عززت معركة "طوفان الأقصى" العمل المقاوم في
الضفة الغربية، والذي بدأ بالتصاعد تدريجيا منذ عدة سنوات، كما أن العمليات الاستشهادية في الداخل
الفلسطيني المحتل عادت إلى الواجهة مجددا.
في أيار/ مايو 2021 كانت معركة "سيف القدس" بمثابة إعلان رسمي بعودة مجموعات المقاومة إلى الضفة الغربية بعد انتهاء الانتفاضة الثانية، إلا أن معركة "طوفان الأقصى" عملت على تثبيت حالة المقاومة في عموم الضفة الغربية، لا سيما في مخيمات
طولكرم وجنين.
وفي غضون عام من "سيف القدس"، بدأت تتشكل بالفعل مجموعات مقاومة منظمة في مناطق، بينها
جنين ومخيمها (كتيبة جنين)، ونابلس (عرين الأسود)، ومخيم بلاطة (كتيبة بلاطة)، وطوباس، وغيرها.
ظلت مجموعات المقاومة في الضفة تعمل بوتيرة متوسطة حتى معركة "طوفان الأقصى"، والتي أشعلت شرارة العمليات المكثفة، مع تطور ملحوظ في التسليح، وأساليب القتال لدى المقاومين الذين أوقعوا قوات الاحتلال في كمائن، وفجروا آليات وأوقعوا خسائر فادحة في صفوف الإسرائيليين.
وبعد العدوان على
غزة، شهدت مناطق أخرى في الضفة نشاطا للعمل المقاوم، لا سيما في قلقيلية، وطوباس ومخيم "الفارعة" في طوباس، إضافة إلى نشاط غير متوقف في مخيم عقبة جبر بمحافظة أريحا، وعمليات فردية في مختلف مناطق الضفة الغربية.
العمليات الاستشهادية
أعلنت كتائب القسام صيف العام الحالي رسميا عودة العمليات الاستشهادية بعد توقف دام عقدين من الزمن.
وكان الاستشهادي الأول في "طوفان الأقصى" هو جعفر منى من مدينة نابلس، والذي انفجرت عبوته الناسفة التي كان يضعها في حقيبة يرتديها، قبيل تنفيذه عملية وسط "تل أبيب".
وبعد عملية منى، نفذ مقاومان عملية مزدوجة بتفجير سيارتين مفخختين عند مفرق مستوطنة “غوش عتصيون” شمال الخليل، أعقبه هجوم على مدخل مستوطنة “كرمي تسور” القريبة، واعترف الاحتلال أيضًا بـثلاث إصابات، في العملية التي نفذها الاستشهاديان محمد مرقة وزهدي أبو عفيفية.
فيما تنامت ظاهرة العمليات الفدائية أو ما يعرف بظاهرة "الذئاب المنفردة"، وبرز مؤخرا العملية القوية التي نفذها شابان من الخليل، هما محمد مسك (استشهد)، وأحمد الهيموني (أصيب وتم أسره)، بإطلاق النار في محطة قطارات بتل أبيب، ما أسفر عن مقتل 7 وإصابة 16 من المستوطنين، وتبنتها كتائب "القسام" أيضا.
وبحسب مركز معلومات فلسطين (معطى)، فإن عام "الطوفان" في الضفة شهد مقتل 50 جنديا ومستوطنا إسرائيليا في الضفة المحتلة وإصابة 377 آخرين في العمليات الفردية والاشتباكات أثناء اقتحام الاحتلال مدن والمخيمات.
وأضاف المركز أن مقاومي الضفة الغربية نفذوا 2923 عملية نوعية، تنقسم إلى 1797 عملية إطلاق نار، و856 تفجير عبوة ناسفة، و147 عملية إعطاب وتدمير لآليات الاحتلال، و40 عملية طعن، و40 عملية إحراق للمستوطنات والأبراج العسكرية، و23 عملية دهس، و13 عملية إسقاط طائرات الاحتلال المسيرة، وسيارتين مفخختين، وعملية استشهادية.
ورغم الكلفة العالية لتصاعد عمليات الضفة، وتسجيل 742 شهيدا خلال عام من "الطوفان"، إضافة إلى آلاف الجرحى، إلا أن العمل المقاوم لا يزال مستمرا بشكل يومي دون توقف.
