نشرت صحيفة "
إزفيستيا" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن مشاركة
السعودية في قمة مجموعة دول "
بريكس"، التي ستعقد في كازان بين يومي 22 و24 تشرين الأول/ أكتوبر، وعن مكانتها في المنظمة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن وضع الرياض داخل المنظمة لا يزال ضبابيا بسبب التحفظ السياسي والاقتصادي للمملكة وعدم وجود إجراءات مبسطة للانضمام إلى الكتلة الاقتصادية الجديدة، موضحة أن السياسة الخارجية للمملكة تتميز بمحاولات لتحقيق التوازن بين القوى الكبرى عالميا.
و"بريكس" هي مجموعة جرى تأسيسها عام 2006 من قبل
روسيا والصين والبرازيل والهند، قبل أن تنضم إليهم جنوب أفريقيا، واسمها هو عبارة عن الأحرف الأولى من أسماء هذه الدول باللغة الإنجليزية. وقد توسعت هذه المجموعة مطلع العام الجاري، بعدما انضمت إليها كل من مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة.
وتهدف هذه المجموعة التي تتولى روسيا رئاستها الدورية، إلى تعزيز التفاعل بين الدول ذات إمكانات النمو الاقتصادي العالية، كما أنها تطور خطابا جديدا حول نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب، وتعارض كثيرا من القواعد التي تفرضها مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وترفض التمثيل الضعيف للدول في هذه المؤسسات.
هل انضمت السعودية إلى "بريكس"؟
ووفقا للتقرير، فإنه من المقرر عقد القمة السادسة عشرة لدول البريكس في كازان يومي 22 و24 تشرين الأول/ أكتوبر برئاسة روسيا، وسيكون توسيع الرابطة أحد المواضيع الرئيسية المطروحة على جدول أعمال قمة كازان؛ حيث يتزايد عدد الدول التي تعرب عن رغبتها في الانضمام إلى المنظمة. ومن المتوقع مشاركة ممثلين عن الرياض أيضًا في القمة.
في وقت سابق، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن روسيا دعت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لحضور قمة في كازان.
وأفادت الصحيفة أنه تمت دعوة السعودية، إلى جانب عدد من الدول الأخرى، إلى البريكس في القمة التي عقدت في جوهانسبرغ سنة 2023. وكان قرار توسيع المنظمة حينها يعتبر تاريخيا.
تسترشد روسيا بحقيقة أن المملكة انضمت إلى البريكس في الأول من كانون الثاني/ يناير سنة 2024. لكن في 18 كانون الثاني/ يناير، ذكرت وكالة رويترز نقلا عن مصادر أن السعودية لا تزال تدرس العرض ولم تتخذ بعد قرارًا نهائيًّا بشأن الانضمام إلى المنظمة.
وفي حزيران/ يونيو 2024، بعد الاجتماع الوزاري لدول البريكس في نيجني نوفغورود، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن الجانب الروسي تلقى إشارة من زملائه السعوديين مفادها أن عدم مشاركتهم في جميع فعاليات المنظمة يعود لعدم اكتمال "التدابير الداخلية".
وأضاف سيرغي ريابكوف: "في عدد من الحالات، لا يشارك الممثلون السعوديون في مجموعة كاملة من الفعاليات، ولكنهم يشاركون في الفعاليات والأشكال التي تناسبهم في ظل عدم اكتمال المسار الداخلي. ونحن نحترم هذا الموقف. هذا لا يلغي استنتاجنا الأساسي بأن السعودية انضمت إلى البريكس".
ونقلت الصحيفة عن الخبير الاقتصادي السعودي علي الحازمي، قوله إن مشاركة المملكة في قمة البريكس تعد تطورًا إيجابيًّا، ما يوضح أنه حتى في حال عدم انضمام السعودية في الوقت الراهن، فإن النظام الملكي لديه مثل هذه الرغبة.
وبحسب الحازمي، فإنه من الناحية الاقتصادية، سيزيد انضمام المملكة إلى المنظمة بشكل كبير من حجم التجارة المتبادلة. ومع ذلك، فإن مجموعة البريكس ليست مجرد منظمة اقتصادية؛ لذلك فستواصل المملكة دراسة الفوائد التي ستترتب عن الانضمام إلى هذه المنظمة.
وبينت الصحيفة، أن السعودية تعتبر من الدول الرائدة في إنتاج النفط في العالم، وتحافظ على التوازن في أسواق الطاقة العالمية. وأضاف الحازمي: "لذلك، نحن لا نرصد تردد السعودية، بل دراسة مصالحها عند انضمامها إلى البريكس".
إبعاد السعودية عن الولايات المتحدة
وأوردت الصحيفة، أنه من وجهة نظر مفاهيمية، تنظر القيادة السعودية إلى المشاركة في أنشطة منصة مؤثرة مثل البريكس كإجراء للتكيف مع التحولات المستمرة والتحوط من المخاطر المحتملة. ويدرك السعوديون حتمية إنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب ونقل "مركز الثقل" الجيوسياسي والجيواقتصادي من الغرب إلى الشرق. ولتحقيق ذلك، تعمل المملكة على توسيع جغرافية العلاقات التجارية والاقتصادية وإنشاء قنوات اتصال مع اللاعبين العالميين الرئيسيين.
