نشر موقع "
إنترسبت" الأمريكي، مقالا، للصحفية، ناتاشا لينارد، قالت فيه: "مع عودة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الولايات المتحدة إلى الجامعات، للفصل الدراسي الخريفي، هناك أسباب لا حصر لها لمواصلة التظاهر ضد التواطؤ المؤسسي مع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على
غزة. والواقع أن الحاجة إلى هذه الاحتجاجات ملحّة أكثر من أي وقت مضى".
وأوضحت، لينارد، خلال المقال الذي ترجمته "عربي21": "بيد أن إدارات الجامعات والكليات لا تشير فقط إلى خططها للتعامل مع الخطاب المؤيد للفلسطينيين بخداع فكري، بل إنها توضّح أيضا أنها تخطط لاستخدام منطقها الزائف لفرض المزيد من التعصب القمعي".
وتابعت: "لقد قدّمت جامعة نيويورك مثالا مثيرا للقلق، عندما شاركت الجامعة مدونة سلوك طلابية محدثة الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من أن اللغة الجديدة تهدف ظاهريا إلى الحد من التعصب، فإنها بدلا من ذلك تعمل على إسكات المعارضة من خلال التهديد بإسكات الانتقادات الموجهة إلى الصهيونية في الحرم الجامعي. إن الطلاب الذين يتحدثون ضد الصهيونية سوف يخاطرون الآن بانتهاك سياسات عدم التمييز التي تنتهجها الجامعة".
"إن صناعة التعليم العالي الأمريكية التي تحوّلت إلى شركات، ليست مكانا للعدالة الاجتماعية وإنتاج المعرفة التحررية. ولكن هناك شيء مروع بشكل خاص في تصرفات جامعة نيويورك هنا" أضافت لينارد.
وأبرزت: "إن المجتمعات المدرسية تعود إلى عام دراسي جديد، بعد صيف لم ير فيه الفلسطينيون أي ذرّة من الراحة من سياسة الإبادة الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة"، مشيرة إلى "القصف المستمر والتهجير القسري، وحملة من التجويع المستهدف، والتدمير المتعمد لإمدادات المياه، والحرمان من الرعاية الطبية الأساسية".
واسترسلت: "لكن بدلا من محاربة الدّعم المادي الأمريكي لهذه الظروف، أمضى المسؤولون الجامعيون مثل أولئك في جامعة نيويورك ذلك الصيف نفسه في استشراف السبل لشيطنة المتظاهرين المناهضين للإبادة الجماعية باعتبارهم متعصبين".
وأردفت بأن "المبادئ التوجيهية الجديدة لجامعة نيويورك، والتي تم تضمينها في وثيقة من المفترض أنها تقدم توضيحا لسياسة الجامعة، تقدّم توسعا غير مسبوق للفصول المحمية لتشمل "الصهاينة" و"الصهيونية". مثل، سياسة الجامعة لعدم التمييز ومكافحة التحرش، والمعروفة باسم NDAH، يقول دليل السلوك المحدث: إن الكلام والسلوك الذي ينتهك NDAH إذا استهدف اليهود أو الإسرائيليين يمكن أن ينتهك أيضا NDAH إذا كان موجها نحو الصهاينة".
وأوضحت أن "قواعد NDAH الخاصة بالجامعة، تهدف إلى عكس الالتزامات القانونية للجامعة، بما في ذلك العنوان السادس من قانون الحقوق المدنية لعام 1964، والذي يحظر التمييز والمضايقة على أساس عرق الطالب أو لونه أو أصله القومي أو هويته الدينية أو أصله المشترك أو عرقه"، مبرزة قول الدليل: "إن استخدام كلمات رمزية، مثل "صهيوني"، لا يلغي احتمال أن يكون كلامك ينتهك سياسة NDAH".
