لا تزال قضية الإطاحة بـ"شبكة
تجسس
وابتزاز" في قصر الحكومة
العراقية، تأخذ حيزا كبيرا في وسائل الإعلام المحلية،
وذلك مع كل جديد تسرّبه تقارير عن مجريات التحقيق مع زعيم الشبكة الذي كان يعمل مديرا
في مكتب رئيس الوزراء محمد شياع
السوداني.
وفي 19 آب/ أغسطس الجاري، أفاد بيان لمكتب
السوداني، بأن الأخير وجّه بتشكيل لجنة تحقيقية بحقّ أحد الموظفين العاملين في مكتبه،
وإصدار أمر سحب يد لحين إكمال التحقيق، مؤكدا "عدم التهاون مع أي مخالفة للقانون،
وهو يدعم كل الإجراءات القانونية بهذا الصدد".
وذلك، بعد يوم من اعتقال محمد جوحي، الذي
يشغل معاون مدير عام الدائرة الإدارية في القصر الحكومي، بتهمة ترؤس "شبكة التجسس"،
إضافة إلى القبض على أغلب أعضائها بينهم ضابط في جهاز الأمن الوطني وموظفون آخرون في
مناصب حكومية حساسة.
وأكدت وسائل إعلام محلية أن "جوحي"
كان يسرب معلومات سرية لأجهزة مخابرات أجنبية، إضافة إلى تواصله مع سياسيين ونواب بانتحال
شخصيات تمتلك قنوات فضائية من أجل ابتزازهم، مشيرة إلى أن هذا الأمر قد يبدد مساعي
السوداني للحصول على ولاية ثانية.
"خرق كبير"
وبخصوص تداعيات الإطاحة بالشبكة، أكدت مصادر
سياسية خاصة لـ"عربي21" أن "رئاسة الوزراء محرجة جدا من قضية جوحي،
واتخذت إجراءات إدارية عدة في القصر الحكومي، منها: منع الموظفين من إدارة أي شيء يتعلق
بوسائل التواصل".
وأكدت المصادر القريبة من الحكومة، والتي
طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن "إجراءات إدارية وأمنية مشددة تشهدها مؤسسة رئاسة
الوزراء خلال هذه الأيام من أجل تتبع بقية أعضاء
شبكة جوحي، إضافة إلى الحيلولة دون تكرار تشكيل مثيلاتها في المستقبل".
وتعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي العراقي
غانم العابد لـ"عربي21" إن "العراقيين صدموا بأن مكتب رئيس الوزراء،
وهو أعلى هرم بالسلطة التنفيذية، توجد فيه شبكة تتجسس على المسؤولين والنواب والقضاة
وآخرين يعملون بمفاصل الدولة، وهذا يعد خرقا كبيرا تتحمله الحكومة بشخص السوداني".
وأضاف أن "الحديث عن ارتباط الشبكة
سواء برئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني أو سلفه مصطفى الكاظمي، أعتقد أنه سابق
لأوانه، ما لم تقم الحكومة العراقية بعرض نتائج التحقيق أمام الرأي العام، لأن التكتم
عليها سيجعلها هي المتهمة بها".
وأشار العابد إلى أن "تلميح النائب
في البرلمان مصطفى سند إلى أن السوداني وراء شبكة جوحي، جاءت بعد ساعات من تلميحات
ضمنية صدرت عن نور زهير (المتهم الأساس بسرقة القرن) بأن سند أراد ابتزازه".
وتابع: "تغريدة سند تفسر أنه ليس هو
الفاسد الوحيد، وإنما الكل فاسدون، وهذه الاتهامات ستوزع بين جميع الأطراف، ما ينذر
بموسم انتخابي تدخل فيه حرب ملفات وتسقيط".
وكان النائب الشيعي، مصطفى سند، قد كتب
على منصة "إكس" في 19 آب/ أغسطس الجاري، أن "المتهم ورئيس الشبكة يدعى
محمد جوحي، ويشغل مناصب حكومية عدة، وهي: معاون مدير عام الدائرة الإدارية في مكتب
رئيس الوزراء، وسكرتير الفريق الحكومي، ومسؤول التواصل مع النواب. وأن كل هذه المهام
أوكلت إليه من رئيس الوزراء الحالي".
ورأى العابد أن "نوري المالكي زعيم
(ائتلاف دولة القانون) لا يزال هو عمود الإطار التنسيقي الشيعي، لهذا عمل خلال هذه
الفترة على تقطيع أجنحة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني".
