كشف تقرير لمجلة "
ذا نيشن" الأمريكية، كواليس اتخاذ كلية ترينيتي في العاصمة الإيرلندية
دبلن قرار الانسحاب من الاستثمارات المرتبطة بدولة
الاحتلال الإسرائيلي، مشددا على أن ذلك يعد "نجاحا" يحتسب لصالح الحركة الطلابية الداعمة مع
فلسطين، بعد تنظيم مخيم تضامني مع غزة.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"؛ إن كل زاوية تقريبا من مكاتب اتحاد الطلاب مليئة بالإمدادات، وتنتشر اللافتات والخيام والوسائد والبطانيات المطوية في الممرات.
ونقلت عن لازلو مولنارفي، رئيس اتحاد طلاب كلية ترينيتي في دبلن، قوله؛ إن الإمدادات ستوزع لاحقا على طالبي اللجوء الذين ينامون في خيام خارج مكتب الحماية الدولية، وعلى طول القناة الكبرى.
كُتب بخط اليد بالحبر الأسود على حائط مكتب مولنارفي، فوق صف من مكبرات الصوت الموجودة أمام مكتبه: "النصر للطلاب". أسفل ذلك، حُفِر بعلامة حمراء عريضة ومختومة بختم زمني يعود إلى يومين فقط قبل 8 أيار/مايو: "توافق كلية ترينيتي دبلن على سحب الاستثمارات".
مع بدء الفصل الدراسي الجديد، تقول جيني ماغواير، الرئيسة الجديدة لاتحاد طلاب كلية ترينيتي في دبلن؛ إن الاتحاد قد تغير بشكل جذري عبر مخيم التضامن مع غزة، ولا يزال ثابتا في التزامه بفلسطين الحرة.
وقد عُلقت لافتة كبيرة على الحائط خلف مكتبها، وهي بمنزلة رمز لجهود الحركة الطلابية المستمرة مكتوب عليها "أنتم الآن تدخلون إلى ترينيتي الحرة"، في إشارة إلى منطقة فري ديري الإيرلندية، التي أعلنت استقلالها الذاتي في إيرلندا الشمالية، خلال الاضطرابات التي شهدتها إيرلندا الشمالية في أوائل السبعينيات.
قالت ماغواير للمجلة: "لقد ذكّرنا الجامعة وجميع الجامعات داخل إيرلندا، بقوة الطلاب والقبضة التي ما زلنا نمتلكها ولا نخشى استخدامها".
وأشارت المجلة إلى أن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، تنشط في حرم كلية ترينيتي دبلن على مدى السنوات الثماني الماضية. في سنة 2022، أدى تنظيم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات إلى سحب كلية ترينيتي لاستثماراتها في أسهم الشركات المصنعة للأسلحة بقيمة تزيد عن 2.7 مليون دولار، بما في ذلك أكثر من 788 ألف دولار مستثمرة في شركة لوكهيد مارتن، وحوالي 958 ألف دولار في شركة رايثيون تكنولوجيز، وأكثر من 185 ألف دولار في شركة بي إيه إي سيستمز، وجميعها تبيع الأسلحة وتكنولوجيا المراقبة لإسرائيل.
مع ذلك، قال مولنارفي؛ إن الإدارة تجاهلت السنوات الثماني الماضية من حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات. وقد اكتسبت التعبئة من أجل فلسطين زخما بعد أن غرس مولنارفي وضباط الإجازة الصيفية 2023-24 نهجا شعبيا منذ بداية السنة الدراسية.
وحيال ذلك، قال مولنارفي خلال حديثه للمجلة: "تأتي القوة من الناس. ومن خلال القدرة على تهديد سمعة الجامعة ومموّليها، يمكننا في الواقع تحدّي السلطات للتخلي عن أشياء مثل زيادة الرسوم والإيجارات، أو تأمين أشياء مثل سحب الاستثمارات من المشاريع غير الأخلاقية".
وحرص الاتحاد وحملة المقاطعة الخاصة به على تنظيم اعتصامات من أجل فلسطين على مدار السنة. ويقول مولنارفي: "بمجرد أن أقامت جامعة كولومبيا معسكرها، شعرنا بالإلهام لفعل الشيء نفسه. لقد شعرنا حقّا بوجود حركة جماهيرية هنا".
وبعد قرابة عقد من حملات المقاطعة وسنة من التعبئة المتزايدة، أقام الطلاب معسكرا في ساحة فيلوز في الثالث من أيار/مايو، مطالبين كلية ترينيتي في دبلن بقطع جميع العلاقات مع إسرائيل.
وفي الثامن من أيار/مايو، أصدرت الكلية اتفاقية سحب الاستثمارات، وأصبحت حركة طلاب ترينيتي واحدة من أوائل الحركات في جميع أنحاء العالم التي تمت تلبية مطالبها.
وتضمنت الاتفاقية سحب الاستثمارات من الشركات الإسرائيلية التي لها أنشطة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمدرجة على القائمة السوداء للأمم المتحدة، وقطع العلاقات مع موردها الإسرائيلي الوحيد، إنسباير ساينس، وتوسيع الدعم للطلاب الفلسطينيين، وإنشاء فريق عمل سينظر في سحب الاستثمارات من الاستثمارات المتبقية في الشركات الإسرائيلية، ومراجعة جميع الروابط الأكاديمية وبرامج تبادل الطلاب والتعاون البحثي، ويبلغ حجم هذا الأخير أكثر من 2.7 مليون دولار لتمويل مشاريع بحثية جارية تشمل الجامعات والمعاهد الإسرائيلية، بما في ذلك جامعة تل أبيب، ومعهد تكنيون-إسرائيل للتكنولوجيا، ومعهد وايزمان للعلوم، ومعهد كي للأبحاث، وجامعة بن غوريون، وفقا للتقرير.
