أكد مسؤولون أمريكيون مرارا وتكرارا أنهم لا يريدون رؤية حرب أوسع نطاقا تنفجر عبر الحدود الشمالية لـ"
إسرائيل" مع
لبنان، بينما تكاد الحرب تكمل عامها الأول فإن تل أبيب ليست لديها استراتيجية للسلام.
وجاء في مقال للصحفي إيشان ثارور نشره عبر صحيفة "
واشنطن بوست" أنه "لأشهر كانت النغمة هي نفسها، فحتى مع دعمهم لإسرائيل إلى أقصى حد، أكد المسؤولون الأمريكيون أنهم لا يريدون حربا بين إسرائيل وحزب الله، بينما أشار قادة
حزب الله إلى أنهم أيضا ليس لديهم رغبة كبيرة في صراع كامل".
وأكد المقال أنه "في إسرائيل، كان كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في دولة تخوض بالفعل حملة دامية شاملة ضد حماس في
غزة يتناوشون حول ما ينبغي القيام به إزاء التهديد الذي يشكله حزب الله ـ ربما لأنهم أدركوا أن أقوى جيش في الشرق الأوسط ربما يكون مرهقا للغاية في حرب ضخمة أخرى".
وأضاف أنه "ربما تتلاشى كل أشكال ضبط النفس التي مارسوها. فقد أدت سلسلة الانفجارات القاتلة المذهلة التي وقعت في لبنان هذا الأسبوع إلى ظهور واقع جديد. فقد قتل ما لا يقل عن 37 شخصا ـ بما في ذلك عدد قليل من الأطفال ـ وأصيب نحو 3000 آخرين عندما انفجرت أجهزة النداء واللاسلكي وأجهزة أخرى في وقت واحد يومي الثلاثاء والأربعاء في مختلف أنحاء البلاد".
وأوضح: "يبدو أن الأجهزة كانت تابعة لأعضاء حزب الله، رغم أن المنظمة الضخمة منتشرة في مختلف أنحاء المجتمع اللبناني وتضم شبكات واسعة من غير المقاتلين، بما في ذلك المهنيون الطبيون".
وذكر أن المسؤولين الإسرائيليين لم يعلنوا مسؤوليتهم علنا عن الهجمات، ولكنهم أكدوا في لقاءات خاصة ضلوعهم فيها مع محاوريهم في واشنطن.
وبين أن "تعقيد الضربة يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الحرب السيبرانية، وضعف سلاسل توريد التكنولوجيا والأخلاقيات وراء مثل هذه العمليات. وقد اتهم العديد من خبراء القانون الدولي، بما في ذلك لجنة تابعة للأمم المتحدة، إسرائيل بانتهاك القانون الدولي وتنفيذ شكل من أشكال الإرهاب، بغض النظر عن كونها محاولة لإضعاف منظمة إرهابية معروفة".
بالنسبة لحزب الله، كانت العملية كارثية. حيث نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقارير يوم الخميس جاء فيها: "وجهت الهجمات ضربة شديدة لحزب الله، ومثلت خرقا محرجا لسلاسل توريده، وأظهرت قدرة إسرائيل على الضرب في عمق الجماعة المسلحة. أدانتها الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط باعتبارها انتهاكا خطيرا لسيادة لبنان، وناشدت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والدول الغربية الهدوء حيث بدت المنطقة، مرة أخرى، على شفا حرب واسعة النطاق".
ويقول كاتب المقال ثارور إن "الصراع المنخفض المستوى اشتعل بين حزب الله وإسرائيل لعدة أشهر منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما شنت حماس الفلسطينية المسلحة هجومها القاتل على جنوب إسرائيل، مما أدى إلى اندلاع الحرب المدمرة المستمرة في غزة".
في رد فعل على القصف الإسرائيلي المدمر للفلسطينيين، أطلق حزب الله صواريخ على شمال إسرائيل، مما أجبر عشرات الآلاف من الإسرائيليين على الفرار من منازلهم. واستمرت الغارات الجوية الإسرائيلية وإطلاق صواريخ حزب الله بشكل مستمر تقريبا، مما أدى إلى مقتل وإصابة العديد على جانبي الحدود. وفي الأيام الأخيرة، جعلت القيادة الإسرائيلية عودة سكانها النازحين إلى مجتمعاتهم في الشمال هدفا معلنا للحرب.
وفي يوم الأربعاء، قال وزير الحرب يوآف غالانت إن الحرب ضد حزب الله دخلت "مرحلة جديدة" وأن إسرائيل ستركز المزيد من جهودها ضد الجماعة. وقال غالانت لأفراد القوات الجوية الإسرائيلية في قاعدة جوية: "إن مركز الثقل يتحرك شمالا. نحن نحول القوات والموارد والطاقة نحو الشمال".
وبحلول اليوم التالي، ضربت عشرات الغارات الجوية الإسرائيلية أهدافا مزعومة لحزب الله في جنوب لبنان. وفي غضون ذلك، ألقى زعيم الجماعة حسن نصر الله خطابا وصف فيه الهجمات المتفجرة السرية بأنها "عمل حرب" من قبل إسرائيل و"هجوم كبير على لبنان وأمنه وسيادته وجريمة حرب".