وأردف: "من إجراءات المالكي، هو ترشيح
النائب محمود المشهداني لرئاسة البرلمان، وبهذا ضرب البيت السني، خشية تحالف السوداني
مع حزب "السيادة" (السني) برئاسة خميس الخنجر وتشكيل جبهة قوية بعد الانتخابات
البرلمانية المقبلة".
ورأى العابد أن "رئيس الوزراء الحالي
محمد شياع السوداني، لن يفوز بـ 50 مقعدا في الانتخابات المقبلة، ما يعني أن حصوله
على ولاية جديدة ستكون من الصعوبة بمكان مهما حاول".
وأشار الخبير العراقي إلى أن "رئيس
الوزراء الأسبق حيدر العبادي حقق نحو 50 مقعدا وحده في الانتخابات عام 2018 بعد ولايته
الأولى التي جاءت بعد خروجه منتصرا في الحرب ضد تنظيم الدولة، ومع هذا لم يسمح له البيت
الشيعي بولاية ثانية".
"معركة مبكرة"
في المقابل، قال المتحدث السابق باسم
"الإطار التنسيقي" عائد الهلالي لـ"عربي21" إن " محمد جوحي
كان موظفا في رئاسة الجمهورية ثم ذهب إلى مكتب رئيس الوزراء، فهو من مخلفات حكومة مصطفى
الكاظمي المتهمة بالكثير من الملفات المتعلقة بالتجسس على المسؤولين والنواب".
واستبعد الهلالي "وقوف السوداني وراء
شبكة التجسس هذه لأنه لا يحتاج إلى زج نفسه في مثل هذه الأمور، فهو يحقق إنجازات على
الأرض، ومنشغل ببرنامجه الحكومي، ولديه علاقات متينة سواء مع قادة الإطار التنسيقي
أو خارج الإطار".
وأشار إلى أن "الحديث عن الولاية الثانية
ستقرره صناديق الانتخابات والتي لا يزال على موعدها نحو عام ونصف، بالتالي فيبدو أن
المعركة في هذا السياق جاءت مبكرة، لذلك فإن كل من يتحدث عن تورط السوداني في موضوع شبكة
التجسس، أعتقد أنه على خطأ".
وأعرب الهلالي عن اعتقاده بأن "القضاء
سيقول كلمته بشكل واضح في هذا الموضوع، عندما يتم التحقيق مع محمد جوحي، وهو ابن شقيق
رائد جوحي مدير مكتب رئيس الوزراء السابق، ومعروف بارتباطاته الخارجية".
وأردف: "محاولة تلويث سمعة السوداني
من خلال جرّه إلى موضوع ارتباطه بشبكة التجسس ربما هي من الضربات التي يتعرض لها نتيجة
حضوره الجماهيري الكبير جدا".
ولفت إلى أن "السوداني لم يفعّل حتى
الآن مكاتب (تيار الفراتين) الذي يتزعمه بخصوص العمل الانتخابي، وكذلك لم يستخدم نفوذه
أو المال السياسي للوصول إلى الولاية الثانية، لذلك فإن هذا الأمر سابق لأوانه، وإن الكثير
من العمليات التي حصلت بالمدة الماضية لن تؤثر عليه".
وربط الهلالي بين "قضيتي سرقة القرن
وشبكة التجسس، لأن تزامن تصدر هاتين القضيتين في الإعلام ولدى الرأي العام بات واضحا،
فهناك من يحاول توظيف هذا المناخ من أجل سياسات يطمح لها، لكن الشارع اليوم بات أكثر
وعيا مما كان عليه".
وبيّن السياسي العراقي أن "حديث المالكي،
عن قانون (العفو العام) وضرورة تمريره، يشير إلى وجود صفقة سياسية، هي أن يكون المشهداني
(المقرّب منه) رئيسا للبرلمان، مقابل أن يضم المالكي صوته للمطالبين بالعفو. لذلك فإن كل
ما يجري اليوم يدخل ضمن الصراعات الانتخابية المبكرة".
وفي سياق اتهام وسائل إعلام قريبة من الإطار
التنسيقي للسوداني بالوقوف وراء شبكة التجسس، نشرت وكالة "المعلومة" التابعة
لـ"كتائب حزب الله" في العراق، مقالا شبهت فيه القضية بفضيحة "ووترغيت"
التي أدّت إلى استقالة الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون عام 1972.
وأشار مقال الوكالة إلى أن "فضيحة
(جوحي) أكثر خطورة من القصة الأمريكية، إذ إنّ نيكسون الجمهوري كان يتجسس على مكاتب
غريمه الحزب الديمقراطي، أما صاحبنا فكان تجسّسه ضد الحلفاء والموالين وهدفه الهدم
والابتزاز"، في إشارة إلى السوداني.