نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية مقال
رأي لكاتب العمود في صحيفة "هآرتس" آلون بينكاس، تساءل فيه عن ما إذا كانت
أيام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين
نتنياهو قد أصبحت معدودة، في ظل موجة الغضب التي
تجتاح الإسرائيليين في أعقاب مقتل ستة أسرى إسرائيليين كانوا محتجزين لدى حركة
حماس في
غزة.
وقال الكاتب، في هذا المقال الذي ترجمته
"
عربي21"، إن "الإسرائيليين اليائسين والغاضبين خرجوا إلى الشوارع
بعد أن علموا أن حماس أعدمت ستة رهائن يوم السبت. وقد نظّم الإسرائيليون أكبر
مظاهرة ضد الحكومة منذ بدء
الحرب على غزة. كان من الممكن إنقاذ هؤلاء الرهائن لو
وافق نتنياهو على اتفاق تبادل الرهائن، لكنه عمل بجد على تأجيل المفاوضات لأشهر".
ولفت إلى أن المحتجين البالغ عددهم 350 ألف إسرائيلي
الذين تظاهروا في تل أبيب تجمّعوا في نفس المكان لنفس القضية. وعلى الفور، أثير
على الفور سؤال حول ما إذا كانت هذه نقطة انعطاف سياسي لنتنياهو. ورجّح الكاتب ذلك
مشيرا إلى أن هذا الاحتمال يعتمد على مدى استدامة هذه المظاهرات.
وتابع قائلا: "فهل تعكس هذه المظاهرات كتلة
حرجة من الاشمئزاز من شأنها أن تترجم إلى اضطراب سياسي؟ هل سيؤدي إحباط وزير
الدفاع يوآف غالانت وكبار ضباط الجيش الإسرائيلي ومجتمع الاستخبارات من نتنياهو
إلى تأجيج المزيد من المظاهرات؟ لا يمكن معرفة ذلك على وجه اليقين حتى الآن، ولكن
إذا كان الأمر كذلك، فإن نتنياهو سيواجه مأزقًا سياسيًا كبيرًا، وهو مأزق تمكن
بطريقة ما من تجنبه لعدة أشهر".
وأضاف الكاتب أنه "مهما كان شعور الإسرائيليين
بالغضب، فإن قتل الرهائن كان متوقعاً بشكل مأساوي. فقد سبق أن حذّر غالانت من حدوث
ذلك وكذلك رئيس الموساد ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك). ومع ذلك، لم يرغب
نتنياهو أبدًا في عقد اتفاق تبادل رهائن يتضمن وقف إطلاق النار، فهو لا يريد أي
اتفاق لا يمكن أن يسميه "انتصارًا كاملًا"، وهو هدف وهمي وغير قابل
للتحقيق وضعه لضمان استمرار الحرب".
علاوة على ذلك، يعتبر استمراره في التصعيد إلى جانب
إطالة أمد الحرب على غزة مؤشرات واضحة على أن مصالحه واسعة النطاق تحول دون التوصل
إلى مثل هذه التسوية. فهو يريد الترويج للرواية القائلة إن هذه ليست حربًا تقتصر
على غزة بل صراعًا واسع النطاق ضد إيران ووكلائها، وهذا يضع أحداث السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر في سياق أوسع ويخفف من مسؤوليته.
وأفاد الكاتب بأن "هجوم حماس في 7 تشرين الأول/
أكتوبر يعتبر أسوأ يوم في تاريخ إسرائيل وكارثة ذات أبعاد تاريخية من جميع
النواحي: من حيث السياسة والردع والأمن والاستخبارات والسمعة والكبرياء الوطني.
هذا الحدث كشف أن نتنياهو، الذي وصف نفسه عبثًا بأنه "سيد الأمن"،
والزعيم العالمي في مكافحة الإرهاب، ومنقذ الحضارة الغربية من "الفاشية
الإسلامية"، عكس ما يدعي. وقد رفض تحمّل المسؤولية، وتحدى منتقديه الذين
شككوا في سياساته المتساهلة والمعيبة وتهرّبه من المساءلة. وبدلاً من ذلك، ألقى
باللوم على الجيش وأجهزة الاستخبارات و"النخب الليبرالية" وأي شخص آخر
يمكن أن يخطر بباله".
بالنظر إلى أن إسرائيل كانت غارقة في مظاهرات حاشدة
ضد الانقلاب الدستوري المعادي للديمقراطية الذي قام به نتنياهو، في الأشهر التسعة
التي سبقت هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان هناك توقّع بأن الحرب
وحماقة نتنياهو ستعجل باندلاع
احتجاجات واسعة النطاق.
وأضاف الكاتب أن "هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر
وضّح الكثير من الأشياء في إسرائيل، أولاً كان إذلالاً لإسرائيل ما أصاب الجمهور
المحبط بالشلل. ثانيًا، في العقلية الوطنية الإسرائيلية، لا يمكنك التظاهر عندما
تكون البلاد في حالة حرب. وثالثًا، برر الجمهور الإسرائيلي الحرب برغبة يائسة في
الانتقام، وافترض بسذاجة أن نتنياهو سيستقيل طواعية في مرحلة ما. ورابعًا، انضم
تحالف المعارضة بقيادة بيني غانتس وغادي آيزنكوت مؤقتًا إلى "حكومة
الحرب" لإضفاء خبرتهم وإحداث توازن مع اليمين المتطرف".
ولكن اتضح أن هذه الاستراتيجية بلا فائدة، فقد استمر
الدمار 11 شهرًا، وفي حين أنه كان ينبغي أن يكون واضحًا بعد ثلاثة أو أربعة أشهر أن
الحرب كانت تتواصل عمدًا، كان ينبغي أن تكون حقيقة قيادة نتنياهو غير الكفؤة قد
طغت على الممارسة النبيلة المتمثلة في "عدم الاحتجاج عندما تطلق المدافع".
وحسب الكاتب، أدى استعداد غانتس للمساهمة بخبرته إلى
بقائه في الحكومة لثمانية أشهر بشكل ملائم، لم يفعل خلالها شيئًا، ولم يضف أي قيمة
ونادراً ما تحدى نتنياهو. وبدلًا من ذلك، وفّر لنتنياهو غطاءً سياسيًا وافرًا
ودائمًا، وبالتالي أقنع الكثير من الإسرائيليين بأنه إذا كان في مجلس الوزراء
والحرب مستمرة، فلا فائدة من التظاهر.
وفي الختام، أكد الكاتب أن هذا بالضبط ما راهن عليه
نتنياهو، ذلك أن كثرة إخفاقاته في السياسة الخارجية، مثل مسألة إيران وغزة
والعلاقات مع الولايات المتحدة، وإخفاقاته الداخلية مثل الانقلاب الدستوري الفاشل،
وغلاء المعيشة، والصراع الاجتماعي، لا تخفي حقيقة أنه سياسي أكثر دهاءً ومكرًا من
أي من منافسيه. والأشياء الوحيدة التي يجيدها هي تشكيل ائتلاف تجمعه الشعبوية
والديماغوجية وإدارة البقاء في السلطة. مع ذلك، فإن هناك أدلة على أنه وصل إلى طريق
سياسي مسدود، فقد أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخرًا أن 70 بالمئة من الإسرائيليين
يريدون استقالته. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تريد ذلك أيضًا، وربما كان سوء إدارة
نتنياهو لمصير الرهائن تلاعبًا متطرفًا، حتى بالنسبة له.