قال الخبير العسكري في صحيفة "
يسرائيل هيوم" يوآف ليمور، إن المحاولة
الإسرائيلية لإخراج
حزب الله اللبناني عن التوازن بهدف تغيير الواقع في الشمال توقع وتتسبب في "ضربات قاسية" للمنظمة في الأيام الأخيرة، لكنها لم تؤد بعد إلى الانعطافة الاستراتيجية المرجوة.
وأكد ليمور أنه "رغم الضربة التي تلقاها حزب الله فإنه متمسك بسياسته ويبقي المعضلة متعلقة بمدى شدة التصعيد في العمليات من الجانب الإسرائيلي، وذلك في ظل خطر دائم للتدهور إلى معركة شاملة لا يزال الطرفان يسعيان للامتناع عنها".
وأضاف أن "تصفية إبراهيم عقيل تأتي استمرارا لهجمة أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال المنسوبة لإسرائيل، وتدل على قدرة استخبارية وعملياتية مبهرة وعلى استعداد إسرائيلي لأخذ مخاطر كبيرة بمجرد الهجوم في بيروت".
وذكر أنه في "المرة الأخيرة التي هاجمت فيها إسرائيل العاصمة اللبنانية، في يوليو/ تموز الماضي، في تصفية فؤاد شكر الذي كان الشخصية العسكرية الأعلى في المنظمة، فإنها كانت ردا على قتل 12 طفلا في مجدل شمس وليس كجزء من تغيير السياسة كما يجري الآن".
واعتبر أنه من الواضح أن "إسرائيل ترفع عن قصد الرهان إزاء حزب الله وتسعى إلى حشره في الزاوية كي يصل إلى اتفاق يسمح بإبعاد رجاله عن الحدود وإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم، وهذا خط كفاحي يختلف جوهريا عن الطريقة المنضبطة والحذرة التي اتبعتها إسرائيل حتى الآن وتنطوي على فضائل ونواقص على حد سواء".
واعتبر لخبير العسكري "فضائل هذه الطريقة البارزة هي استعادة إسرائيل للمبادرة، في إلغاء سياسة المعادلات في الشمال للمناطق وطرق العمل المحددة والمحصورة وفي نزع ذخائر ذات مغزى من أيدي حزب الله، أما نواقصها فهي في إضاعة أوراق كان يفترض أن تستخدمها إسرائيل في الحرب، وأساسا في إمكانية أن تحشر المنظمة في الزاوية وتبدأ حربا شاملة تكون أثمانها جسيمة في الجانب الإسرائيلي أيضا".
وقال: "يبدو أن نصر الله في هذه الأثناء يمتنع عن ذلك.. والإحساس السريع هو رؤية عدم الرد الفوري من جانبه علامة ضعف، لكن يمكن تفسير الأمور بشكل مختلف أيضا، فبينما تبحث إسرائيل عن نتائج هنا والآن كي تغير الواقع في الشمال، فمن المريح لحزب الله بالذات أن يُبقي الواقع كما هو، بمعنى أن يحتمل ثمن الضربة القاسية بالرجال وبالممتلكات والتي تفسر لديه كضرر تكتيكي أليم لكن محتمل على أن يبقي الإنجاز الاستراتيجي المتمثل بـ"احتلال" الجليل الذي يعد من ناحية إسرائيل أمرا لا يطاق".
وذكر أن "نصرالله كان قد قال هذا بطريقته في الخطاب الذي ألقاه يوم الجمعة وأوضح فيه أن الحزب سيواصل العمل على إسناد
غزة، أي أن المحاولة الإسرائيلية لفصل الساحات لن تنجح. وحتى الهجمات المكثفة التي تلقاها الجليل في أثناء السبت كانت محاولة واضحة لإظهار أن أعمال إسرائيل الأخيرة لم تحرف حزب الله عن طريقه. ومع ذلك فقد قرر نصر الله أن يرفع قليلا مبلغ الرهان من جانبه أيضا، حين استعدت منظمته لتوسيع النار إلى منطقة حيفا والخليج – ما أدى أمس إلى تغيير في تعليمات الدفاع لسكان المنطقة".
وأضاف أنه "بذلك، ومع أنه يوجد في حالة دفاع واضحة في الأيام الأخيرة على خلفية الضربات التي تلقاها، فإن حزب الله يبقى صاحب اليد العليا، وإسرائيل مطالبة بأن تقرر كيف ستعمل لاحقا، وذلك بينما في الخلفية معركة لا تزال تجري في غزة وعمليات مكثفة في الضفة، وبينما تمارس عليها ضغوط دولية شديدة – وأساسا من جانب الولايات المتحدة وفرنسا – للامتناع عن التصعيد في الشمال".
