منذ الأمس، وأنا أتابع التحليلات
المختلفة التي تتناول استراتيجيات
إسرائيل في الصراع مع
حزب الله ودورها في غزة.
أغلب هذه التحليلات تصب في فكرة أن إسرائيل تحاول الضغط على حزب الله لإيقاف دعمه
لغزة، وأن طبيعة العمليات تضغط على الحزب ولكنها تهدف إلى تجنب توسيع نطاق
العمليات إلى حرب إقليمية.
لكنني أختلف جذريا مع هذا الرأي،
وأرى أن إسرائيل تسعى بالفعل إلى توسيع
الحرب إقليميا. السبب؟ ببساطة، هذه هي
الطريقة الوحيدة لجعل الولايات المتحدة تتدخل عسكريا وبقوة، وهو ما أراه هدفا
استراتيجيا وليس مجرد تكتيك.
على عكس الرغبة المتداولة بين
الجمهور العربي الذي يراقب المشهد مطالبا برد قوي وحاسم، فإن حزب الله وحماس،
ومعهما أنصار الله ومن خلفهم إيران، يدركون أن المواجهة الإقليمية المباشرة لن
تكون في مصلحتهم. ميزان القوى مختل بشكل واضح لصالح الولايات المتحدة، ولذلك فإن
محور المقاومة يعتمد على "استراتيجية
الاستنزاف" بدلا من السعي إلى مواجهة
حاسمة.
حزب الله وحماس، ومعهما أنصار الله ومن خلفهم إيران، يدركون أن المواجهة الإقليمية المباشرة لن تكون في مصلحتهم. ميزان القوى مختل بشكل واضح لصالح الولايات المتحدة، ولذلك فإن محور المقاومة يعتمد على "استراتيجية الاستنزاف" بدلا من السعي إلى مواجهة حاسمة
الاستنزاف، كما يثبت التاريخ، ليس
مجرد تكيّف مع ضعف الموارد العسكرية، بل هو وسيلة فعالة لإضعاف العدو على المدى
الطويل، تماما كما حدث في حرب فيتنام. الولايات المتحدة، رغم قوتها العسكرية
الجبارة، تكبدت خسائر فادحة في حرب فيتنام، حيث فقدت حوالي 58 ألف جندي وتكبدت
خسائر مادية هائلة. في النهاية، نجحت فيتنام الشمالية في طرد القوات الأمريكية رغم
الفارق الكبير في القدرات العسكرية.
نفس الفكرة تتكرر هنا؛ إسرائيل تدرك
أن حرب الاستنزاف ليست في مصلحتها. وإذا نظرنا إلى نتائج الصراع المستمر على مدار
السنة، نجد أن كل المؤشرات، خاصة في الجانب السياسي والدعم الدولي، لا تصب في
صالحها، ناهيك عن الوضع الداخلي الإسرائيلي الذي يزداد فرقة وضعفا يوما بعد يوم،
لهذا السبب، تحاول إسرائيل جاهدة دفع الأمور نحو "الحرب الحاسمة" التي
تتطلب تدخل الولايات المتحدة لإنهاء الصراع بشكل نهائي، تذكر ان هذه اطول حرب
تخوضها إسرائيل منذ نشأتها.
على الجانب الآخر، لن يغامر حزب الله
برد عسكري ضخم يجره إلى مواجهة غير متكافئة. ستبقي جبهة الإسناد مفتوحة بنفس
الوتيرة المعتادة، وهو ما يشكل الخيار الأكثر حكمة في هذه المرحلة. هذه
الاستراتيجية تشبه كثيرا ما قام به المجاهدون الأفغان خلال الحرب السوفيتية.
حينها، دعمت قوى غربية المجاهدين ضد الروس بشكل كبير، ليس فقط بالسلاح والتدريب،
بل أيضا بالدعم اللوجستي عبر أراضيها. هذا الإسناد، إلى جانب الاستنزاف طويل
الأمد، أدى في النهاية إلى انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان رغم قوته
الهائلة.
محور المقاومة لا يسعى إلى مواجهة كبرى بل إلى إطالة أمد الصراع، مما سيضعف إسرائيل سياسيا وعسكريا. بالمقابل، تسعى إسرائيل لتجنب هذا المصير بمحاولة توسيع الحرب
لكن، كما نعلم، حروب الاستنزاف ليست
بدون ثمن. الخسائر في صفوف محور المقاومة ستكون كبيرة، سواء من حيث الشهداء أو
تدمير البنية التحتية، وهو ما شهدناه في كل الحروب التي اعتمدت على هذه
الاستراتيجية. من حرب البوسنة التي أدت إلى مقتل أكثر من 100 ألف شخص، إلى حرب
التحرير الفلسطيني المستمرة، يظهر أن الاستنزاف يؤدي إلى تدمير المدن ونزوح
الملايين، لكن على المدى الطويل، تنتهي هذه الحروب بانتصار الشعوب المقاومة على
القوى المحتلة، رغم كل الصعاب.
إذا قرأنا المشهد الحالي من هذا
المنظور، يمكننا أن نفهم أن محور المقاومة لا يسعى إلى مواجهة كبرى بل إلى إطالة
أمد الصراع، مما سيضعف إسرائيل سياسيا وعسكريا. بالمقابل، تسعى إسرائيل لتجنب هذا
المصير بمحاولة توسيع الحرب. لهذا يجب على القوى الحية في الأمة أن تدرك أن تقديم
الإسناد بكافة جوانبه منها من إمدادات وعتاد، هو الحل الأمثل لدعم محور المقاومة،
دون السعي إلى مواجهة غير محسوبة.