ملفات وتقارير

تصريحات رئيس عاصمة السيسي تثير قلق المصريين.. ما القصة؟

يمتلك الجيش المصري نسبة 51 بالمئة من شركة العاصمة الإدارية الجديدة- عربي21
أطلق مسؤول مصري عددا من التصريحات المثيرة للجدل، والتي تداولها المصريون بين ساخط وناقد، خاصة وأن من بينها ما يؤكد أن رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، يصر على استكمال بناء المرحلة الثانية من "العاصمة الجديدة" شرق القاهرة، ضاربا عرض الحائط بمناشدات المصريين للتوقف عن مشروعاته التي لم تعد عليهم بشيء ودون مراعاة أوضاعهم السيئة.

وقال رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، خالد عباس، الاثنين، إن شركة "العاصمة" خصصت من 8 إلى 10 مليارات جنيه لاستثمارات المرافق والبنية التحتية للمرحلة الثانية من العاصمة الجديدة، حسبما صرح لموقع "الشرق مع بلومبيرغ".

وكان عباس قد أعلن في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن بدء تنفيذ المرحلة الثانية من العاصمة الإدارية بالربع الثاني أو الثالث من العام الجاري، مؤكدا لـ"CNN الاقتصادية"، أن التكلفة الاستثمارية لهذه المرحلة لن تقل عن 300 مليار جنيه، وقد تزيد وفقا لتغيرات التكلفة.

وفي آذار/ مارس الماضي، جرى الإعلان عن بدء شركة العاصمة ترفيق المرحلة الثانية من المدينة، مطلع العام 2025، بتكلفة تبلغ 240 مليار جنيه (4.8 مليار دولار)، بحسب تصريح سابق لعباس.


ووفق تقدير مبدئي نشرته الهيئة العامة للاستعلامات "حكومية"، تبلغ تكلفة المرحلة الأولى من العاصمة الجديدة نحو 45 مليار دولار، فيما كشف عباس، في كانون الثاني/ يناير الماضي، أن الشركة، أنفقت 500 مليار جنيه على أعمال البنية التحتية والمباني ضمن المرحلة الأولى.

وتبلغ مساحة المرحلة الأولى ما يقرب من 40 ألف فدان، (161.87 كم2) من إجمالي مساحة العاصمة الإدارية، بينما من المقرر أن تقام المرحلة الثانية على حوالي 47 ألف فدان، (190.2 كم2)، ثم حوالي 97 ألف فدان، (392.54 كم2) للمرحلة الثالثة.

وفي شباط/ فبراير الماضي، أعلنت شركة العاصمة الإدارية الجديدة أن شركة دار، وهي شركة معمارية وهندسية عالمية تشارك في المرحلة الأولى من المدينة، حصلت على عقد إنشاء مخطط رئيسي مفصل للمراحل الثانية والثالثة والرابعة من العاصمة.

ويمتلك الجيش نسبة 51 بالمئة من شركة العاصمة الإدارية الجديدة، تتوزع بنسبة 29 بالمئة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، و22 بالمئة لجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، فيما تمتلك هيئة المجتمعات العمرانية (حكومية) النسبة المتبقية وهي 49 بالمئة.

وبدأ العمل في العاصمة الإدارية الجديدة عام 2016، كمدينة فاخرة بين القاهرة والسويس وعلى بعد 45 كيلومترا شرق العاصمة المصرية، وتضم قصرا رئاسيا، ومقرا للجيش، ومبنى للبرلمان، وحيا دبلوماسيا، ومطارا دوليا، وبرجا من 70 طابقا يعد الأطول في أفريقيا، و25 حيا سكنيا، ونحو 1.1 مليون وحدة سكنية، و40 ألف غرفة فندقية، في حين انتقلت الحكومة للعمل من مقراتها في الحي الحكومي منذ منتصف 2023.