رد على مليشيات بن غفير
لم تكن معركة "طوفان الأقصى" الدافع الوحيد لزيادة التحام الضفة الغربية بالمعركة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وهجمات المستوطنين على الأهالي بدفع من وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، تصاعدت تزامنا مع العدوان على قطاع غزة.
ووضعت "مليشيات بن غفير" كما يُطلق عليها نصب أعينها استهداف أهالي الضفة الغربية، لا سيما قرى نابلس والقدس المحتلة، بدءا من الاعتداءات اليومية بالحجارة وإطلاق النار، وإحراق المحاصيل الزراعية والمنازل، وصولا إلى تهديدهم بشكل مباشر بالعمل على تهجيرهم وطردهم نحو الأردن.
هجمات المستوطنين المدفوعة بتحريض من بن غفير ووزير المالية بتسئيل سموتريتش، حثّت فصائل المقاومة في الضفة الغربية على تطوير العمل المقاوم، والتمسك بالأرض، ورفض أي مشاريع تهجير جديدة.
وجنّد بن غفير مليشيا حقيقية في الضفة الغربية بعد العدوان على غزة، وظهر في مقاطع فيديو وهو يوزع الأسلحة على نحو 600 مستوطن متطرف من أتباعه. وقال: "تم بالفعل توزيع نحو ألفي قطعة سلاح على عشرات المستوطنات في المناطق الشمالية والساحلية، وسيتم توزيع المزيد من الأسلحة على كافة المستوطنات".
طولكرم وجنين
نسبة الشهداء الأكبر في الضفة الغربية خلال عام من "الطوفان" كانت في مخيمي نور شمس وطولكرم بمحافظة طولكرم، ومخيم جنين، التي سطّر فيها المقاومون خلال شهور أسماءها في تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعشرات العمليات التي أدت إلى مقتل وإصابة المئات من جنود الاحتلال.
ولم يتمكن جيش الاحتلال من الوصول إلى قادة المقاومة في الضفة الغربية سوى عبر الغارات الوحشية التي أدت إلى استشهاد العديد منهم.
خلال عام من الطوفان، نفذ جيش الاحتلال عدة عمليات توغل داخل هذه المخيمات، وقام بتجريف البنية التحتية فيها، ونفذ غارات جوية آخرها كانت المجزرة في مخيم طولكرم التي أدت إلى استشهاد 18 شخصا بينهم عائلة كاملة قبل أيام.
وقتل جيش الاحتلال قادة المقاومة في طولكرم وجنين، وطوباس وغيرها، والذين ينتمون إلى مختلف الفصائل الفلسطينية، بما فيها "القسام" و"سرايا القدس" و"شهداء الأقصى"، إلا أن الحالة التي خُلقت في المخيمات جعلت من الصعب على جيش الاحتلال القضاء على "النفس المقاوم".
واللافت أن عناصر المقاومة في طولكرم يشاركون بشكل مستمر في عمليات داخل جنين ومخيمها برفقة "كتيبة جنين"، والعكس يحدث أيضا بمشاركة مقاتلي جنين في صد اقتحامات طولكرم، وهي حالة تنطبق أيضا على مقاتلي مجموعات في مخيم بلاطة بنابلس، وفي مناطق أخرى.
وأطلقت "كتيبة طولكرم" شعار "
لن نترك السلاح.. حاضرون في كل ساح"، للتأكيد على تمسكها بالمقاومة داخل وخارج طولكرم.
استشهاد عشرات القادة
وبحسب ما رصدت "عربي21" فإن عشرات القادة البارزين في المقاومة استشهدوا جراء العدوان على الضفة الغربية.
وقتل جيش الاحتلال نحو 40 قياديا ينتمون إلى "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة حماس، و"سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وشهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح.
وقاد هؤلاء الشبان كتائب محلية، ونسقوا فيما بينهم لينجحوا في قتل وإصابة العشرات من جنود وضباط الاحتلال.
شهداء القسام
ونعت كتائب القسام منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مجموعة من قياداتها في الضفة الغربية، كان آخرهم القائد القسامي في طولكرم زاهي عوفي، وقد استشهد قبل أسابيع القياديان رأفت دواسي وأحمد أبو عرة، اللذان ارتقيا بغارة على مدينة جنين، إضافة إلى القيادي البارز وسام خازم.
