"بّا الكار دّاه الواد، بّا أجي عتقنا/ أبي الحافلة جرفتها المياه، تعال لإنقاذنا" هذه الجُملة هي آخر ما سمعه علي شاروخ، والد الشابة سلمى (قرابة 20 سنة)، قبل أن تنقطع المكالمة الهاتفية، ويُفقد التواصل؛ مرّت أكثر من 24 ساعة، ولا تزال سلمى في عداد المفقودين.
الشابة
المغربية، فُقدت رفقة 10 أشخاص آخرين، جرّاء انجراف حافلة للنقل بركابها، بإقليم
طاطا (جنوب المغرب)، الذي يعيش في ظروف جوّية قاسية، وبات الأمر يوصف بكونه: "حصار مائي"، حيث سيول أمطار وضعت حمولة الوديان في نسب تصفها الساكنة بـ"غير المسبوقة".
وخلّفت حافلة الركاب، التي انجرفت بفعل السيول على مستوى "واد طاطا"، حسب حصيلة مؤقتة رسمية، مصرع شخصين، فيما تم إنقاذ 13 آخرين، وتسجيل 14 من الركاب في عداد المفقودين إلى حد الساعة.
أكثر من 24 ساعة.. ما الذي يحصل في طاطا؟
تواصلت "عربي21" مع عدد من سكّان المدينة المغربية، طاطا، ممّن تحدّثوا عن ما يعيشونه من مأساة؛ بين متأمّل لإيجاد مفقود له في الفيضانات، على قيد الحياة، وبين من يشتكي فقدان كافة ممتلكاته، وتهدّم منزله، ناهيك عن مشاكل مُرتبطة بالعزلة وانقطاع الماء والكهرباء.
بينهم، خالد أسحنون، وهو خال شابة لا تزال في عداد المفقودين، من ركّاب الحافلة التي جرفتها الفيضانات، يقول في حديثه لـ"عربي21": "بعد ما يزيد على 24 ساعة من انجراف الحافلة، اليوم أخيرا وصلت إلى عين المكان، القوات المساعدة، رفقة الكلاب المدرّبة للبحث عن الضحايا"، معبّرا عن استيائه من بطء عملية الإنقاذ، والتقصّي بخصوص أحوال المفقودين.
ويضيف: "ابنة أختي، إجّة كانت رفقة الشابة سلمى، كانوا في مدينة كلميم لأداء سومة الكراء، إلى أن وقعت الواقعة، في رحلة رجوعهم على متن الحافلة إلى طاطا"؛ الشّابتين يدرسن في السنة الثانية جامعة، لا يزال مصيرهم مجهولا، فيما يتم البحث عنهم، على مدار يومين، رفقة باقي المفقودين.
وبحسب عدّة مصادر لـ"عربي21" من عين المكان، فإن الجهود مُتواصلة، من أجل العثور على المفقودين وإعادة تشغيل شبكات الربط الطرقي وشبكات الخدمات بالإقليم؛ غير أن هذه الجهود، لا تزال غير كافية، بحسب الأهالي أنفسهم.
إلى ذلك، يشتكي عدد من السكّان في حديثهم لـ"عربي21" من "قلّة المساعدات المتحصّل عليها" فيما يصف آخرين التعّاطي مع "الكارثة الطبيعية التي يقاومونها"، بـ"الإهمال، أو التهاون في إيجاد حلول سريعة وناجعة تقيهم المخاطر المُتصاعدة، التي لا تزال تهددهم".
نشرة إنذارية.. ولكن؟
رغم إعلان مُسبق من وزارة الداخلية، للمواطنين، بكافة أقاليم المملكة المعنية بالاضطرابات الجوية، موضوع النشرات الإنذارية الصادرة عن المديرية العامة للأرصاد الجوية، توخّي الحيطة والحذر، خاصة المتواجدين محاذاة المجاري المائية والشعاب، إلا أنّه بحسب أحاديث الساكنة لـ"عربي21" النّاس لم تعرف ما الذي يتوجّب عليها القيام به للحفاظ على سلامتها.
