توقّف سياسيون ومراقبون عند الردّ القصير بكلمة «لا» للرئيس جو بايدن عندما سأله أحد الصحفيين، عما إذا كان بنيامين
نتنياهو يبذل جهدا كافيا من أجل التوصل إلى صفقة لوقف الحرب، وتبادل الأسرى بين «إسرائيل» و«حماس»، وما إذا كانت «لا» تشكّل نقدا صريحا لتعنّت رئيس الحكومة الإسرائيلي، لكن الرئيس الأمريكي سرعان ما تابع كلامه محمّلا «حماس» المسؤولية عن مقتل الأسرى الإسرائيليين الستة، عند فوهة أحد الأنفاق، كما حمّل «حماس» مسؤولية فشل الاتصالات وإعاقة المفاوضات، وأن الكرة ما زالت تاليا في ملعبها.
وزير خارجيته أنطوني بلينكن، كان قد عبّر عن الموقف ذاته خلال زيارته الأخيرة لكيان الاحتلال، متجاهلا الشروط التعجيزية التي أعلنها نتنياهو ومن شأنها إعادة التفاوض بمقترح بايدن، الذي سبق لـ«حماس» أن أعلنت موافقتها المبدئية عليه، شرط التفاهم على آلية لوضعه موضع التنفيذ.
الواقع أن نتنياهو لا يريد وقف الحرب، وقد استصدر أخيرا من الكنيست (البرلمان) قرارا بوجوب بقاء الجيش الإسرائيلي في منطقة فيلادلفيا على الحدود بين فلسطين المحتلة ومصر، بدعوى أنها تشكّل أنبوب الأوكسجين لـ«حماس»، ما يعزّز هدفها بإعادة سلطتها على قطاع
غزة.
هل هذا كل ما يريده نتنياهو من وراء إصراره على استمرار الحرب؟
ليس أفضل من معارضي نتنياهو لمعرفة أغراض هذا الصهيوني العنصري الشرس. ففي مقالة لافتة كشف ألوف بن رئيس تحرير صحيفة «هآرتس»(2024/9/3) المعاني العميقة لخطاب نتنياهو الأخير، لكونها تتعدى حدود صفقة التبادل.
أوضح بن أنه «منذ دخول نتنياهو حلبة السياسة، كانت لديه ثلاثة أهداف: «البقاء في السلطة أطول مدة ممكنة، واستبدال النخب السياسية في إسرائيل، وتفكيك الحركة الوطنية الفلسطينية، وأنه يراوغ ويكذب ويطرح أفكارا متناقضة بالدرجة ذاتها من الاقتناع، لكنه يعود دائما إلى الثلاثية ذاتها: رئاسة الحكومة، والتحريض ضد اليسار، وتأبيد الاحتلال في الضفة».
وقال بن؛ إن بقاء «إسرائيل» في محور فيلادلفيا، «يعني تجميد المفاوضات مع حماس بشأن وقف الحرب، وإعادة المخطوفين (الأسرى)، والدفع بهذه الأهداف معا مرة أخرى».
أرى أن ثمة هدفا رابعا لنتنياهو في هذه المرحلة: الحرص على خدمة حليفه القديم دونالد
ترامب، المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة في الانتخابات التي ستجري في 5 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
حرصه على ترامب، يدفعه إلى عدم وقف الحرب وتبادل الأسرى.
حرصه على ترامب يدفعه إلى عدم وقف الحرب وتبادل الأسرى؛ لأن ذلك يشكّل في رأيه هدية ثمينة لمنافسته كامالا
هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي. لذا، لا وقف للحرب، أقلّه لحين الفراغ من الانتخابات الرئاسية الأمريكية. بذلك يكون استمرار الحرب هديته هو إلى حليفه الأثير دونالد ترامب. لنفترض أن هاريس فازت، فماذا تراه يكون موقف الرئيس بايدن، الذي لا تنتهي ولايته عمليا قبل بدء الرئيسة الجديدة ممارسة سلطاتها في العشرين من شهر كانون الثاني/يناير 2025؟
قبل الانتخابات، كان بايدن يحاذر انتقاد نتنياهو؛ مخافة إغضاب الناخبين اليهود الأمريكيين الذين يصوّتون غالبا لمصلحة مرشحي الحزب الديمقراطي.
