كانت حرب الجرف الصامد حدثا مؤثرا بالنسبة لإسرائيل، ولحظة تم فيها تجنب كارثة محتملة كنتيجة غير مباشرة لحرب لم تكن إسرائيل تريدها، وحاولت احتواءها والحد من وقوعها. فلقد بنت حماس بشكل منهجي شبكة متطورة من الأنفاق من شأنها أن تمكن مقاتليها من التسلل إلى إسرائيل وتنفيذ هجمات وعمليات اختطاف على نطاق غير مسبوق.
ما تم اكتشافه خلال هذه الحرب من أنفاق كان
شيئا مختلفا تماما عما كان موجودا من قبل، فهي شبكة ذات فروع ومخارج متعددة في
مراحل مختلفة من البناء، وكثير منها مقدر له أن يذهب إلى عمق إلى إسرائيل، مع
القدرة على تسهيل مرور المئات، إن لم يكن آلاف المسلحين إلى قلبها. ومن المحتمل أن
يتعزز هذا الهجوم المخطط له بإطلاق آلاف الصواريخ وهجمات من الضفادع البشرية.
وقد اعتمدت حماس على الأنفاق لتخزين وإطلاق
الصواريخ، والهروب بعد إطلاق النار، أو إعادة تحميل قاذفات الصواريخ .وقد أُطلقت
هذه الصواريخ على أهداف استراتيجية رئيسية داخل إسرائيل: الموانئ، المجمعات
الصناعية، محطات الطاقة والمياه، القواعد العسكرية، ومطار بن جوريون الدولي.
حلقة حاسمة في الكفاح الفلسطيني
اعتبرت حماس حرب 2014، حلقة حاسمة في سلسلة
الجهاد والكفاح المسلح، الذي هدفه على المدى الطويل تحرير كل فلسطين. لذا، كانت
الأهداف الاستراتيجية لحماس في هذه الحرب هي: زعزعة مفهوم الأمن الإسرائيلي بشكل
أساسي من خلال شن هجمات في عمق الأراضي الإسرائيلية، وفرض شروطها لوقف إطلاق
النار، وخلق توازن رعب وقدرة ردع لمنع القيادة العسكرية الإسرائيلية من القيام
بعملية برية في غزة. وتفسر هذه الاستراتيجية أهمية مشروع الأنفاق. وركزت حماس
أيضاء على بناء قوتها العسكرية، والحصول على الأسلحة والقدرات لإلحاق أكبر عدد من
الخسائر بالجيش الإسرائيلي، واختطاف إسرائيليين أحياء أو أموات كأوراق مساومة
لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذين يقضون عقوبات بالسجن في إسرائيل.
لم يستطع الجمهور الإسرائيلي أن يتعايش مع
فكرة أن حماس يمكن أن تخرج من تحت منازلهم في أي وقت. وفي أحد الأنفاق، عثر الجيش
على دراجات نارية كان يمكن لحماس أن تستخدمها في شن هجمات واسعة النطاق في عمق
إسرائيل، والعودة بسرعة مع رهائن.
"الآن نغزوهم
ولا يغزوننا"
يذكر الكتاب أن القيادي الحمساوي محمود
الزهار، في احتفالية بمناسبة مرور عام على حرب عامود السحاب 2012، كشف عن إحدى
العقائد القتالية لحماس: "الآن نغزوهم ولا يغزونا". وتعني كلماته أن
حماس انتقلت من الدفاع إلى الهجوم، وأنها تخطط لشن عمليات داخل إسرائيل؛ وليس
الاكتفاء بالقتال داخل غزة، أو إطلاق الصواريخ منها على أهداف داخل إسرائيل. وقال
رائد سعد، قائد كتائب حماس في مدينة غزة: لا تمر لحظة لا تقوم فيها كتائب القسام
بالتحضير والتدريب والتصنيع والتطوير والبناء والحفر والتجهيز لمواجهة العدو. وحذر
من أن ضبط النفس بشأن الحصار لن يستمر طويلا.
إن أفضل تفسير لما تريده حماس من حفر شبكة
الأنفاق هو قول يحيى السنوار عند اكتشاف إسرائيل لنفق مستوطنة هاشلوشا في تشرين
الأول اكتوبر 2012: "اليوم، نحن الذين نغزو الإسرائيليين؛ لا هم".
استراتيجية حماس
وفق تصريحات خالد مشغل، فإن استراتيجية حماس
ترتكز على عنصرين رئيسيين متكاملين: العسكري والسياسي، ومن خلالهما يمكن:
ـ التغلب على التفوق العسكري عبر تحقيق
مزايا عسكرية تكتيكية تستغل نقاط ضعف إسرائيل.
ـ الحد من الخيارات العسكرية الإسرائيلية
باستخدام الأدوات السياسية والقانونية بمساعدة المنظمات اليسارية والحقوقية
الغربية.
ـ القيام بحملة سياسية لاستعادة الحقوق
الفلسطينية، والتي تتطلب أوراقا قوية على الأرض، وصفوفا فلسطينية موحدة، وإدارة
سليمة.
حرب المدن وعامل المفاجأة
تستخدم حماس حرب المدن لتعطيل الجيش
الإسرائيلي في منطقة مأهولة، وإلحاق إصابات عديدة به من خلال المباني المفخخة،
والقناصة، والهجمات الانتحارية، والأجهزة المتفجرة، والنار عالية المسار. وتستند
حماس أيضا على "عامل المفاجأة". لذا، فوجئت إسرائيل بمدى صواريخها،
وبالهجمات التي شنتها على تجمعات الجيش الإسرائيلي على طول حدود غزة، وتعتبر حماس
أن التنسيق مع جميع المنظمات القتالية في غزة، من خلال غرفة عمليات مشتركة، يعد عاملا مضاعفا للقوة.