إلى ذلك، أكّدت "الفرضية الكاملة للإرشادات، أن كلمة "صهيوني" لابد وأن تكون كـ"كلمة مشفرة"، تشكّل عيبا فادحا بما يكفي لرفض الوثيقة بأكملها على الفور. واللغة هنا ذات أهمية قصوى. فإن النص لا يقول إن "الصهيوني" يمكن أن يستخدمه معادي السامية ككلمة مشفّرة، وهو ما لا شك فيه صحيح. بل إنه يأخذ الأمر على أنه أمر مسلم به، عندما يستخدم بشكل نقدي، فإن كلمة "صهيوني" ببساطة هي كلمة مشفرة".
"إن المفارقات في هذا النهج كثيرة. ففي الحرم الجامعي وخارجه، كان معادو الصهيونية يحاولون بصوت عال ضمان عدم استخدام "صهيوني" كبديل لـ"يهودي". ومع ذلك فإن الصهاينة أنفسهم هم الذين يصرون في أغلب الأحيان على الخلط، مدعين أن إسرائيل كدولة عرقية تتحدث باسم جميع اليهود، وتعمل نيابة عنهم، وتمثلهم" أكدت ناتاشا لينارد.
وبناء على ذلك، قالت "إن "صهيوني" و"الصهيونية"، وفقا لتوجيهات جامعة نيويورك، إما أن تكونا إشارتين معاديتين للسامية عندما يتم استدعاؤهم بشكل نقدي أو فئة محمية تشبه العرق أو الإثنية أو الهوية الدينية. وبهذا فإن معاداة الصهيونية الملتزمة أخلاقيا والمستنيرة سياسيا، بما في ذلك معتقدات العديد من اليهود المناهضين للصهيونية الذين يرفضون دمج هويتهم وتراثهم مع مشروع الدولة العرقية".
وعلّقت على إرشادات جامعة نيويورك: "بالنسبة للعديد من اليهود، فإن الصهيونية تشكل جزءا من هويتهم اليهودية"، بالقول: "هذا صحيح بالطبع. ولكن هذا لا يجعل الصهيونية جزءا أساسيا من الهوية اليهودية".
واسترسلت: "هناك مسيحيون محافظون يعتبرون إدانة المثلية الجنسية جزءا أساسيا من إيمانهم المسيحي أيضا، ولكن الحرب القانونية الجمهورية التي تهدف إلى اعتبار المواقف المعادية للمثليين مكرسة كتعبير ديني محمي قد أدانها التيار الليبرالي السائد بحق وبشكل ثابت".
وقال أعضاء هيئة تدريس جامعة نيويورك للعدالة في فلسطين، عبر بيان، ردّا على دليل السلوك المحدث: "إن الإرشادات الجديدة تضع سابقة خطيرة من خلال توسيع نطاق حماية العنوان السادس لأي شخص يلتزم بالصهيونية، وهي أيديولوجية سياسية قومية، وتساوي بشكل مقلق بين انتقاد الصهيونية والتمييز ضد الشعب اليهودي".
"علاوة على ذلك، فإن الإرشادات الجديدة تعني ضمنا أن أي أيديولوجية سياسية قومية (القومية الهندوسية، والقومية المسيحية، وما إلى ذلك) مدمجة في فهم بعض أعضاء تلك المجموعة لهويتهم العرقية أو العرقية الخاصة بهم يجب أن تكون مؤهلة لحماية الحقوق المدنية" بحسب البيان نفسه.
كذلك، حذّرت مجموعة أعضاء هيئة التدريس من أن التوجيه "سوف يضفي الشرعية على الإيديولوجيات اليمينية المتطرفة والقومية العرقية تحت ستار حماية الطلاب من التمييز العنصري".
وتزعم إرشادات السلوك تقديم "أمثلة وتفسيرات لسياستنا لمساعدة المجتمع على فهم أفضل ليس فقط ما تقوله القواعد، ولكن أيضا كيفية تطبيقها". ومع ذلك، فإن القائمة المقدمة للصهيونية لا تخدم إلا لضمان محو التمييز بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.