وأوضحت المجلة، أن هذا النصر لم يكن مضمونا، فقبل أقل من أسبوعين من الاتفاق، أخضعت الجامعة ممثلي الطلاب، بمن فيهم مولنارفي وماغواير، لجلسات استماع تأديبية، وأصدرت غرامة تزيد عن 214 ألف يورو على اتحاد الطلاب بسبب الخسائر المالية المزعومة، الناجمة عن الاضطرابات الناتجة عن الاحتجاجات على مدار السنة، لكن الغرامة لم تردع الطلاب عن التحركات المباشرة القادمة، فقد وجدوا أن الاحتجاجات المهذبة وغير التخريبية غالبا ما يتم تجاهلها.
ووفقا للتقرير، فقد أدت الغرامة التي تم سحبها لاحقا إلى غضب عام ضد الكلية، وبالتزامن مع العنف الذي مارسته الجامعات الأمريكية ضد الطلاب، أدى ذلك إلى تمهيد مسار إيجابي للاتحاد في 3 أيار/مايو.
قالت ماغواير: "مع بدء المخيم، أدركت الكلية أننا يجب أن ننتصر؛ لأنهم بدورهم سيفوزون. لقد كان تعامل كليات الولايات المتحدة مع المخيمات مروعا للغاية ومحل إدانة دولية. ومن خلال منحنا ما أردناه بهذه السرعة، منحناهم أيضا فرصة للخروج من كابوس العلاقات العامة هذا".
بدأ كوين كاتز-زغبي، الذي ينحدر من بالتيمور بولاية ماريلاند، العمل في كلية ترينيتي في سنة 2023 وانضم على الفور إلى حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات، وقال؛ إن دعوته للتنظيم مستمدة من تقليد طويل من المناصرة داخل عائلته؛ والده يهودي أمريكي، ووالدته لبنانية أمريكية، وجده يدير المعهد العربي الأمريكي.
وقال كاتز-زغبي، الذي يشغل الآن منصب رئيس حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات في كلية ترينيتي في بالتيمور: "لم أختر حقًا الانخراط في هذا النوع من الدعوة، لقد نشأت معها".
كان كاتز-زغبي في منزله في بالتيمور في أثناء المخيم، الذي تزامن تقريبا مع المظاهرات في جامعة جونز هوبكنز والجامعة الأمريكية وجامعات أخرى في منطقة العاصمة، التي قوبل العديد منها بوحشية من الشرطة.
وقال في حديثه للمجلة: "نظرا لكوني قادما من سياق أمريكي، فقد كان عليّ أن أعيد تنظيم عقلي لأفهم أنه من الناحية الواقعية، لن تأتي الشرطة وتبدأ في تحطيم الرؤوس. نحن حركة عالمية، لكن ظروفنا المادية مختلفة تماما عن أمريكا".
وقالت ماغواير؛ إن المشكلة مع الشرطة في إيرلندا هي عدم الاتساق، لا سيما في السماح لليمين المتطرف، على سبيل المثال، بمهاجمة اللاجئين والمتحولين جنسيا. وقال ماغواير؛ "إنه إهمال وعدم فهم للتهديد الحقيقي الذي يحدث".
وأفادت المجلة بأن الظروف التي وافقت فيها جامعة ترينيتي على سحب الاستثمارات تختلف عن ظروف الجامعات الأمريكية، لا سيما فيما يتعلق بالعنف الذي تمارسه الدولة على الطلاب في جميع أنحاء الولايات المتحدة. مع ذلك، تشير إنجازات جامعة ترينيتي إلى تحول أوسع في الوعي العام.
قال مولنارفي: "هذه حركة عالمية، وترينيتي ليست سوى جزء صغير منها. وبجهودنا المشتركة، يمكن أن تكون أخيرا بداية لفقدان إسرائيل الشرعية الاجتماعية، بسبب ما تفعله بالفلسطينيين منذ أكثر من 76 سنة".
وقالت ماغواير؛ إن العلاقة بين الاتحاد والجامعة حاليا علاقة بناءة، لكن ذلك مؤقت. وأكدت أن الجامعة تخلصت بالكامل من الاستثمارات في الأراضي المحتلة في حزيران/ يونيو، وفقا للتقرير.
بالإضافة إلى ذلك، فإن فريق العمل الذي ستشارك ماغواير في عضويته، من المقرر أن يتم إنشاؤه خلال الاجتماع الأول لمجلس إدارة ترينيتي في 9 تشرين الأول/أكتوبر. على الرغم من أن مولنارفي قال؛ إن فريق العمل يحمل نتائج غير مؤكدة، إلا أنه يتبع مشروع الإرث الاستعماري لترينيتي الذي بدأ في سنة 2021، وأدى إلى مبادرات مثل تغيير تسمية مكتبة بيركلي السابقة إلى مكتبة كلية ترينيتي (كان جورج بيركلي عنصريّا أبيض).
وذكرت ماغواير، أن "كل شيء يسير وفقا للخطة، لكن الاتحاد ليس ساذجا"، موضحة أنه في حال فشلت كلية ترينيتي في الوفاء بوعدها فيما يتعلق بسحب الاستثمارات بالكامل، أو إذا بدا أن فريق العمل غير فعال، فإن الاتحاد سيتخذ إجراء.