نشر موقع "
ستراتفور" الأمريكي، تقريرًا، سلّط خلاله الضوء على التحدّيات الاقتصادية التي تواجه الحكومة
المصرية، في ظل ضرورة تنفيذ إصلاحات تدريجية، تتماشى مع توجيهات
صندوق النقد الدولي، على غرار تقليص الاستثمار العام وتقليل الدعم.
وقال الموقع، عبر التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن "مصر سوف تلتزم إلى حد كبير بإصلاحات صندوق النقد الدولي لضبط أوضاع المالية العامة، من خلال خفض الاستثمارات العامة، وتقليص الدعم وتوسيع قاعدتها الضريبية. لكن القاهرة ستنفذ هذه الإصلاحات بشكل تدريجي لتقليل احتمال اندلاع الاضطرابات الداخلية".
وأشار التقرير نفسه، إلى أن "القاهرة تُنفّذ هذه الإصلاحات كجزء من اتفاق التمويل الموسّع الذي أبرمته مع صندوق النقد الدولي في آذار/ مارس 2024، بهدف تأمين دفعات إضافية من قرض بقيمة 8 مليارات دولار".
وتابع: "في تموز/ يوليو الماضي، أجرت مصر المراجعة الثالثة النّاجحة لقرضها في إطار برنامج صندوق النقد الدولي، وبعد ذلك صرف الصندوق 820 مليون دولار إضافية".
"في ذلك الوقت، أشاد صندوق النقد بالتقدم الذي أحرزته مصر، ولكنه حثّ القاهرة على إجراء تحسينات نحو ضبط أوضاع المالية العامة من خلال زيادة الإيرادات الضريبية، وإلغاء الدعم عن الوقود بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2025، وزيادة الاستثمار الخاص" أوضح التقرير نفسه.
وأبرز أنه "إذا أكملت مصر المراجعة الرابعة بنجاح، التي من المرجح إجراؤها في تشرين الأول/ أكتوبر، فمن المرجح أن يصرف صندوق النقد الدولي دفعةً أخرى بقيمة 1.3 مليار دولار للقاهرة".
وكانت مصر قد وقّعت اتفاقية قرض بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في كانون الأول/ديسمبر 2022، عندما كانت تعاني أزمة في ميزان المدفوعات، ترجع جزئيًا إلى زيادة تكلفة الواردات الغذائية العالمية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي آذار/ مارس 2024، وافق صندوق النقد الدولي على قرض موسّع بقيمة 8 مليارات دولار بسبب الصدمة الخارجية والآثار غير المباشرة للحرب التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على كامل قطاع غزة.
في حزيران/ يونيو الماضي، خفّضت الحكومة المصرية دعم الخبز، للمرة الأولى منذ عقود، ما أدّى إلى زيادة تكلفة الخبز المدعّم بنسبة 300 في المئة. وفي أواخر تموز/ يوليو الماضي، رفعت في أسعار البنزين والسولار لتضييق الفجوة بين أسعار الوقود المحلية والأسواق العالمية. وفي آب/ أغسطس الماضي، أقرّت الحكومة زيادةً في تعريفة ركوب المترو والقطارات بنسبة 15 في المئة، وكذلك أسعار الكهرباء للمنازل والشركات بنسبة تصل إلى 50 في المئة، بحسب الاستخدام.
وبحسب التقرير ذاته، فإنه تباين حجم عجز الموازنة في مصر في السنوات الأخيرة: ففي السنة المالية 2022/23، بلغت نسبة عجز الموازنة في مصر 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن هذه النسبة انخفضت خلال السنة المالية 2023/24 ليتراجع عجز الموازنة إلى حوالي 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، فإن من المتوقّع أن يرتفع عجز الموازنة في البلاد إلى 7.2 في المئة خلال السنة المالية 2024/25. فيما أشار الموقع إلى أنه "رغم تحسن الآفاق الاقتصادية في مصر منذ قرض صندوق النقد الدولي الموسع في آذار/ مارس الماضي، إلا أن أزمة غلاء المعيشة تفاقمت بالنسبة للكثير من المصريين في ظل تخفيضات الدعم الحكومي وغيرها من الإصلاحات".
وتابع: "في المقابل، ساهمت مواءمة القاهرة سياساتها مع برنامج صندوق النقد الدولي وتنفيذها للعديد من الإصلاحات الهيكلية إلى تحسين استقرار الاقتصاد الكلي في البلاد في الأشهر الأخيرة، مما ساعد بدوره إلى زيادة ثقة المستثمرين في البلاد".