ورغم أن هجمات أجهزة النداء "بيجر" تمثل انتصارا تكتيكيا دراماتيكيا للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فليس من الواضح ما هي الأهداف الاستراتيجية التي تحققها، فحزب الله يترنح ويعاني من حالة من الفوضى، ولكن ربما تكون إسرائيل قد نفذت الهجوم لأن الجماعة اللبنانية كانت على وشك اكتشاف أن تكنولوجيتها قد تعرضت للخطر، بحسب المقال.
وقال مسؤول إسرائيلي سابق كبير مطلع على العملية: "إن التوقيت لا يعكس تحركا استراتيجيا من جانب إسرائيل. لقد كان التوقيت مصادفة بسبب أشياء ربما حدثت على الأرض والتي كانت لتسمح بكشف هذه القدرة".
كما يمكن القول إن هذا من شأنه أن يقيد المنطقة في سلسلة تصعيدية حتمية. وقال مسؤول أمني مقيم في الشرق الأوسط: "حتى لو كانوا يحاولون إرسال رسالة، فلماذا الآن؟ سيكون هناك رد فعل من جانب حزب الله. لماذا تفعل هذا إذا كنت مهتما حقا بمنع حرب أوسع نطاقا؟".
وكان بعض صناع القرار السياسي الإسرائيليين والغربيين يأملون في فصل الصراع مع حماس عن التوترات مع حزب الله. ولكن مسار الأحداث الحالي يجعل هذا الأمر أكثر صعوبة.
وجاء في المقال أن "إسرائيل على استعداد لشن المزيد من العنف على حزب الله على أمل إجباره على وقف إطلاق النار عبر الحدود"، هذا ما قاله للكاتب، فراس مقصد، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط: "ومع ذلك، لا يمكن لحزب الله أن يستسلم دون تقويض "وحدة الساحات" التي أعلنها هو وإيران بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وبالتالي، أصبح توسيع نطاق الحرب أمرا لا مفر منه".
بالنسبة لإسرائيل، فإن الكثير من المداولات حول ما يجب القيام به يتوقف على حسابات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن الحفاظ على السلطة.
لقد استرضى الزعيم اليميني ائتلافه اليميني المتطرف خلال مراحل مختلفة من الحرب، على الرغم من أن بعض المحللين يشيرون إلى أنه ربما كان يفضل خفض التصعيد على طول الحدود الشمالية في مرحلة ما. قالت غاييل تالشير، أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية: "لا يتعلق الأمر بما يريده نتنياهو، بل يتعلق بمن لديه النفوذ لجر نتنياهو إلى فعل ما يريدونه. ويريد أنصاره الأكثر تطرفا أن يكون لإسرائيل احتلال عسكري لغزة ومنطقة أمنية في الجزء الجنوبي من لبنان".
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، التقى نتنياهو بمستشار البيت الأبيض آموس هوكشتاين، الذي كان في إسرائيل جزئيا لحث إسرائيل على ضبط النفس بشأن لبنان. وقال نتنياهو لهوكشتاين، وفقا لبيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء: "بينما تقدر إسرائيل وتحترم دعم الولايات المتحدة، فإنها ستفعل في النهاية ما هو ضروري لحماية أمنها".
من ناحية أخرى، نشرت صحيفة "
إندبندنت" مقالا للمديرة التنفيذية للمؤسسة البحثية "تشاتام هاوس" في لندن، برونوين مادوكس، قالت فيه إنه "مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لهجمات حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر والرد الانتقامي ضد غزة فإن إسرائيل ليست لديها استراتيجية للسلام".
وأكدت مادوكس أن "هجمات البيجر الأخيرة ضد حزب الله تثبت هذا الأمر، فقد تم تفجير أجهزة النداء/بيجر التي يستخدمها مقاتلو حزب الله في لبنان وسوريا مرة واحدة في 17 أيلول/سبتمبر مخلفة 12 قتيلا و3,000 جريح. وفي اليوم التالي تم تفجير أجهزة اللاسلكي (ووكي توكي) مما أدى لمقتل 20 شخصا وجرح 400 على الأقل، وافترض أن كلا الحادثين من تنفيذ إسرائيل".
وعلقت أن حجم الهجمات وطبيعتها الاستعراضية يمكن النظر إليها بأنها محاولة من الجيش والاستخبارات الإسرائيلية لإصلاح سمعتها التي أصبحت في حالة يرثى لها بعد هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وربما كان هذا الهجوم محاولة من إسرائيل لمعالجة مشكلتها على حدود الشمال، فـ "في زيارتي للمنطقة هذا الأسبوع، رأيت آثار تبادل الهجمات الصاروخية والقذائفية المتواصلة، والتي أدت إلى إجلاء 60 شخصا من البلدات الإسرائيلية. وبحسب التقارير، فقد تم إخلاء قرى لبنانية أيضا نتيجة للقتال".