اتفاق أو تصعيد
قال الخبير العسكري ليمور: "يُخيل أن التهديد الأكثر فاعلية الذي يمكن لإسرائيل أن تستخدمه الآن هو اجتياح بري لجنوب لبنان ينزع من حزب الله لقبه الأغلى، "درع لبنان".. صحيح أن الجيش الإسرائيلي ألمح في الأيام الأخيرة في سلسلة منشورات رسمية إلى أن الاستعدادات للمعركة البرية استكملت لكن المعضلة هنا واضحة على خلفية أثمان الحرب (التي استعد حزب الله لها على مدى سنين في ظل تحصين المجال القروي في شمالي الحدود)، والتخوف من الشتاء المقترب وبالطبع الإمكانية الواقعية في أن عملية برية ستخرج حزب الله عن التوازن وتؤدي إلى معركة شاملة، ترتبط بها إيران والمليشيات التي تعمل بتكليف منها في سوريا، في العراق وفي اليمن أيضا".
وأضاف أنه "في قيادة المنطقة الشمالية يدفعون منذ بضعة أشهر لمثل هذه الخطوة، التي كبحها حتى الآن المستوى السياسي، ويُخيل أن إسرائيل لا تزال تمارس أعمالا مضادة لا تتضمن أرجلا واضحة على الأرض، أي أنها ستواصل محاولات نزع ذخائر ذات مغزى بالرجال وبالسلاح من حزب الله".
وحذر من أنه من "المحظور الاستخفاف بهذه الضربات التي وزنها ثقيل في منظمة مركزية جدا كحزب الله. فقد تولى عقيل منصبه الحالي نحو 20 سنة وشكل بؤرة معرفة ذات مغزى والأنبوب الذي عبره فعّل حزب الله نشاطه العملياتي، ولا بد أن تصفيته تصعب الأمور على المنظمة في سياقات التخطيط والتنفيذ للعمليات بل وتنزع من نصر الله مستشارا قريبا ومخلصا، لكن هذه ليست خطوة محطمة للتوازن".
واعتبر أنه "من المسلي أن نفكر بنصر الله المغرور والواثق بنفسه ينظر حوله بقلق على خلفية هجمة البيجر التي أحرقت أيضا محيطه القريب وعلى خلفية تصفية كبار رجالات منظمته، ومن المعقول أنه يفحص الآن كل شيء وكل شخص بتخوف وباشتباه وذلك أيضا بقلق عن ما ستكون الخطوة الإسرائيلية التالية، وانطلاقا أيضا من نظرة أنانية إلى نفسه كمن هو كفيل بأن يتعرض في وقت ما إلى هجمة مشابهة، وأفضل خبراء علم النفس في الموساد وشعبة الاستخبارات ينشغلون الآن في تحليل تأثير هذه الأحداث عليه في محاولة للفهم إذا كانت ستشجعه على الاتفاق أو التصعيد".
العودة للاهتمام بالأمر الأساسي
وذكر ليمور أن في هوامش هذه الأمور، ثلاث ملاحظات واجبة: "الأولى هي عن طريقة اتخاذ القرارات، فالخطوات الأخيرة لإسرائيل، الكفيلة بأن تؤدي إلى حرب شاملة تستوجب منظومة اتخاذ قرارات أوسع في القيادة السياسية من منظومة الثنائي نتنياهو – غالانت (مع ضم رون ديرمر وبشكل جزئي إسرائيل كاتس). وبحسب القانون، فإن المخول في أن يأمر بشن الحرب هي الحكومة، التي حرمت من صلاحياتها ومن مسؤوليتها أيضا".
وأضاف أن "الملاحظة الثانية هي عن وزير الدفاع، ومدهش التفكير بأنه في الأسبوع الماضي فقط كان نتنياهو يوشك على أن يأمر بإقالة غالانت كي يعين محله جدعون ساعر في خلطة سياسية، والمدهش أكثر التفكير أنه من ناحية نتنياهو فإن التنحية والتعيين لا يزالان على جدول الأعمال في نهاية الأسبوع، وخيرا فعل ساعر حين صفى أمس الفكرة وخيرا تفعل إسرائيل الآن إذا ما عادت للاهتمام بالأمر الأساس – الحرب ضد حزب الله – وليس بالخلطات السياسية وبالمناورات النتنة".
وختم بأن "الملاحظة الثالثة هي عن المخطوفين، 101 إسرائيلي أحياء وأموات لا يزالون محتجزين في غزة، دون حل في الأفق، ودخول الولايات المتحدة إلى المصف الأخير في السباق المتلاصق للانتخابات يقلص بشكل طبيعي مدى انتباه الإدارة إلى العمل على صفقة، في حين أن مصر وقطر أيضا تجران الأرجل إحباطا أو يأسا – إسرائيل بقيت وحدها بدون جواب على التحدي الأهم الذي تقف أمامه: كيف تعيد المخطوفين إلى الديار؟".