كذلك، "وصلت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي أيضًا إلى مستوى قياسي بلغ 46.2 مليار دولار نتيجة اتفاق القاهرة الموسع مع صندوق النقد الدولي، إلى جانب اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي بقيمة 8 مليارات دولار وصفقة استثمارية بقيمة 35 مليار دولار مع صندوق سيادي إماراتي" وفقا للمصدر نفسه.
ووفقا للموقع، كان معدل التضخم بمصر في انخفاض مطرد منذ أن وصل إلى نسبة 38 في المئة في أيلول/ سبتمبر 2023، حيث بلغ معدل التضخم السنوي 25.7 في المئة في تموز/ يوليو الماضي. ولكن هذا التحسن الطفيف في التضخم بالنسبة للكثير من المصريين تقابله تخفيضات في الدعم وتعويم العملة لتأمين المزيد من قروض صندوق النقد الدولي، وهي إجراءات أثّرت على أكثر من نصف المصريين الذين يتلقون الدعم الحكومي وما يقارب ثلث المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر.
وفي آذار/ مارس الماضي، قام البنك المركزي بتخفيض قيمة الجنيه المصري للمرة الرابعة منذ آذار/ مارس 2022، وهو ما كان شرطًا أساسيًا للاتفاق الموسع مع صندوق النقد الدولي الذي حصلت عليه مصر بعد ذلك بوقت قصير، وقد أدى ذلك إلى انخفاض قيمة العملة المحلية بنسبة 40 في المئة تقريبًا، وهو ما تسبب بدوره إلى تآكل القوة الشرائية للعديد من المصريين.
إلى ذلك، بدأت الحكومة المصرية في خفض الدعم على السلع الأساسية مثل الوقود والخبز، مما أدى إلى زيادة تكاليف المعيشة في بلد يكافح فيه الكثير من الناس بالفعل من أجل تغطية نفقاتهم.
وذكر الموقع أن مصر وقّعت في آذار/ مارس الماضي على حزمة مساعدات من الاتحاد الأوروبي بقيمة 8 مليارات دولار أمريكي مع مزيج من المنح والقروض كجزء من "الشراكة الاستراتيجية" لدعم الاقتصاد المصري، في ظل انخفاض احتياطي البلاد من العملات الأجنبية وارتفاع معدلات التضخم.
وكجزء من الاتفاق وافقت مصر أيضًا على تحصين حدودها مع ليبيا والسودان لوقف تدفق المهاجرين المصريين وغير المصريين إلى أوروبا. يردف التقرير.
واسترسل: "انخفضت إيرادات الدولة المصرية من
قناة السويس خلال السنة المالية 2023/24 بنسبة 23 في المائة، مقارنة بالسنة السابقة، بسبب اضطرابات الملاحة البحرية في البحر الأحمر نتيجة هجمات الحوثيين المرتبطة بحرب إسرائيل على غزة. وتشكل إيرادات قناة السويس ما يقارب الـ2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر".
وفي منتصف تموز/ يوليو الماضي، ذكرت السلطات أن الإيرادات قد انخفضت من 9.4 مليار دولار في السنة المالية 2023/23 إلى 7.2 مليار دولار في السنة المالية 2023/24.
وأوضح الموقع، أن "القاهرة تعمل على دعم تخفيضات الميزانية، خاصةً في مجال الاستثمارات العامة، وذلك لتقليص الإنفاق الحكومي. ومن المرجّح أيضًا أن تعمل الحكومة المصرية على تحسين كفاءة الإنفاق الاستثماري العام، من خلال الاستمرار في مطالبة وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بالموافقة على أي مشاريع عامة جديدة".
واستطرد: "سيشكل ذلك استمرارية للنهج المتبع في ميزانية مصر للسنة المالية 2024/25، التي حددت فيها الحكومة سقفاً للإنفاق على الاستثمار العام، لإعطاء الأولوية لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 89 في المئة، خلال السنة المالية 2023/24 إلى 80 في المئة بحلول سنة 2027. وقد تؤدي مثل هذه التخفيضات في الاستثمار العام إلى إبطاء النمو الاقتصادي في مصر من خلال تقليص نطاق مشاريع البنية التحتية الجديدة وغيرها من المبادرات".
ومن المرجح، وفقا للتقرير، أن "تستمر القاهرة أيضًا في خفض الدعم بشكل تدريجي، وقد تنتقل إلى برنامج الدعم النقدي كنهج أكثر استهدافًا لتقديم المساعدة الاجتماعية للمصريين، ذوي الدخل المنخفض، والحد من ردود الفعل المحلية، وذلك على الرغم من شعبية برنامج الدعم القائم منذ فترة طويلة بين المواطنين المصريين والعلاقة الإيجابية بين دعم المواد الغذائية والحد من الفقر".