كما أنشأت حماس جيشا في يعتمد على المشاة،وقوات النخبة، ووحدات إطلاق الصواريخ،
ووحدة صغيرة لتشغيل الطائرات بدون طيار، وقوة مظليين لتكرار التسلل عبر الطيران
الشراعي.
"هجوم
كبير يجري الإعداد له"
في استشراف للمستقبل، وفي تحذير من حرب
مباغتة واسعة النطاق تشنها حماس، تحدث الكتاب عن خطورة نشوب حرب مستقبلية واسعة
النطاق، وينقل أقوالا لحماس وللإسرائيليين أنفسهم:
ـ خالد مشعل: "في ضوء ميزان القوى الذي
تحول نحو إسرائيل، علينا أن نكون مبدعين في إيجاد طرق مبتكرة. لذا، كانت الأنفاق
إحدى ابتكاراتنا، فالحاجة أم الاختراع".
ـ اسماعيل هنية: "هناك آلاف من
المقاتلين فوق الأرض، وآلاف تحتها، يستعدون في صمت لحملة تحرير فلسطين".
ـ أحد المتحدثين باسم حماس، وبعد وقت قصير
من الجرف الصامد، قال: "سيبدأ رجالنا المعركة التالية بأقدامهم على الأرض في
مستوطنة ناحال عوز ... والمستوطنات الأخرى حول غزة".
ـ بيني جانتس: "إن الحرب القادمة يمكن
أن تبدأ بالتسلل عبر نفق والهجوم على بلدة حدودية إسرائيلية".
ـ ضابط مهندس في الجيش الإسرائيلي:
"حُفرت أنفاق واسعة عميقة، وتم تعزيز جوانبها بطبقات من الخرسانة، مع أنظمة
اتصالات داخلية، ويمكن المشي فيها منتصبا دون أي صعوبة. لقد فهمنا أن الأمر لم يعد
يتعلق بتهديد تكتيكي لقوات الجيش على طول السياج؛ بل هي جزء من شيء أكبر وأكثر
خطورة. من الممكن أن تتصور هجوما مفاجئا مخططا له في عمق أراضينا: ثلاثمائة متر أو أكثر".
ـ السفير دوري جولد: "قدمت الأنفاق
بعدا جديدا تماما للصراع بالكاد استوعبه محللو حرب غزة. هل استثمرت حماس ملايين
الدولارات في نظام الأنفاق حتى تتمكن فرقة من ثلاثة أو خمسة من عناصرها من الوقوف
خلف الخطوط الإسرائيلية؟ أم أن شيئا أكثر شؤما بكثير يجري على قدم وساق، يشمل
المئات، إن لم يكن الآلاف، من نشطاء حماس يتسللون إلى إسرائيل؟!"
لا يمكن استبعاد احتمال أن حماس قادرة على
استخدام شبكة الأنفاق لإرسال مئات الرجال عبر كل نفق، وبالتالي خلق قوة غزو من
الآلاف يمكنها التسلل إلى إسرائيل، ويتوقف فقط عدد هذه القوات على مقدار الوقت
الذي يستغرقه الجيش الإسرائيلي لاكتشافها والرد عليها.
تقييمات إسرائيلية أخرى مهمة لحرب الجرف
الصامد
لم يكن باحثو مركز القدس للشئون العامة هم
من أدركوا ما تعد له حماس. ونذكر هنا بعض ما كتبه قادة عسكريون سابقون عن تقييمهم لحرب2014. وهي تقييمات كأنها تتحدث عما
جرى فيما بعد في حرب طوفان الأقصى:
1 ـ حرب استثنائية بشكل كبير:
في مقال للمستشار السابق للأمن القومي
الجنرال يعقوب عميدرور، على موقع مركز بيجين السادات، عنوانه: "فلتقاتل: إنها
ليست الحرب الأخيرة"، في 20 أكتوبر تشرين الأول 2014، قال فيه: "إنها
حرب استثنائية من نواح كثيرة". أما لماذا هي استثنائية؟، فيقول:
ـ "كان القتال ضد حماس، عدو صغير ، وتم شنه
بالكامل داخل حدود مساحة صغيرة مزدحمة. وقد شعرت حماس بالعزلة الدبلوماسية، ولم تتلق أي مساعدة من أي شخص أثناء
القتال.
اعتبرت حماس حرب 2014، حلقة حاسمة في سلسلة الجهاد والكفاح المسلح، الذي هدفه على المدى الطويل تحرير كل فلسطين. لذا، كانت الأهداف الاستراتيجية لحماس في هذه الحرب هي: زعزعة مفهوم الأمن الإسرائيلي بشكل أساسي من خلال شن هجمات في عمق الأراضي الإسرائيلية، وفرض شروطها لوقف إطلاق النار، وخلق توازن رعب وقدرة ردع لمنع القيادة العسكرية الإسرائيلية من القيام بعملية برية في غزة.ـ أطلقت إسرائيل العنان لقواتها الجوية - الرابعة في العالم - على هذه الرقعة الضيقة من الأرض.
بريطانيا وإيران: تشكُّل الخليج العربي الحديث.. قراءة في كتاب (2 من 2)
الاعتقال الإداري وسيلة الاحتلال للسيطرة الممنهجة.. قراءة في كتاب
النموذج الفلسطيني الانتفاضي.. مدخل تفسيري لأبعاد طوفان الأقصى.. كتاب جديد