وتدعو رؤية السعودية 2030، بحسب التقرير، إلى ضمان أقصى درجات الأمن ضد التهديدات الخارجية لضمان إجراء إصلاحات داخلية جذرية، ويمنحها الانضمام إلى البريكس إمكانية الوصول إلى أسواق جديدة والاستثمار في القطاعات الرئيسية مثل التكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة المتجددة، ما سيقلل من اعتمادها على النفط.
وتنقل الصحيفة عن الخبير السياسي السعودي مبارك آل عاتي، قوله: "تنظر المملكة العربية السعودية باهتمام كبير إلى مجموعة البريكس باعتبارها منظمة سياسية"، موضحًا أن السعودية تأمل في خلق فرص ومجالات تعاون جديدة في البريكس، خاصة أنها، بكل مواردها، تمتلك أدوات فعالة لتحقيق استقرار أسواق الطاقة العالمية والحفاظ عليه.
وأكد آل عاتي أن السعودية، كغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي، مهتمة بإقامة عالم متعدد الأقطاب. في السنوات الأخيرة، كان هناك ميل نحو إبعاد دول مجلس التعاون الخليجي عن تفضيلات السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
والجدير بالذكر أنه على الرغم من إظهار التوازن، إلا أن السعودية لا تزال تبني سياستها الخارجية مع الأخذ في الاعتبار التوجه التقليدي نحو الشريك الأكبر، الولايات المتحدة. ويظل نظام العلاقات الموسع مع واشنطن، والذي يقوم على التعاون في المجال العسكري، هو الأداة الأكثر أهمية لضمان الأمن القومي للسعودية، ما يعقد عملية سيادة السياسة الخارجية لنظام المملكة، بحسب التقرير.
وتنسب الصحيفة إلى عيد العيد، الاقتصادي السعودي ورئيس المركز العربي الأفريقي للاستثمار والبنية التحتية؛ أن السعودية تواجه ضغوطًا قوية من الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، التي تهدف إلى إقناع المملكة بعدم الانضمام إلى البريكس. وقد استمر هذا الضغط منذ أن أعلنت الرياض عن نيتها الانضمام إلى المنظمة. وبرأيه فإن الانضمام إلى المنظمة "مسألة وقت" ويتطلب التغلب على بعض العقبات والالتزامات التي تؤثر على مستقبل علاقات السعودية مع الغرب والولايات المتحدة.
ما هو وضع السعودية في البريكس؟
وأشارت الصحيفة، إلى أن وضع السعودية في البريكس يبدو غامضًا إلى حد ما، فلم تحدد المنظمة وثائق قانونية تنظم إجراءات الانضمام إليها. ونظرا لانخفاض مستوى المؤسساتية، فإن التوقيت الدقيق لدخول السعودية إلى البريكس لا يزال غير مؤكد.
وبحسب عيد العيد، فإن المملكة تدرك جيداً فوائد الانضمام إلى مجموعة البريكس، كما أن السعودية لديها القدرة على الموازنة بين علاقاتها الاستراتيجية مع الغرب وعلاقتها المتنامية مع دول البريكس، خاصة أن الصين والهند تحتلان المرتبتين الأولى والثالثة في حجم معاملاتها التجارية الخارجية. ووفقا له، فإن البريكس هي واحدة من أهم الاتحادات التي ستغير قواعد اللعبة الاقتصادية في العالم.
من جانبها، تتجنب السعودية اتخاذ خطوات جذرية رغبة منها في عدم توتر العلاقات مع الغرب، وخاصة مع واشنطن والموازنة بين بناء العلاقات مع البريكس والحفاظ على الشراكات مع الدول الغربية، بحسب التقرير.
وتنقل الصحيفة أيضا عن آل عاتي أن الرياض تعتقد أن انضمامها إلى هذه المنظمة يعود بفوائد على الجميع، لكنها تنطلق أيضًا من أن مجموعة البريكس هي مجموعة سياسية بحتة توحد الدول المعترضة على النظام الأحادي القطب. في المقابل، تبتعد السعودية عن هذه المناقشات وتقف على خط واحد من كافة القوى الدولية.
في الوقت نفسه، أكد آل عاتي أن المملكة بامتلاكها إمكانات كبيرة فضلًا عن ثقلها الإسلامي والاقتصادي العالمي تعتبر إضافة ممتازة للمنظمة. بيد أن الرياض لا تريد أن تكون جزءًا من "تحالف معاد للغرب" كونها لا تريد فقدان موقفها المحايد.
وفي ختام التقرير، نوهت الصحيفة بأن وزارة الخارجية الروسية أكدت أن الشراكة في إطار البريكس غير موجهة ضد أطراف ثالثة، بحيث تتعاون الدول الأعضاء في الرابطة على أساس المنفعة المتبادلة، دون أجندة تصادمية.