شدد صحيفة "
الغارديان" البريطانية على أن دولة
الاحتلال الإسرائيلي "تؤذي نفسها والآخرين من خلال الاستيلاء" على
الضفة الغربية المحتلة، وذلك بعدما تحولت الحرب المتواصلة على
غزة إلى "نقطة انهيار بالنسبة للنظام الدولي القائم على القواعد والأحكام".
وقالت الصحيفة البريطانية في افتتاحيتها، الخميس؛ إن "عدد القتلى
الفلسطينيين في الضفة الغربية لا يزال في ارتفاع، بعد يومين من الهجمات التي شنتها إسرائيل بالطائرات العمودية، والطائرات المسيرة، والقوات البرية".
وأضافت أنه "في شهر تموز /يوليو، اتضحت بجلاء معالم الخط الفاصل بين القانون والسياسة، عندما أعلنت أرفع محكمة تابعة للأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية، أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة، يتعارض مع القانون الدولي وينبغي أن ينتهي".
حينها قال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو؛ إن هذا "قرار من الأكاذيب". وقالت "الغارديان؛ إن هذا الأخير "يعلم أن القوة تنساب من فوهة البندقية".
في هذه الأثناء، تزداد الإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في المناطق المحتلة تصلبا، وتتم في الأغلب بسبب شعور بأن إسرائيل في حل من أي مساءلة أو محاسبة، الأمر الذي ينعكس على التطورات السياسية، وفقا للصحيفة.
وذكرت "الغارديان"، أن "الحرب في غزة أصبحت نقطة الانهيار بالنسبة للنظام الدولي القائم على القواعد والأحكام. وكذلك هو الحال بالنسبة للمناطق المحتلة الأخرى في الضفة الغربية والقدس الشرقية. تقول إسرائيل؛ إنها مضطرة لاتخاذ إجراء من أجل حماية نفسها، مما تزعم أنه هجمات تُستخدم فيها أسلحة ترد من إيران. إلا أن قصف المدنيين من الأجواء يبدو سبيلا لإرهاب الناس، وإرغامهم على الخضوع – وهو قصف يتزايد".
وتابعت: "ففي الفترة ما بين عام 2020 وشهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2023، قتل في المنطقة ستة فلسطينيين بفعل الضربات الجوية. وهذا الأسبوع أعلنت الأمم المتحدة أن 136 فلسطينيا قتلوا في الضفة الغربية بفعل الضربات الجوية منذ تشرين الأول /أكتوبر 2023، بما يمثل زيادة حادة".
وعلقت الصحيفة بالقول؛ إنه "من الواضح أن هذه الأعداد لا تكاد تذكر مقارنة بالأربعين ألف فلسطيني الذين لقوا حتفهم في غزة، وثبت أن الغالبية العظمى منهم هم من المسنين والنساء والأطفال".
وأضافت أن "الأمر الذي يميز بوضوح بين مسرحي العمليات العسكرية الإسرائيلية، هو أن غزة لم تشهد إعادة إقامة المستوطنات الإسرائيلية، ولا وجود لإجماع داخل إسرائيل على القيام بذلك. أما في الضفة الغربية، فقد اتخذت الأحداث منحى مختلفا جدا".
بحسب الصحيفة، فإنه "لم يزل هناك أمل في إمكانية قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية. إلا أنه في اليوم السابق لصدور القرار التاريخي لمحكمة العدل الدولية، صوت البرلمان الإسرائيلي بالأغلبية الكاسحة على سن قرار – تقدمت به مجتمعة الأحزاب التي يتكون منها الائتلاف الذي يتزعمه نتنياهو بدعم من معارضيهم في اليمين وفي الوسط – يرفض إقامة دولة فلسطينية".
ولعل هذا، وفقا للافتتاحية، يعكس الموقع الذي يجد المجتمع الإسرائيلي نفسه فيه اليوم. إلا أنه موقع مدمر وقصير النظر. صحيح أن إسرائيل واجهت صعوبة في إخلاء 8000 مستوطن يهودي من غزة في عام 2005. لكن يوجد الآن ما عدده تقريبا 90 ضعفا من المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
"حتى لو أن الحكماء هم الذين كان بيدهم الأمر والنهي قبل سنين، لكانت المسألة صعبة حتى حينذاك، إذ كان يوجد ما عدده 65 ضعفا من المستوطنين في المناطق الشرقية المحتلة في عام 2012، مقارنة بعدد من تم اقتلاعهم من غزة في عام 2005"، حسب الغارديان".
واستدركت الصحيفة: "لكن لا ينبغي التقليل من أهمية دعوة محكمة العدل الدولية، إلى أن تخلي إسرائيل جميع المستوطنين، وتدفع تعويضات للفلسطينيين على الأضرار التي سببها لهم الاحتلال. لا تكاد تعترف إسرائيل بالوجود الوطني للفلسطينيين، ولكنه اعتراف ينبغي على العالم تشجيع إسرائيل على الإقرار به".
واختتمت الصحيفة البريطانية افتتاحيتها، بالإشارة إلى أنه "على القوى العالمية أن تسأل نفسها: لماذا تبدو غير قادرة على التوصل إلى اتفاق لإنهاء سفك الدماء الجاري، إذ إنه دون اتفاق، فإن المؤسسات الدولية تخاطر بفقد مصداقيتها وإيمان الناس بجدواها؟
لم تنته بعد حكاية الاحتلال العسكري الإسرائيلي المستمر في الضفة منذ 57 عاما. فقط من خلال الدبلوماسية يمكن التوصل إلى حل أطول أمدا لهذا الصراع، من أجل تمكين الشعبين من العيش جنبا إلى جنب في سلام. ولكن طالما أن المبادئ القانونية الدولية غير محترمة، فلن يكتب لأي تسوية سياسية الدوام".
ولليوم الثالث على التوالي، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، عدوانه على مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية المحتلة، وسط اندلاع اشتباكات مسلحة مع مقاومين فلسطينيين، وسماع دوي انفجارات بين حين وآخر.
وفجر الأربعاء الماضي، بدأ الاحتلال الإسرائيلي عدوانا عسكريا هو الأوسع منذ عام 2002، على جنين وطوباس وطولكرم، شمال الضفة الغربية المحتلة.
وبعد 30 ساعة من بدء العدوان، انسحب جيش الاحتلال من مخيم الفارعة قرب طوباس، مخلفا دمارا كبيرا في المنطقة وعددا من الشهداء.
ومساء الخميس، انسحب جيش الاحتلال من محافظة طولكرم أيضا بعد 48 ساعة من العدوان المتواصل، الذي أسفر عن 4 شهداء على الأقل وحالات اعتقال، فضلا عن تجريف الشوارع والبنى التحتية.
ويواصل الاحتلال تصعيده على مدن الضفة الغربية والقدس المحتلة، بما في ذلك المسجد الأقصى المبارك، وذلك بالتوازي مع حربه البربرية المدمرة على قطاع غزة، ما أسفر عن ارتقاء أكثر من 670 شهيدا بينهم 149، منذ بدء معركة "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.