تسرد الوثيقة التي وصفتها بـ"معاداة السامية الواضحة"، مثل "التقليل من شأن الهولوكوست أو إنكاره" أو "مطالبة شخص يهودي أو إسرائيلي أو يُنظر إليه على أنه كذلك بإعلان موقف بشأن إسرائيل أو الصهيونية؛ إلى جانب أمثلة على المعارضة السياسية المعقولة وغير التمييزية، مثل رفض أتباع الصهيونية من أنشطة جماعية معينة".
وأوضحت: "لا يمكن أن يكون رفض الصهاينة تمييزيا إلا إذا تم فهم "الصهيوني" على أنه فئة محمية، وليس أيديولوجية سياسية لها مدافعون ومعارضون. ولنتأمل هنا ما إذا كان من الممكن أن يكون هذا تمييزا، على سبيل المثال، إذا أصرّت مجموعة احتجاجية في الحرم الجامعي لصالح الحريات الإنجابية على استبعاد الناشطين المناهضين للإجهاض من تنظيم الأنشطة".
"إن مثال الاستبعاد الصهيوني الذي قدمه الدليل نشأ من الاحتجاجات التي شهدها العام الماضي. فقد سعت العديد من معسكرات التضامن مع غزة في مختلف أنحاء البلاد إلى استبعاد المتحدثين الصهاينة في الفصل الدراسي الماضي، الأمر الذي أثار استنكارا غير مفاجئ" أكدت المتحدثة ذاتها.
وأضافت: "لكن الاقتراحات التي تفيد بأن مثل هذه الاستبعادات كانت مدفوعة بمعاداة السامية كانت بلا أساس، ولا سيما بالنظر إلى النسبة الكبيرة من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس اليهود الذين شاركوا في المعسكرات ونظمها".
ومضت بالقول: "في حين أن منطق إرشادات السلوك، كما لاحظت هيئة تدريس جامعة نيويورك للعدالة في فلسطين، يمكن تطبيقه على مجموعة من الأيديولوجيات القومية التي تتجاوز الصهيونية، فإن التهديد المباشر لمثل هذه السياسات موجه إلى أولئك الذين يتحدثون عن تحرير فلسطين أثناء حرب إبادة جماعية. والخطاب المؤيد للفلسطينيين هو الذي يواجه قمعا استثنائيا".
في نيسان/ أبريل الماضي، كانت جامعة نيويورك، من بين العديد من الجامعات التي استدعت الشرطة لاعتقال الطلاب وأعضاء هيئة التدريس المشاركين في مخيمات الاحتجاج التضامنية مع غزة. وفي ما وصفته جمعية حكومة طلاب جامعة نيويورك، في بيان لها، أنّه "اعتماد الإدارة على القوة العنيفة لتفريق احتجاج سلمي".
وفي السياق نفسه، أدّت مداهمة الشرطة إلى اعتقال أكثر من 100 طالب وعامل في جامعة نيويورك. فيما تم اعتقال أكثر من 2000 شخص في الحرم الجامعي في جميع أنحاء البلاد في مداهمات وحشية للشرطة، دعت إليها الجامعات ضد طلابها وموظفيها باسم "السلامة".
وقال زاك سامالين، وهو الأستاذ المساعد للغة الإنجليزية في جامعة نيويورك، عن دليل السلوك الجديد: "صُمّمت هذه السياسة لتسهيل استمرار الإدارة في قمع الخطاب والاحتجاج المؤيد للفلسطينيين في الحرم الجامعي". فيما تم اعتقال سامالين إلى جانب الطلاب والزملاء في مداهمة الشرطة في نيسان/ أبريل الماضي.
وقال إن دليل السلوك "يكرس الصهيونية، لأول مرة في أي جامعة أمريكية، على حد علمي، باعتبارها "هوية" بحاجة إلى الحماية بموجب قانون الحقوق المدنية بدلا من كونها أيديولوجية سياسية تُستخدم لتبرير عنف الإبادة الجماعية، والدمار الذي لا يمكن تفسيره في فلسطين".