"ضجة الصيانة"
وعلى هامش مؤتمر مصر على خريطة العقار العالمية، الاثنين، أثار عباس "العضو المنتدب لشركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية"، جدلا آخر، بإعلانه عن رقم صيانة كبير لمنشآت ومباني العاصمة الجديدة، حيث أدى تقديره للصيانة السنوية بمبلغ بين 5 إلى 6 مليارات جنيه، إلى حالة من السخط.

وعلق البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قائلين إن "مسلسل إغراق مصر في الديون ما زال مستمرا لأجل مدينة في الصحراء ليس لها عائد اقتصادي"، مشككين في الرقم المذكور، ومتسائلين: "من يدفع ثمن تلك الصيانة؟"، كما وجهوا انتقاداتهم لرأس النظام.


الضجة التي أثارها الرقم المعلن بشأن الصيانة، دفع عباس للرد على انتقادات المصريين بقوله لفضائية "إم بي سي مصر"، مساء الاثنين، إن الصيانة تتم على مساحة 40 ألف فدان، وفي 16 ألف طرق ومساحات خضراء، والدولة لا تتحمل تكلفتها التي تتم من وديعة الصيانة التي يسددها مشترو الوحدات السكنية والتجارية.

"التخصيص والطرح"
كما أثار إعلان عباس، عن تخصيص مساحات واسعة من الأراضي بالعاصمة الجديدة، لشركات إماراتية وأخرى تركية، مع إعلانه إعادة تقييم أصول العاصمة لطرح الشركة، الأصلية أو شركة تابعة لها، في سوق الأسهم المصرية، التكهنات حول توجه السيسي، لبيع أراضي العاصمة الجديدة، لشركاء أجانب، ما يرى فيه البعض خطرا على الأمن القومي المصري.

عباس، الذي تم تعيينه في منصبه قبل عامين ليخلف اللواء أحمد زكي عابدين، في 22 آب/ أغسطس 2022، أعلن عن تخصيص 500 فدان من أراضي العاصمة الإدارية الجديدة لشركة إماراتية (لم يذكرها) لإنشاء منطقة صناعية، وعن مذكرة تفاهم مع تركيا بموجبها خصصت الشركة 500 فدان لشركات تركية بينها "بولاريس باركس".

وفي ملف طرح شركة العاصمة ذكر عباس، أرقاما وتفاصيل جديدة، موضحا أن الشركة عينت مستشارا ماليا لتقييم أصول الشركة بعد التغير في قيمها نتيجة تعديل سعر صرف الجنيه في آذار/ مارس الماضي، (تغير من 31 جنيها مقابل الدولار، إلى نحو 48.70 جنيه تقريبا، بالبنك المركزي).

ولفت المسؤول المصري إلى أنه بعد إعادة التقييم سيقرر مجلس الإدارة فيما إذا كان سيتم طرح الشركة، سواء الأصلية "القابضة" أو شركة تابعة، في سوق الأسهم المصرية، مبينا أن أصول الشركة سجلت نحو 285 مليار جنيه بنهاية العام الماضي، الأمر الذي قد يرفعها إلى نحو 900 مليار جنيه.

وتستهدف شركة العاصمة جمع من 150 إلى 200 مليار جنيه من طرح 5 إلى 10 بالمئة من أسهمها في البورصة المحلية بحلول نهاية العام الجاري.

"أزمات هيكلية واقتصاد حرب"
وفي مقابل الإصرار الحكومي على استكمال بناء المرحلة الثانية من العاصمة الجديدة، وما يتم صرفه على صيانة المرحلة الأولى، يواجه الاقتصاد المصري أزمات بنيوية وهيكلية خطيرة، تتصاعد تأثيراتها على أكثر من 106 ملايين مصري، يعاني أغلبهم من الفقر، خاصة مع تفجر أزمات دولية وإقليمية، بينها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وتراجعت إيرادات قناة السويس بنسبة 60 بالمئة، حسب الأرقام الرسمية، وهبط سعر الجنيه بعد التعويم الأخير في آذار/ مارس الماضي، وتواصل معدلات التضخم الارتفاع لتصل في أيلول/ سبتمبر الماضي إلى 26.4 بالمئة.

