يشتهر
وادي البقاع شرق
لبنان بتربته الخصبة والمعابد الرومانية ويجري فيها أكبر نهرين في البلاد، إلا أنه حاليا يتم الحديث عنه على أنه من أهم مواطن
حزب الله ومسرح للحرب مرة أخرى.
وقالت صحيفة "الغارديان" في تقرير لها إنه "في صباح أحد الأيام مؤخرا وبالقرب من بلدة النبي شيت في البقاع، كان عشرات الرجال يزيلون الحطام. كانت الطائرات الإسرائيلية قد حلقت فوق الوادي قبل أسبوع، وهي الغارة الثانية من نوعها في ثلاثة أيام. حولت الانفجارات سماء الليل إلى اللون الأحمر والأصفر والبرتقالي، وملأت الهواء برائحة الغبار والبارود".
وأضافت الصحيفة نقلا عن محمد الموسوي، وهو مؤيد لحزب الله، قوله: "لقد ضربوا النبي شيت لأن قريتنا هي أم المقاومة"، وذلك خلال وقوفه على شرفة الطابق الأرضي من منزله أمام كومة من الأنقاض ومظلة معدنية ملتوية، بينما تحطمت النوافذ، وظهرت على الواجهة آثار الشظايا.
واستشهد أحد الجيران في الضربات، وكان حفيد الموسوي حسين من بين الجرحى العشرين ونقل إلى المستشفى بعد أن جرح الزجاج المحطم وجهه.
وكشف الموسوي "أنه يبلغ من العمر أربع سنوات ويفهم بالفعل أن إسرائيل هي العدو الذي ينتهك الأراضي العربية. ماذا تعتقدين أنه سيكون عندما يكبر؟".
رفض جيش
الاحتلال التعليق على الخسائر، لكنه قال في بيان سابق إن طائرات مقاتلة استهدفت "مستودع أسلحة" ونظام دفاع جوي ليلة 21 آب/ أغسطس، مما تسبب في انفجارات ثانوية، بينما أكد حزب الله والسلطات المحلية وشهود العيان على أن الضربة كانت مباشرة على منازل المدنيين.
في حين تحملت قرى جنوب لبنان وطأة النيران عبر الحدود في حرب استنزاف محدودة حتى الآن، فإن الضربات الأخيرة على البقاع قد تشير إلى اتساع نطاق الحرب إلى الوادي الذي كان يجتذب السياح الدوليين حتى وقت قريب.
ومع خطر تمزق خطوط الصدع في المنطقة، فإن جانبا آخر من تاريخ البقاع يحتل مركز الصدارة.
يُطلق على البقاع اسم "خزان المقاومة"، وهو معقل دعم حزب الله ومستودع للأسلحة على طول ممر استراتيجي يربط حزب الله بحلفائه في سوريا والعراق وإيران، بحسب تقرير الصحيفة.
قال رئيس بلدية النبي شيت التي يديرها حزب الله، حسن الموسوي [الموسوي هو أحد الأسماء الأكثر شيوعا في النبي شيت ولا توجد روابط عائلية وثيقة بين الأشخاص الذين تمت مقابلتهم]: "نعتبر الجنوب خط الدفاع الأول عن لبنان، ونحن في البقاع خط الدفاع الثاني". يتمتع حزب الله بدعم من القبائل القوية في البقاع ويستمد مقاتليه من سكان المنطقة وأكثريتهم من الشيعة.
وقالت الصحيفة إن "البقاع هو مسقط رأس حزب الله والعديد من قادته، وعلى مسافة قصيرة سيرا على الأقدام من البلدية يقع مرقد عباس الموسوي المزخرف، رجل الدين الشيعي الذي شارك في تأسيس حزب الله في عام 1982 بمساعدة الحرس الثوري الإيراني لمحاربة احتلال إسرائيل للبنان. كان البقاع موقعا للمعسكر التدريبي الأول وكان بمثابة قاعدة خلفية بينما كان حزب الله يقاتل القوات الإسرائيلية في الجنوب حتى انسحابها في عام 2000. وخلال الحرب التالية، في عام 2006، قصفت إسرائيل أحد الجسور الرئيسية المؤدية إلى الوادي لقطع خطوط الإمداد".
وأضافت أنه "في الأسابيع الأخيرة، أصبح البقاع مرة أخرى مسرحا للحرب. وللمرة الأولى منذ تشرين الأول/ أكتوبر، عندما دخل حزب الله الصراع دعما لحليفته حماس، استخدم الحزب الوادي في 25 آب/ أغسطس لإطلاق مسيّرات باتجاه إسرائيل، كما كشف أمينه العام حسن نصر الله في خطاب ألقاه في ذلك اليوم. وكانت المسيّرات جزءا من الرد الذي طال انتظاره على اغتيال إسرائيل لفؤاد شكر، القائد الأعلى لحزب الله الذي قُتل في غارات إسرائيلية خلفت أكثر من 400 قتيل من مقاتلي حزب الله".
وأشارت إلى أن "اعتراف نصر الله بأن مقتل شكر كان خسارة كبيرة، وهي الخسارة التي يشعر بها أهل النبي شيت، مسقط رأسه، وكان استخدام البقاع كمنصة إطلاق عملا رمزيا للانتقام لموته بقدر ما كان رسالة استراتيجية مفادها أن حزب الله مستعد لتفعيل قاعدته الخلفية".