وربما كانت الهجمات بمثابة إشارة لحزب الله وداعمته إيران للتراجع عن الهجمات شبه اليومية، مع أن العملية الأخيرة لن تمكن الحكومة الإسرائيلية من إعادة السكان إلى منازلهم. بل على العكس من ذلك، فإن الهجمات تهدد بتصعيد الصراع المتزايد على الحدود الشمالية وتحويله إلى حرب إقليمية عملت الولايات المتحدة والعديد من جيران إسرائيل جاهدة من أجل تجنبها.
قالت إنها زارت يوم الإثنين، وقبل يوم من هجمات بيجر كريات شمونا قرب الحدود اللبنانية التي كانت شبه فارغة، مضيفة أن "هذه المنطقة التي تشبه شكل المربع في إسرائيل الذي تحدها التلال اللبنانية والمنحدرات العارية لمرتفعات الجولان لم تكن المنطقة الأكثر ازدهارا في إسرائيل بسبب الأعمال العدائية، فالطرق لدمشق وبيروت مغلقة منذ وقت طويل. ومع ذلك، فهي منطقة تنتشر فيها المزارع الصغيرة للفواكه والماشية والسياحة الهادئة حول الجليل إلى الجنوب منها. وقد تحولت اليوم إلى مدينة أشباح حيث تم إجلاء سكانها إلى مناطق مختلفة من إسرائيل".
ويحاول رئيس بلديتها توفير ما يكفي من الأمن لمنع نهب المحلات التجارية والبيوت والشقق المهجورة والشركات التجارية. وتظهر آثار الحرائق في الغابات بالمنطقة نتيجة الهجمات الصاروخية أو تلك التي اعترضتها القبة الحديدية. ولأن عدد السكان بات قليلا فقد بات المسؤولون عن تشغيل القبة يمنحون الأولوية لحماية مناطق أخرى في إسرائيل، نظرا لأن كلفة الصاروخ المعترض تصل إلى 100,000 دولار. ويخشى السكان الذين بقوا في المنطقة من غزو يقوم به حزب الله وليس الهجمات الصاروخية.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر قلت ثقة السكان بقدرة الجيش الإسرائيلي والاستخبارات على حمايتهم، في وقت تتزايد فيه احتمالات عدم عودتهم إلى مناطقهم. ويعلل القادة العسكريون أنفسهم بالأماني من أجل شن هجوم سريع يفضي لتقوية الحدود وتعزيز الأمن. ويتفق المحللون على أنه من الصعب أن نرى كيف يمكن للسكان استعادة الثقة في غياب مثل هذا الإجراء. وأي تحرك عسكري من شأنه أن يزيد من تصعيد الصراع، مع إيران ووكيلها حزب الله اللبناني.
وهذا على وجه التحديد ما لا تريد الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل الآخرون رؤيته. وتقول مادوكس إن حزب الله وحلفاءه قد ينتقمون للهجمات الأخيرة، لكن شكل الانتقام ليس واضحا، حيث يعمل حزب الله مع إيران بشكل أوثق من حماس، وسترشد طهران أي عملية انتقامية له.
وأضافت مادوكس: "هناك الحوثيون، وكلاء إيران في اليمن الذين حققوا نجاحا ملموسا في عرقلة حركة الملاحة البحرية عبر قناة السويس والبحر الأحمر وضربوا إسرائيل مرتين، مع أن الإشارات كلها تشير إلى عدم رغبة إيران بالدخول والمشاركة في نزاع واسع لا تستطيع التحكم به وسيشغل الرئيس الجديد عن جهوده للحصول على اتفاق يخفف العقوبات عن بلاده".
وأوضحت: "سيمر عام على هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر ولم تستطع إسرائيل حل واحدة من أعظم الأزمات في تاريخها. فقد أدت حربها ضد حماس في غزة إلى مقتل أكثر من 40,000 فلسطيني حسب وزارة الصحة في غزة وأثارت انتقادات دولية واسعة. وهناك أكثر من 100 أسير لا يزالون في غزة مع أن هناك الكثيرين ماتوا على ما يعتقد بشكل واسع".
وأشارت إلى أنه "في زيارتي لإسرائيل هذا الأسبوع، كان من المذهل أن أرى حالة الانقسام المريرة في الرأي العام ــ بين أولئك الذين يريدون إعادة الأسرى إلى عائلاتهم كأولوية وأولئك الذين يفضلون ملاحقة حماس حتى على حساب حياة الأسرى". وألمحت إلى تصاعد العنف في الضفة الغربية، بما في ذلك عنف المستوطنين وأدى لمقتل أكثر من 600 فلسطيني منذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وفي الوقت نفسه، تتعرض إسرائيل لضغوط دولية متزايدة بسبب أفعالها في غزة. و"بعد الاجتماع والتحدث مع الإسرائيليين والفلسطينيين هذا الأسبوع، يبدو السلام بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى".
وختمت: "يظل المسار المحتمل للعلاقات الإقليمية الأكثر استقرارا، من خلال التطبيع مع السعودية والعلاقات الدبلوماسية القائمة مع خمس دول عربية، بعيد المنال في حين يستمر القتال في غزة". ومع اقتراب الذكرى السنوية لهجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تفتقر إسرائيل إلى استراتيجية للسلام.