وشارك الشهيدان في تفجير عربة "النمر" المدرعة في جنين قبل أشهر، وأيضا شاركا في الكمين الثلاثي المركب قرب قرية المطلبة الشهر الماضي، وفي عملية الأغوار قبل أيام.
وفي مطلع تموز/ يوليو الماضي، استشهد القائد القسامي ياسين العريدي برفقة مقاومين آخرين في قصف إسرائيلي على مدينة جنين.
وفي ذات التوقيت، استشهد القائد القسامي الآخر أحمد رشاد أبو الهيجاء "أبو دجانة"، بعد اشتباك عنيف مع قوات الاحتلال في جنين. وكان مخيم جنين قدم مطلع العام الحالي القيادي القسامي محمد وليد جلامنة.
وفي محافظة طولكرم، ومخيم "نور شمس"، وبلدة دير الغصون، قدمت كتائب القسام منذ العدوان على غزة، مجموعة من أبرز قيادييها، بينهم عز الدين عواد بقصف إسرائيلي، واستشهد أبرز قياديي "كتيبة طولكرم" أشرف نافع "ازكيهم"، وتبعه قبل أيام القائد طارق داود بعملية اغتيال.
وقبل شهور، استشهد القائد القسامي هيثم بليدي، وهو أسير محرر أمضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال.
شهداء السرايا
بدورها، قدمت "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي" عشرات الشهداء خلال الشهور الأخيرة في الضفة الغربية، كان آخرهم محمد شجاع "أبو شجاع"، قائد كتيبة طولكرم.
وبعد أيام فقط من العدوان على غزة، ارتقى أيسر العامر، أحد أبرز قادة "كتيبة جنين" التابعة لـ"سرايا القدس" في الضفة الغربية، بعد اشتباك عنيف مع قوات الاحتلال.
واستشهد في طولكرم ومخيميها، عدد من قادة "سرايا القدس" في مقدمتهم سعيد الجابر، مؤسس كتيبة "نور شمس"، وعبد الجبار الصباغ أحد مؤسسي كتيبة طولكرم.
وفي مخيم بلاطة بمدينة نابلس، قدمت "سرايا القدس" عددا من قياداتها بينهم رسمي فايز عرفات، كما أنه استشهد مطلع الشهر الحالي الشيخ ربيع العنبوسي، أحد قادة "كتيبة طوباس" في سرايا القدس، والذي ارتقى أثناء إعداده وتجهيزه كمينا لقوات الاحتلال عند مستوطنة البقيعة.
"شهداء الأقصى"
كتائب "شهداء الأقصى" الجناح العسكري لحركة "فتح"، قدمت خلال العدوان على غزة، عشرات الشهداء في الضفة الغربية، وعددا من قياداتها.
في آذار/ مارس 2023، استشهد القائد العسكري البارز أمير أبو خديجة، القائد في كتيبة طولكرم، ومؤسس "مجموعة الرد السريع".
واستشهد الشهر الماضي القائد محمد عوض "أبو عبده"، برفقة القيادي القسامي أشرف نافع "أزكيهم" في طولكرم، وكان قد سبقه استشهاد القيادي الآخر في "شهدا الأقصى" رامي الشوملي، واستشهد في قلقيلية القيادي في "شهداء الأقصى" إيهاب أبو حامد، وفي مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس استشهد القيادي الآخر آدم فراج، وفي بلاطة أيضا، استشهد القيادي البارز محمود زهد "الزوفي".
وكان قد استشهد بعد العدوان على غزة، مؤسس "كتيبة طولكرم" جهاد مهراج شحادة، أحد قيادات شهداء الأقصى.
واستشهد في طولكرم أيضا يوسف علي الخولي، وطارق شاهين، وعاهد رجب، وجميعهم قيادات ينتمون إلى "شهداء الأقصى" في طولكرم.
واستشهد خلال الشهور الماضية قيادات في كتيبة "جند الله" بطولكرم، ومن أبرزهما محمد العوفي "أبو سلطان"، وعدي الزيات.