ونقلت الصحيفة عن الموسوي رئيس البلدية قوله: "الرسالة العسكرية التي أرسلها السيد نصر الله هي أننا نرغب بالسلام، وليس الحرب، ولكن إذا فرضت علينا الحرب، فنحن مستعدون لاستخدام أسلحة متطورة".
وبينت الصحيفة أن "ترسانة حزب الله المقدرة بنحو 150 ألف صاروخ وقذيفة تأتي في الغالب من إيران، التي ظلت الداعم الرئيسي للجماعة حتى مع تطورها من جذورها المتمردة لتصبح الدولة الفعلية في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، مثل البقاع. وفي جميع أنحاء النبي شيت، تشيد الملصقات بالقادة الإيرانيين، مثل الجنرال الراحل قاسم سليماني، الذي يُنسب إليه الفضل في تعزيز شبكة إيران من الحلفاء الإقليميين. وعلى الرغم من هذا التبجيل الصريح للزعامة الإيرانية، فإن كثيرين هنا لا يرون حزب الله وكيلا لإيران".
وقال محمد الموسوي، المتحدث باسم ضريح عباس الموسوي، الذي يضم ملصقا كبيرا لقادة إيرانيين بجوار الضريح: "يعتقد الغرب أن هناك قائدا وتابعا، وأن إيران تعطي الأوامر ونحن نطلق النار. العلاقة هي تحالف حيث يتم اتخاذ القرارات من خلال التشاور. إذا قالت إيران، 'دعونا نقصف تل أبيب'، ولكن هذا ليس في مصلحة حزب الله، فلن يحدث ذلك".
وتصنف "إسرائيل" والعديد من الدول الغربية حزب الله كمنظمة إرهابية. وفي بيان أعقب الضربات على النبي شيت، قال الجيش الإسرائيلي: "تعمل منظمة حزب الله الإرهابية من داخل البنية التحتية المدنية، وتستغل السكان المدنيين اللبنانيين بوحشية".
ولكن بعيدا عن الشعور بالاستغلال، تجمع الناس في النبي شيت حول حزب الله بعد الضربات. وقال الموسوي، المؤيد الذي تضرر منزله: "أنا مع المقاومة بسبب الظلم الذي عانيت منه".
وأضاف أن "الجيش الإسرائيلي اعتقله عام 1984 عندما احتل لبنان، وخلال الاستجواب، قال إن الضباط الإسرائيليين قاموا بخلع كل أسنانه"، ثم بحسب الصحيفة توقف قليلا لإخراج طقم الأسنان وكشف عن فكيه الخاليين من الأسنان.
وبعد إطلاق سراحه، انضم الموسوي إلى حزب الله، وهو الآن في الستين من عمره، وهو متقاعد، لكن ولديه سارا على خطاه، وربما يصبح حفيده حسين الجيل الثالث من العائلة الذي يقاتل في صفوف حزب الله، بحسب الصحيفة.
وجاء في التقرير أن من بين الأسباب التي تجعل الناس "يتعاطفون مع حزب الله هو الدين، فالبقاع غارقة في العقيدة الشيعية. وتعود أصول عائلة الموسوي إلى الإمام الشيعي السابع موسى الكاظم، من نسل النبي محمد. والنضال ضد الظلم هو أحد مبادئ العقيدة الشيعية، وقد سمح استحضار هذا المبدأ لحزب الله بتصوير مشاركته في هذا الصراع على أنها نضال أوسع ضد تعدي إسرائيل على الأراضي الفلسطينية واللبنانية".
وتتعزز مثل هذه الآراء من خلال المعتقدات المناهضة للاحتلال التي يعود تاريخها إلى قرون مضت. وتفخر قبائل البقاع بمقاومتها للغزاة أثناء الحكم العثماني والفرنسي، وترى إسرائيل تجسيدا للاستعمار.
وقال الشيخ مدحت زعيتر، زعيم أقوى القبائل في البقاع: "أنا أقف مع الفلسطينيين لأنه إذا انتهى الفلسطينيون، فإن إسرائيل ستهاجم لبنان بعد ذلك".
جلس على شرفة منزل العائلة الواقع على سفح تل بالقرب من مدينة بعلبك. كانت القرية محاطة بحقول القنب، التي أصبحت المصدر الرئيسي للدخل في الوادي، وحلت تدريجيا محل المحاصيل الأخرى الأقل ربحية والأكثر استهلاكا للمياه في ما كان يُعرف بسلة خبز لبنان.
وفي مقابل ولاء القبائل، يستقطب حزب الله المسؤولين المحليين وأعضاء البرلمان من صفوفه ويسمح بزراعة القنب، على الرغم من أن تجارة المخدرات تتعارض مع أيديولوجيته. وقال نجل الشيخ مهر زعيتر: "تشترك القبائل وحزب الله في نفس مبادئ المقاومة المسلحة. يمكننا أن نختلف في مائة قضية أخرى، ولكن ليس عندما يتعلق الأمر بمحاربة إسرائيل".