والاثنين الماضي، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إن مصر خسرت في هذا نحو 7 مليارات دولار في أقل من عام بسبب انخفاض إيرادات قناة السويس، في حين أشار في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري إلى أن القاهرة قد تلجأ إلى "اقتصاد الحرب".

وبينما أقر صندوق النقد الدولي تمويلا لمصر بقيمة 8 مليارات دولار في آذار/ مارس الماضي، طلب تأجيل مراجعته للشريحة الرابعة من القرض لما بعد اجتماعاته السنوية، مطالبا بزيادة التقشف وبيع الشركات العامة، وذلك رغم قرارات عديدة اتخذتها الحكومة برفع أسعار الوقود والكهرباء والمواصلات وأسعار عدد من السلع المدعومة.


وبينما بلغ حجم الدين الخارجي رسميا خلال النصف الأول من العام الحالي 152.9 مليار دولار، فإن البنك الدولي كشف في 24 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري عن جدول سداد الديون الخارجية لمصر بالعام المالي الجاري، يستوجب سداد 60.8 مليار دولار من تموز/ يوليو الماضي حتى حزيران/ يونيو 2025.

كما يجب على البنك المركزي، سداد 20.8 مليار دولار من الودائع خلال العام المالي الجاري، وسداد سندات بقيمة 3.3 مليار دولار، في حين يتضمن جدول السداد، قروضًا بقيمة 31.04 مليار دولار من جهات مختلفة، بجانب سداد 21.7 مليار دولار بالعام المالي المقبل (2025-2026)، وفقا لجدول البنك الدولي.

"لخدمة من؟"
وطالما انتقد سياسيون واقتصاديون ونشطاء مصريون حجم ما تم صرفه على بناء وتشييد العاصمة الجديدة ومشروعات النقل التي تقوم على خدمتها، مثل القطار الكهربائي الخفيف والمونوريل، وغيرها، متسائلين لصالح من يتم إنشاء تلك المدينة وصرف كل تلك الأموال؟، وهو ما شاركهم فيه خبراء ومحللون وكتاب أجانب.

رئيس قسم التاريخ والنظرية في جمعية المعماريين في لندن، نيكولاس سيمسيك أريس، يقول لشبكة "CNN": "من الممكن أن تجتذب المدينة الجديدة الأعمال التجارية، وخاصة (الشراكات الثنائية رفيعة المستوى) ورأس المال الأجنبي الذي قد يعزز الاقتصاد، ومع ذلك، فإن السؤال النهائي عندما يتعلق الأمر بالفوائد الاقتصادية للدول هو لمن تعود هذه الفوائد؟، ومن المؤكد تقريبا أن هذه الفوائد لن تعود إلا على شريحة صغيرة جدا من السكان".

سيمسيك، الذي أجرى أبحاثا ميدانية مكثفة في القاهرة، يشارك بعض المنتقدين رؤيتهم بأن الدافع الرئيسي وراء المدينة الجديدة هو الابتعاد بالحكومة عن الاحتجاجات الضخمة، مثل ثورة يناير 2011 بميدان التحرير بالعاصمة القاهرة، إذا يرى أن التخطيط الحضري للمدينة الجديدة من شأنه أن يجعل المسيرات الجماعية مستحيلة تقريبا".

ولفت إلى أن بناء القادة المصريين لمدن تابعة قريبة من القاهرة كمشاريع تحويلية، مثل (6 أكتوبر) و(القاهرة الجديدة)، اللتين أنشئتا عامي 1979 و2000 على التوالي، هي "اليوم عبارة عن مجتمعات مغلقة بالكامل تقريبا، وتلبي احتياجات الطبقة المتوسطة العليا".

