بعد إعلان حركتي
حماس والجهاد الإسلامي عودة
العمليات الاستشهادية أثيرت تساؤلات، حول لماذا توقفت أصلا؟ ولماذا تمت العودة لها مرة أخرى الآن؟
واستخدمت الحركتان هذا النوع من العمل المقاوم سابقا مرات عديدة منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، وكانت آخرها عام 2002 خلال انتفاضة الأقصى، والآن بعد 12 عاما عادت للواجهة مرة أخرى عبر عملية تل أبيب الأخيرة.
وتبنت الحركتان عملية تل أبيب والتي وقعت الأحد وأسفرت عن إصابة أحد المارة واستشهاد المُنفذ، قائلتين إن "العمليات الاستشهادية في الداخل المحتل ستعود إلى الواجهة طالما تواصلت مجازر الاحتلال وعمليات تهجير المدنيين واستمرار سياسة الاغتيالات".
المقاومة حق مشروع دوليا
القيادي في حركة حماس باسم نعيم، قال إن "حركة المقاومة الإسلامية حماس حركة تحرر وطني
فلسطيني، والعمود الفقري لعملها هو المقاومة، والهدف الأساس لهذا المشروع هو التحرير".
وأكد نعيم خلال حديثه لـ "عربي21"، أن "المقاومة بكل أشكالها السلمية وغير السلمية هي حق مشروع للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وهذا ما كفلته القوانين الدولية بأن الشعوب تحت الاحتلال من حقها المقاومة بكل الأدوات المتاحة بما فيها المقاومة المسلحة".
وقال إن "المقاومة المسلحة أشكالها متعددة ومتنوعة، وتعتمد على الإمكانات والظروف والسياقات السياسية الجغرافية والأمنية وغيرها، وبالتالي هذه العمليات الاستشهادية هي إحدى الأدوات المتاحة لكل قوى المقاومة، والتي اُستعملت أيضا من قبل شعوب مختلفة في مراحل متعددة من التاريخ الحديث، ومن حق شعبنا الفلسطيني أن يتداول هذه الأدوات المتاحة حسب الظروف وحسب الاحتياجات".
وأضاف، "أعتقد أنه بعد هذه المعركة الطويلة لشعبنا الفلسطيني في المقاومة والصمود والثبات في وجه هذه المجازر والإبادة الجماعية، من قبل العدو الصهيوني، وفشل المجتمع الدولي بكل مقدراته في كبح جماح العدو الفاشي من وقف هذه المجزرة، من حق شعبنا ومقاومته أن يختار الوسيلة التي تردع هذا العدو وتسبب له الألم بما يدفعه لوقف العدوان والاستجابة لتطلعات وطموحات شعبنا بالحرية والاستقلال".
وأوضح القيادي في حماس، أن "مقاومتنا بكل أشكالها هي دفاع عن النفس وتطلع نحو الحرية والاستقلال، وهذا الأمر أيضا تم نقاشه قبل سنوات عندما سُئل الشيخ أحمد ياسين رحمة الله عليه، وأكد أننا نتحرك في مشروعنا في إطار ما هو متاح من أدوات، ولكننا جاهزون أيضا لتحديد هذه الأدوات، إذا قبل العدو بالتراجع أو التوقف عن استباحة الدماء وقتل الأطفال والنساء واستهداف المدنيين".
وحول سبب توقفها ومن ثم عودتها الآن قال نعيم، "ليس لدي معلومات بأن هذه الأدوات أو الأداة تم وقفها في وقت معين أو أن هناك اتفاقا على وقفها، أنا أعتقد أن استخدامها أو وقفها هو مرهون بالظروف والسياسات والسياقات والتداعيات والاحتياجات".
"رد طبيعي على جرائم الاحتلال"
وجاءت هذه العملية بعد ما يقرب من 10 أشهر على الحرب
الإسرائيلية المُدمرة على قطاع غزة، والتي خلفت إلى الآن أكثر من 40 ألف شهيد تقريبا غير الآلاف من الجرحى والمفقودين.
وخلال هذه الحرب استخدمت المقاومة العديد من الأسلحة، منها الطائرات المسيرة ومضادات الدبابات والأفراد والعبوات الناسفة وغيرها من الأسلحة، وأما العمليات الاستشهادية فهذه أول مرة يتم استخدامها بهذه الحرب.
وكان لهذه العمليات في السابق تأثير على الاحتلال، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، حيث تؤدي لخسائر مادية كبيرة مع خسائر اجتماعية وسياسية، حيث يضطر الاحتلال للاستنفار الأمني وقد يحدث ركود في داخل المدن المحتلة خوفا من هذه العمليات.
الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء الركن محمد الصمادي، قال: "قبل الحديث عن معنى هذه العمليات وتأثيرها عسكريا، لا بد من أن نبين دوافعها، وما الذي يُجبر الفلسطيني على أن يُقدم على القيام بهذا النوع من العمليات".
وتابع الصمادي خلال حديثه لـ"عربي21"، "سياسة حكومة اليمين المتطرف عبر ارتكاب الموبقات والجرائم في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، ومنها الإبادة العرقية والتهجير القسري وغيرها من الجرائم، تُحرك مشاعر أبناء الشعب الفلسطيني المتواجدين سواء كانوا في قطاع غزة أو في الضفة الغربية أو في العديد من المواقع، وتحرك مشاعرهم العقدية وتجعلهم يشعرون بالظلم، وأصبح المواطن الفلسطيني يشعر بأن الموت العزيز هو خير من الحياة الذليلة".
وأوضح أن "المواطن الفلسطيني بات يشعر بأن لا خيارات لديه، إما نصر وإما استشهاد، وإن تعذر النصر فنلاحظ الآن بأن معظم مقاتلي القسام والفصائل المسلحة أصبحوا يقدمون الاستشهاد على النصر، أيضا من يُقدم على هذه العمليات الفدائية الاستشهادية هو يُقدم عليها من منطلق عقدي عميق بأنه يؤدي رسالة عقدية هو يقوم باستهداف القوات والمصالح الإسرائيلية".
زعزعة الأمن الإسرائيلي
وحول ما تعنيه هذه العمليات عسكريا وما تأثيرها، قال الصمادي، إن "هذه العمليات تُزعزع الأمن الجماعي والفردي في الداخل الإسرائيلي، وهي مؤلمة لإسرائيل بشكل عام وتجعل الوضع أكثر تحد، والآن المواطن والجندي ورجل الأمن الإسرائيلي هو خائف ومرعوب ويترقب".
وأضاف، "الآن تسود الأرض المحتلة حالة من المجهول، فالمواطن الإسرائيلي سواء كان في جيش الاحتلال أو في الأجهزة الأمنية أو الاستخبارية سيكون في حالة من الخوف والهلع والقلق يترقب في أي لحظة قد يتم استهدافه، لن ينعم أبدا بحالة من الرخاء المجتمعي أو السلام أو الحياة الرغيدة داخل المجتمع الإسرائيلي".
ويعتقد الخبير العسكري أيضا، أن "المعسكرات والمراكز الأمنية والوحدات العسكرية ومحطات النقل التي يتواجد بها العسكريون الآن كلها مستهدفة، لذلك هذه العمليات تخلق حالة من تدني المعنويات، وعندما نأخذ بعين الاعتبار بأن جيش الاحتلال يقاتل في غزة منذ 318 يوما من العمليات، وهناك شعور عام بأن هذه العمليات العسكرية أصبحت تشكل حربا عبثية، أصبح هناك الآن حالة من الانقسام بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة السياسية في حكومة اليمين المتطرف".
وأوضح أن "هناك شعورا بما يسمى -إعياء الحرب- حيث الجيش الإسرائيلي الآن مُرهق ومُنهك ومُتعب من هذه الحرب ويتعرض لخسائر كبيرة جدا، وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية بأن أعداد القتلى والجرحى خلال العشرة شهور الماضية زاد عن عشرة آلاف وينضم تقريبا حوالي ألف كل شهر بمعدل 33 جنديا وضابطا يوميا".
وأردف، "والآن عندما تكون العمليات الاستشهادية الفدائية ناجعة أحيانا وحسب الظروف، قد يكون هناك عدد بسيط من الجرحى وقد يكون هناك عدد كبير جدا من القتلى والجرحى، لذلك حصيلة العمليات الاستشهادية تعتمد على الظروف وعلى طبيعة الهدف الذي سيتم استهدافه، لكن نحن نتحدث عن السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وهذه كلها تؤدي إلى خسائر كبيرة جدا".
نجاح تكتيكي
وعن إمكانية اعتبار تنفيذ العملية الأخيرة في تل أبيب نجاحا استراتيجيا، قال الصمادي، "الوصول لتل أبيب يُعتبر نجاحا تكتيكيا، لكن إن استطاعت المقاومة القيام بالعديد من هذه العمليات الاستشهادية، سيؤدي ذلك إلى نجاح وتأثير على المستوى الاستراتيجي سواء على أمن المؤسسات الأمنية الإسرائيلية أو على جيش الاحتلال، لكن كعملية منفردة لا نستطيع أن نصفها بأنها نجاح استراتيجي".