بعد الانتخابات، وفي حال فوز كامالا هاريس، لا تعود ثمة حاجة إلى الحذر والحرج، فهل يُقدِم بايدن على الاقتصاص من نتنياهو بكشف نفاقه وتقلّباته وحرصه على إفشال المفاوضات بقصد إطالة حربه الوحشية؟ حسنا، إذا فعلها بايدن، ماذا تراه يحصل؟ ستزداد وتتوسع التظاهرات المعادية لنتنياهو، والمطالبة باستقالة حكومته، وإجراء انتخابات جديدة.
وربما يخضع نتنياهو أيضا لضغوط الشارع، فيوافق على وقف الحرب، لكنه سيتشدّد في رفض إطلاق بعض الأسرى الفلسطينيين؛ بغية حمل «حماس» على رفض «صفقة» تبادل الأسرى، الأمر الذي يتيح له العودة إلى شن الحرب والمساومة على وقفها، لقاء مطالب تعجيزية يطرحها مجددا. إلى ذلك، ثمة احتمال أن يتمسك نتنياهو بموقفه وشروطه ويعود إلى متابعة الحرب، مستندا إلى واقعة امتلاكه أكثرية في الكنيست لا تقل عن 63 نائبا من اصل 120، وإلى أكثرية محسوسة لدى الجمهور الإسرائيلي، كما يتضح من استطلاعات الرأي التي تجريها بعض الصحف أسبوعيا.
أما إذا كان حليفه ترامب هو الفائز، فإن نتنياهو سيصبح أكثر تطرفا وتشدّدا وتعاونا مع الوزيرين الأكثر منه تعصبا وعنصرية، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الناشطين في توسيع رقعة الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية، والمنادين بوجوب ضمها إلى الكيان، وكذلك إقامة مستوطنات في جنوب لبنان.
أطراف محور المقاومة يدركون بالتأكيد مخاطر الاحتمالات سابقة الذكر، ويحاولون تطويقها وتعطيلها. إيران، مثلا، تباطأت في توجيه ضربتها الموعودة انتقاما لاغتيال «إسرائيل» رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية في قلب طهران، لإدراكها أن تنفيذها قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، من شأنه استنفار قوى اليمين الأمريكي المحافظ المؤيدة لترامب، كما قوى اليمين العنصري في كيان الاحتلال المؤيدة لنتنياهو.
غير أن تأجيل الضربة الانتقامية لا يعني إلغاءها. ذلك أن إيران، قيادة وحرسا ثوريا وجماهير غاضبة، مصرّة على تنفيذ الضربة الانتقامية عاجلا أو آجلا.
أخيرا وليس آخرا، ما من أحد يمكنه التنبؤ في مَن سيكون الفائز هاريس أم ترامب، والسياسة التي سيعتمدها كل منهما إزاء أطراف محور المقاومة عموما، وإيران خصوصا.
هذا مع العلم أن الولايات المتحدة ليست في وضع مريح في الوقت الحاضر؛ فهي تشكو من تضخم كبير ينعكس سلبا على اقتصادها، وتنشغل كثيرا في حرب مكلفة في أوكرانيا ضد روسيا، وتتوجس من تنامي قدرات الصين اقتصاديا، وتوسّع نفوذها ودورها سياسيا، كما تعاني واشنطن من تراجع نفوذها وانعكاس ذلك سلبا على مصالحها في دول غرب آسيا العربية والإسلامية، من شواطئ البحر الأبيض المتوسط غربا إلى شواطئ بحر قزوين شرقا.
كل هذه المخاطر والتحديات، ستنعكس بالضرورة على علاقتها مع «إسرائيل» ما قد يؤدي، على الأرجح، إلى تقليصٍ ولو قليل من تأييدها الأعمى للكيان الصهيوني، ومن تمويلها البالغ السخاء له.
يدرك أطراف محور المقاومة المخاطر والتحديات سابقة الذكر ويتحضُرون لمواجهتها. عسى أن يكونوا مدركين ايضا أن أيّا مَن يكون رئيس حكومة كيان الاحتلال في الحاضر والمستقبل، فإن الجمهور الإسرائيلي، ومن ثم قياداته الفاعلة، يبقى مترعا بمطامع توراتية آمرة ومحفّزة، تجعله معبّأ ومتوثّبا لمتابعة تأجيج الصراع مع العرب وحلفائهم، من أجل تحقيق حلم اليهود الخرافي «ملكك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل».
من أجل تحقيق حلم اليهود الخرافي: «ملكك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل». خلاص العرب والعالم بأن يعتمدوا المقاومة دائما وأبدا في مواجهة الصهيونية وكيانها وحلفائها.
القدس العربي