وأكدت: "أصبح الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية أمرا شائعا في الحرم الجامعي، ويعتمد غالبا على تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست للتعصب ضد اليهود".
"رغم أن المؤسسة السياسية المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة تبنّت التعريف الواسع للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، فقد حثت أكثر من 100 منظمة إسرائيلية ودولية من منظمات المجتمع المدني الأمم المتحدة على رفضه بسبب الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية" أفادت الصحفية، عبر ا
لمقال نفسه.
واستدركت: "لكن من خلال تحديد الصهيونية بشكل زائف كجزء من فئة محمية، فإن دليل السلوك لجامعة نيويورك يذهب إلى أبعد من التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست".
وأبرزت: "لم يكن من قبيل الصدفة أن تتخذ الجامعة هذا المسار الآن. يأتي دليل السلوك الجديد في أعقاب دعوى قضائية فيدرالية رفعها ضد جامعة نيويورك ثلاثة طلاب يهود مؤيدون لإسرائيل، اتهموا الجامعة بالفشل في التدخل في جو قالوا إنه جعلهم يشعرون بعدم الأمان".
وأشار المقال، إلى توصّل الجامعة والمدعين إلى تسوية، أُعلن عنها في تموز/ يوليو، إذ وافقت فيها الجامعة على دفع مبلغ غير معلن للطلاب، ووافقت على إنشاء منصب إداري جديد لمنسق العنوان السادس "للإشراف على الامتثال للعنوان السادس، بما في ذلك ضمان استجابة جامعة نيويورك بشكل مناسب ومتسق لادعاءات التمييز والمضايقة على أساس جميع السمات المحمية".
كانت الدعوى القضائية جزءا من موجة من الدعاوى القضائية المماثلة التي تواجه الجامعات، بما في ذلك كولومبيا وهارفارد وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، ممّا أضاف إلى أشهر من الضغوط السياسية والاقتصادية التي تستهدف الجامعات، وتسليح مزاعم معاداة السامية لإسكات الكلام والتعبير المعادي لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
مع إصدار تسوية جامعة نيويورك، قالت المديرة التنفيذية لشبكة المشاركة الأكاديمية، وهي مجموعة ملتزمة بتنفيذ سياسات مؤيدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي في الحرم الجامعي، عبر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" إن منظمتها "تتطلع إلى مواصلة العمل مع مسؤولي جامعة نيويورك والمسؤولين في جميع أنحاء الجامعة من أجل تطوير المزيد من أفضل الممارسات حول هذه الأهداف ودعم تنفيذها الكامل".
وفي الوقت الذي تواصل فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي الهجوم الشامل والتطهير العرقي على كامل
قطاع غزة المحاصر والضفة الغربية، بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة، سارعت الجامعات في جميع أنحاء البلاد إلى منع العودة إلى الاحتجاجات التي قادها الطلاب في الفصل الدراسي الماضي، ليس من خلال تلبية مطالب المحتجين بسحب الاستثمارات من المؤسسات، ولكن من خلال مضاعفة اللوائح المناهضة للاحتجاجات والمزاعم التي لا أساس لها من الصحة بأن التضامن الفلسطيني يجعل الطلاب اليهود غير آمنين.
وختم المقال بالقول: "لا ينبغي للجامعات أن تشرّع مشاعر الخوف القائمة على خلطات زائفة، بل يجب عليها بدلا من ذلك الالتزام بعمل إزالة الغموض. وفوق كل شيء، يجب على المعلّمين العمل على دحض الأساطير الخبيثة التي تقول إن الحرية الفلسطينية تشكّل تهديدا متأصلا للسلامة اليهودية، أو أنه من التمييز بطريقة أو بأخرى التعبير عن المعارضة لدولة عرقية تم تشكيلها والحفاظ عليها من خلال النزوح العنيف ونزع الملكية وقتل شعب".