وكانت وزارة الداخلية، عبر بلاغ، أهابت للمواطنين بـ"عدم المغامرة بالمرور بالمقاطع القابلة للغمر أثناء ارتفاع منسوب الأودية، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي كل خطر سواء على النفس أو على الغير، وتجنب المجازفة بتصرفات غير محسوبة العواقب، والتجاوب الإيجابي مع توجيهات وتعليمات السلطات العمومية وفرق التدخل، قصد ضمان سلامتهم".
ويقول عدد من سكان طاطا، في أحاديث هاتفية، مع "عربي21" إن: "منسوب الخوف لدى سكان المنطقة، مرتفع جدا، لكن ما الذي بإمكانهم فعله؟، جرّاء العزلة التي يعيشونها، إذ أن الطرق للقرى الآمنة، مقطوعة، ومن يغامر بالركوب في وسائل النقل، يُصبح مصيره شبيها بالحافلة التي جرفتها السيول".
وأردف المتحدثين لـ"عربي21": "وحدها السلطات المختصة من بإمكانها معرفة طرق الحفاظ على السلامة، وإجلاء السكان، للحفاظ على حياتهم، ولكن الأمور بطيئة جدا".
وكانت التساقطات الرعدية الاستثنائية، في المغرب، قد سجّلت ارتفاعا لمنسوب العديد من المجاري المائية بنسب غير مسبوقة، حيث بلغت حمولة "وادي طاطا" فقط أكثر من 2300 متر مكعب في الثانية، كما بلغ وادي زكيد 1900 متر مكعب في الثانية، وذلك عقب سنوات من الجفاف؛ لكن المياه أتت مصحوبة بخسائر لا تُعدّ.
"أنقذوا طاطا"
على مواقع التواصل الاجتماعي، في المغرب، منشورات وتغريدات متسارعة، تتفاعل مع أحداث طاطا، من خلال تداول جُملة من الصور ومقاطع الفيديو، التي تكشف الوضع السيئ الذي تعيشه المنطقة، والخطورة التي تلاحق سكّانها؛ وذلك من خلال استخدام وسم: "أنقذوا طاطا".
ورصدت "عربي21" عدّة صور ومقاطع فيديو، توثّق بالصوت والصورة، ما بات يوصف بـ"الأحداث العصيبة التي تعيشها المنطقة"؛ فيما يرافق عدّة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في المغرب، ما ينشرونه بتعبيرات تبيّن منسوب الغضب لديهم من البنية التحتية.
انهيار كلي أو جزئي لبعض المنازل، وانهيار كلي أو جزئي لعدّة منشآت فنية بالإقليم، وتضرّر عدة مقاطع طرقية.. منشورات كثيرة، توثّق لخسائر بالجُملة، في طاطا، والنواحي، يتسارع تداولها، فيما لا يزال الأهالي القابعين في قلب المناطق المتضررة، يمسّهم الخوف على مصيرهم، ولا يزال أهالي المفقودين متأملين في العثور على ذويهم.
وفي خضمّ دفاعها عن المال العام في المغرب، طالبت عدّة جهات حقوقية ومدنية، بضرورة "فتح تحقيق عاجل من طرف القضاء"، في إشارة إلى "الأضرار الجسيمة والخسائر المادية الكبيرة التي لحقت بالطرق ومرافق بسبب الفيضانات"، مستفسرة: "من هي المكاتب المشرفة على هذه المشاريع التي يمكن أن تنكشف عيوبها بهذه السرعة؟".
وتأتي هذه الفيضانات عقب عام من الزلزال العنيف الذي هزّ المناطق ذاتها؛ فيما حذّرت المديرية العامة للأرصاد الجوية في المغرب (مؤسسة حكومية) من أمطار رعدية قوية، الأربعاء والخميس، في عدد من مناطق المملكة.
وفي آب/ أغسطس الماضي، ضربت فيضانات وسيول عددا من المناطق المغربية، في مدينة ورزازات (جنوبا) بعدما تسبّبت التساقطات المطرية الغزيرة في حدوث سيول قويّة، أدت إلى تسجيل جُملة خسائر، تصفها السّاكنة بـ"المهولة بين المادّي والبشري".