحين إجراء انتخابات في البلاد، والتي أكدت الشيخة حسينة أنها ستشارك فيها، لكن لا تزال هناك مخاوف من انقلاب الجيش على الحكومة المؤقتة خاصة أن البلاد شهدت عدة انقلابات عسكرية سابقة.
مهمة إنقاذ
الصحفي البنغالي صلاح الدين شودري، قال إن "القوات المسلحة في بنغلادش تدخلت في 11 كانون الثاني/ يناير 2007 عندما كانت الحكومة الائتلافية آنذاك من الحزب الوطني البنغلاديشي والجماعة الإسلامية تحاول البقاء في السلطة من خلال انتخابات مهزلة".
وتابع شودري في حديث خاص لـ"عربي21": "وفي غضون عامين، نجحت الحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش في عقد انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية في كانون أول/ ديسمبر 2008، ووفقا لفهمي، فإنها ستنجح القوات المسلحة في بنغلادش هذه المرة أيضًا في إنقاذ الأمة من الاحتجاجات الجماهيرية الشديدة، والتي تحولت في النهاية إلى ثورة جماهيرية شهدناها منذ 5 تموز/ يوليو 2024".
حكم عسكري بصبغة مدنية
رئيس مركز آسيا والشرق الأوسط محمد مكرم بلعاوي، اعتبر أن "فكرة بقاء الجيش في السلطة أمر غير مستبعد"، وقال: "في ظني قد يقوم بعض القادة بترك البزة العسكرية والعودة بزي مدني ليحكموا بشكل مؤقت لفترة قد تطول أو تقصر، كما حصل في عدد من الدول".
وتابع بلعاوي في حديث لـ"عربي21": "لكن بعد ذلك سيجمع الجيش النخبة السياسية، وهذه النخبة إما أن تنتخب شخصية عسكرية سابقة أو تتفق على رئيس وزراء يكون سقفه السياسة التي يرسمها له الجيش أو العسكر".
حُكم مؤقت
وكانت بنغلادش قد عانت من عدة انقلابات عسكرية، بدءا من الانقلاب العسكري الذي قام به عدد من الضباط في 15 آب/ أغسطس 1975 ضد الرئيس مجيب الرحمن الذي قاد حرب الاستقلال عن باكستان، وهو أيضا والد رئيسة الوزراء السابقة حسينة واجد.
ولكن لم يستتب الأمر طويلا حيث وقع انقلاب ثان في تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام على الجنرال ضياء الحق الذي كان يحكم البلاد وقتها، إلا أنه بمساعدة العقيد أبو طاهر تمكن من تنفيذ انقلاب مضاد ناجح وأصبح قائداً للجيش مرة أخرى.
وبقي ضياء الحق في الحكم حتى تم اغتياله في عام 1981 في انقلاب عسكري آخر، لكن على الرغم من اغتيال الرئيس إلا الانقلاب فشل، ليخلفه نائبه المدني عبد الستار الذي كان مصابا بمرض يؤثر على أدائه في الرئاسة، وفقا لمعارضيه.
ثم عاد الجيش مرة أخرى للحكم، بعد أن قام الفريق أول حسين محمد إرشاد في 24 آذار/ مارس 1982 بانقلاب عسكري، وبعد 8 سنوات من الحكم أجبر هو الآخر على التنحي في كانون الأول/ ديسمبر 1990.
الصحفي والكاتب والخبير في الأمن الدولي حنان حسين، قال إن "احتمالات بقاء الجيش في السلطة ضئيلة للغاية، فقد رفض قادة الطلاب المحتجين بالفعل أي محاولة من جانب الجيش للسيطرة على السلطة".
وتابع حسين في حديث خاص لـ"عربي21": "كذلك سوف يخاطر الجيش بمصداقيته من خلال الدفع نحو الهيمنة، وفي بنغلادش، يحظى الجيش بالثقة أيضاً باعتباره وسيطاً في مرحلة ما بعد الأزمة، كما تجلى ذلك في عام 2008، وقد رأينا ضبط النفس الذي أبداه في الشوارع، والبقاء في السلطة قد يعني دعوة المحتجين إلى مقاومة كبيرة في وقت حققت فيه بنغلادش إنجازاً تاريخياً، وهذه هي النتيجة التي يحرص الجيش على تجنبها".
الجماعة الإسلامية
ولا يقتصر التشابه بين بنغلادش ومصر على تدخل الجيش بعد مظاهرات عارمة، بل أيضا تتشابه الدولتان بوجود حزب إسلامي له شعبية عريضة في المعارضة وقت الاحتجاجات، فكما أن هناك الإخوان المسلمين في مصر أيضا فإن هناك حزبا إسلامياكبيرا وهو الجماعة الإسلامية.
وتصادمت الجماعة الإسلامية مع رئيسة الوزراء السابقة حسينة واجد، والتي اتهمت الجماعة بارتكاب جرائم حرب خلال حرب الاستقلال، وأنها دعمت الجيش الباكستاني ضد بنغلادش.
وقامت الحكومة بقيادة حسينة واجد بحظر الجماعة في عام 2013، كما أنها أصدرت عدة أحكام بالإعدام بحق عدد من قادة الجماعة وتم تنفيذها على فترات، منهم عبد القادر ملا والذي تم إعدامه في 2013، وعلي إحسان محمد مجاهد الذي أعدم في 2015.
ولكن هل سيتعامل الجيش والحكومة المؤقتة في بنغلادش مع الجماعة الإسلامية بالمثل، أي السجن والإعدام؟
الصحفي صلاح الدين شودري، قال، إنه "من المبكر للغاية التعليق على هذا الأمر، لأن هذا الحزب يحتاج إلى استعادة تسجيله لدى لجنة الانتخابات في بنغلادش إذا كان سيشارك في الانتخابات المستقبلية، وفي الوقت نفسه، تقع على عاتق الحكومة المؤقتة القادمة مسؤولية ضمان مشاركة جميع الأحزاب السياسية ـ بما في ذلك رابطة عوامي".
وختم حديثه بالقول: "في رأيي أن هذا قد يستغرق بعض الوقت، إذ إن ثقافة الخلاف داخل الأحزاب السياسية في بنغلادش تحولت إلى مرض تقريباً".
محمد مكرم بلعاوي، اعتبر أن أي تغيير يحدث في البلاد يصب في مصلحة الجماعة الإسلامية.
كذلك أكد الصحفي الباكستاني حنان حسين، أن "الجيش في بنغلادش يعمل مع كل أحزاب المعارضة الرئيسية ـ بما في ذلك الجماعة الإسلامية ـ ولا يشاطر حسينة دوافع حظر الجماعة بموجب قانون مكافحة الإرهاب في البلاد".
وتابع: "والواقع أن الجماعة الإسلامية فتحت مكتبها الحزبي بعد عقد من الزمان، والآن تم إطلاق سراح العشرات من نشطاء المعارضة، وكل هذا يشير إلى أن الجيش سوف يتعاون مع أحزاب المعارضة الرئيسية مع تشكيل الحكومة المؤقتة".