وتابع، "باعتقادي العمليات الاستشهادية في الفترة القادمة لن تكون محصورة على منطقة معينة، فقد يكون هناك عمليات استشهادية في الضفة الغربية أو أراضي 48 أو في قطاع غزة".
وأكد أن "الظروف الآن نعم صعبة جدا حيث هناك العديد من الحواجز الأمنية في كافة المناطق وخاصة في الضفة الغربية، لكن ما نراه داخل المخيمات من نقلة نوعية من القدرة على تجهيز المفخخات والكمائن واستخدام العبوات البرميلية بإمكانات بدائية باستخدام مواد أولية وكذلك قدرات المقاومة على التفجير عن بعد، سيؤدي ذلك إلى إيقاع خسائر كبيرة ويُعتبر نجاحا تكتيكيا".
التأثير على مسار الحرب
كذلك تزامنت هذه العملية مع تعرقل مفاوضات وقف إطلاق النار ومباحثات صفقة تبادل الأسرى، بعد أن عطلها نتنياهو نتيجة وضعه أربعة شروط منها تفتيش العائدين لشمال غزة، وضمان سيطرة الاحتلال على محور فيلادلفيا ومحور نتساريم.
وعلى الرغم من موافقة حركة حماس على المقترح الأمريكي إلا أن نتنياهو يُصر على شروطه ويرفض التنازل عنها، ويسعى لتعطيل الصفقة، لمصالح سياسية شخصية وفقا لمعارضيه.
ويثير توقيت هذه العملية الاستشهادية تساؤلات حول مدى تأثيرها على مسار الحرب ككل، وهل ستدفع نتنياهو للتشدد أكثر أم لا؟
اللواء محمد الصمادي أوضح أنه قال في أكثر من لقاء إعلامي بأن، "نتنياهو لا يعرف ماذا يريد ولكنه يعرف تماما ما لا يريد، وبشكل عام هو سياسي مراوغ وبارع وقادر على تجيير أي فرصة من فرص النجاح لنفسه".
ولفت إلى أن "نتنياهو في حال كان هناك أي تقصير فإنه يلوم الآخرين، وهو يحاول أن يطيل أمد الحرب وأن يُفشل أي فرصة للوصول إلى هدنة أو صفقة لتبادل الأسرى، ولولا الخشية من الداخل الإسرائيلي ومن أهالي الأسرى لأغلق هذا الملف، ولو كان يعلم أين يتواجد الأسرى يقينا لقام باستهدافهم وقتلهم ليتخلص من هذا التحدي".
ويرى الصمادي أن "نتنياهو يحاول الآن أن يقوم بمسارعة العمليات، خاصة أن جيش الاحتلال وصل إلى حالة من الاستنزاف الكبير من الخسائر وتدني المعنويات ونقص في الآليات والذخائر وتردي الاقتصاد الإسرائيلي، لذلك هو يُراهن على عملية الاستمرار ليستنزف المقاومة".
وأضاف، "هو تعدى ما يُسمى بالعرف العسكري -نقاط التحول-، وهو الآن أصبح في مرحلة ما يُسمى باللاعودة فهو إن توقف يُعتبر بأنه هُزم وإن استمر يُستنزف بمزيد من الخسائر، لكنه هو والعالم الغربي الذي يدعمه يراهنون على إضعاف قدرات المقاومة".
واستدرك، "لكن ما يجري من المقاومة وما تعكسه من واقع عملياتي في ميدان المعركة يُشير بأنها نعم تعرضت لخسائر كبيرة، لكنها ما زالت صامدة وقادرة، وهي تستهدف قوات جيش الاحتلال بالكمائن، وجيش الاحتلال غير قادر على الحسم العملياتي العسكري لغاية الآن".
ويعتقد الصمادي بأن "نتنياهو يحاول أن يتحمل هذه الخسائر – كما يعتقد هو- في سبيل أن يستنزف المقاومة إلى درجة بأن تكون غير قادرة على أن تُشكل خطورة على قوات جيش الاحتلال".
الجدير بالذكر أن أول عملية استشهادية تم تنفيذها كانت خلال انتفاضة الأقصى، وقام بتنفيذها الشهيد ساهر تمام، وتم تنفيذها في 16 نيسان/ أبريل، 1993، ضد مطعم في غور الأردن بجانب قاعدة عسكرية، معروف بتجمع جنود الاحتلال فيه خلال تنقلاتهم.
ووفقا للإحصائيات، فقد بلغ مجموع العمليات الاستشهادية في السنوات الأربع الأولى من انتفاضة الأقصى، 219 عملية، قتل فيها 650 بين جنود ومستوطنين للاحتلال، وأصيب جراءها 3277 آخرون.