وكان رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قد أشار، في أيار/ مايو الماضي، إلى أن مصر سوف تتخذ المزيد من الخطوات لخفض الدعم بسبب تأثيره على إنفاق الدولة، حيث يشكل الدعم حوالي 11.5 في المئة من النفقات في ميزانية الحكومة لسنة 2024/25.
مع ذلك، قد لا تقوم القاهرة بإلغاء دعم الوقود بالكامل في الموعد النهائي الذي حدده صندوق النقد الدولي للحد من رد الفعل الشعبي. ومن المرجح جدًا أن تبطئ أي تخفيضات أخرى في برنامج دعم الخبز الحكومي، وهي قضية سياسية حساسة بشكل خاص. وفقا للموقع.
وأضاف بأن "تخفيضات الاستثمارات العامة المذكورة أعلاه، قد توفّر للقاهرة مرونة أكبر في تنفيذ جدول زمني أكثر تدرجًا لتخفيض الدعم. وقد تقوم القاهرة أيضًا بمراجعة برامج الدعم الاجتماعي لتقديم المساعدة للمصريين ذوي الدخل المنخفض".
وأورد الموقع أن "القاهرة ستواصل على الأغلب إصلاحاتها الضريبية، لسد الثغرات وتوسيع قاعدتها الضريبية لزيادة الإيرادات الحكومية، وتقليل اعتماد الحكومة على إيرادات قناة السويس. ومن المرجح أن تقوم مصر خلال السنوات الثلاث المقبلة، بمراجعة قانون ضريبة الدخل التصاعدية لتحديثه وسد الثغرات الموجودة فيه".
ويُتوقع أيضًا، بحسب الموقع، "زيادة معدلات الضرائب تدريجيًا على المصريين الأكثر ثراءً. ومن المحتمل أن تؤدي هذه الجهود على المدى الطويل إلى جعل إيرادات الحكومة المصرية أكثر مرونة في مواجهة الصدمات الخارجية وتساعد على خفض العجز في ميزانية الدولة".
"بما أن ارتفاع الأسعار كان له التأثير الأكبر على تكلفة المعيشة بالنسبة للمصريين الأكثر فقرًا، فإنه من غير المرجح أن تزيد الحكومة معدل الضريبة بشكل كبير على المصريين ذوي الدخل المنخفض إلى المتوسط، مما سيخفف من خطر حدوث رد فعل عنيف ضد الإصلاحات الضريبية من المصريين الأكثر فقرًا" كما تابع المصدر نفسه.
وفي سياق متصل، أشار الموقع إلى أن عدد من المحاولات السابقة للإصلاحات المتعلقة بالدعم في مصر، كانت قد تسببت في اضطرابات محلية، مثل ما ينعت بـ"احتجاجات الخبز" خلال عام 1977، ولكن الآونة الأخيرة تشهد ردود فعل شعبية محدودة على رفع الأسعار، كما أنه إذا نفّذت القاهرة إصلاحات تدريجية وبالتالي فإنها خففت من وطأة
رفع الدعم، فإن تكلفة المعيشة سترتفع بشكل تدريجي، ما قد يمنع حدوث ردود فعل عنيفة كالتي قد تنجم عن صدمة تطبيق عدة إصلاحات في وقت واحد.
لكن - بحسب الموقع - سيزداد احتمال حدوث اضطرابات محلية أوسع نطاقاً إذا تم إجراء المزيد من تخفيضات الدعم مع تفاقم التضخم، أو إذا اتخذت مصر خطوات أخرى لخفض دعم الخبز أو خفضت الحماية الاجتماعية بشكل كبير دون توفير بديل.
ومن المرجّح في مثل هذه الحالة أن تزداد المشاعر المناهضة للحكومة وأن تؤدي إلى إضرابات واحتجاجات أكبر وأطول أمدًا. مع ذلك، فإنه من المرجح أن تردع ما يوصف بـ"حملة القمع" التي تشنها الحكومة المصرية على المعارضة العديد من المصريين غير الراضين عن الإصلاحات عن النزول إلى الشوارع.
وفي الواقع، قام العديد من المصريين بكتابة رسائل شكوى موجهة إلى وزارة الكهرباء، في أعقاب زيادات أسعار الكهرباء خلال آب/ أغسطس الماضي، لكن ارتفاع الأسعار لم يسفر عن احتجاجات كبيرة. فيما يحظر قانون صدر سنة 2013، عقد الاحتجاجات، دون موافقة مسبقة من الشرطة. وحتى عندما يُسمح للاحتجاجات بالحدوث، فإنها غالبًا ما تكون خاضعة لسيطرة مشددة ومقيدة بمنطقة صغيرة للحد من تأثيرها.