خبراء ومحللون تحدثوا إلى "عربي21"، كاشفين عن رؤيتهم بشأن إصرار السيسي على استكمال بناء المرحلة الثانية من العاصمة الجديدة وعدم الاكتفاء بالمرحلة الحالية، خاصة مع أزمات البلاد من النقد الأجنبي وأزمته مع صندوق النقد وأزمة المصريين مع الفقر والتضخم، وذلك إلى جانب قراءة دلالات التوجه نحو بيع أراضي العاصمة وطرحها في البورصة.

"فوائد وأضرار الاستمرار والإصرار"
ويرى الكاتب والباحث الاقتصادي محمد نصر الحويطي، أن "إصرار الحكومة على استكمال العاصمة الإدارية وبناء المرحلة الثانية منها بشكل عام وفي مراحلها المختلفة رغم الأوضاع الاقتصادية المصرية الحالية هو من وجهة نظرهم محاولة للاستمرار في تعظيم الناتج المحلي ومساندة الناتج المحلي وعمليات النمو الاقتصادي".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "هم يرون أن تشغيل العمالة وتشغيل المصانع التي تخدم على منشآت العاصمة مثل مصانع الحديد والأسمنت وغيرها، يعد دافعا للاقتصاد، ويمثل جزءا من تعظيم النمو الاقتصادي للبلاد، والمحافظة على معدلات النمو في مستوى جيد".

وأوضح أنه "وبالتالي فإن استمرارية أعمالهم بالعاصمة الجديدة، تأتي وفقا لرؤيتهم التي تقول إنهم لا يستطيعون أن يوقفوا العمل في تلك المشروعات الحكومية حتى لا يؤثر ذلك على سوق العمالة، وتزيد معدلات البطالة، ما يؤثر بالسلب على الاقتصاد المصري ويؤثر على معدلات النمو، وفقا لرؤيتهم".

وأكد أن "وجهة النظر الحكومية تلك معمول بها في اقتصاديات مختلفة في العالم، ولكن ليس في ظل الظروف الاقتصادية الحالية الصعبة التي يمر بها اقتصاد البلاد"، مضيفا: "وأرى أنه وإن كانت هناك فائدة من الاستمرار في تلك المشروعات فإن هناك أيضا مشاكل بالطبع بسبب الاستمرار والإصرار".

وحول توجه الحكومة لبيع أراضي العاصمة الإدارية لشركات أجنبية، قال الحويطي: "بالطبع هو توجه تحاول الحكومة به خفض عجز الموازنة المصرية الحالي، وبشكل عام فإن بيع الأصول كتوجه حكومي وفق وثيقة سياسة ملكية الدولة هو لتخفيض عجز الموازنة باختصار وبلا مواربة".

وختم بالقول وإن "كان يبيع بالدولار فهو لتوفير العملة الصعبة سواء من بيع حصص في شركات أو أراض".

وفي حزيران/ يونيو الماضي، أقر مجلس النواب المصري موازنة الحكومة العامة للسنة المالية (2024/2025)، الأضخم في تاريخ البلاد، ولكن بعجز يفوق 26 مليار دولار، وسط خفض لمخصصات الإنفاق على التعليم والصحة وتحسين مستويات دخول الفئات الأكثر فقرا.

"لهذا تستمر ولن تتوقف"
وفي قراءته، يعتقد الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله، أن "أي إعلان من قبل الحكومة عن التراجع عن إقامة المرحلة الثانية من العاصمة الإدارية الجديدة تنظر إليه السلطة بعين أنه إعلان للفشل وإقرار بالإفلاس".

الأكاديمي المصري، وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أنها "ولذلك هي تجاهد بصورة كبيرة لتدشين هذه المرحلة، ولا تألو جهدا في الإعلان عن أنها مستمرة في هذا التدشين سواء كان لمشروعات العاصمة أو للمشروعات الأخرى".


وأضاف: "وأنها لن تتوقف أيا ما كانت الأمور أو وصلت الظروف، وأنها تتجاهل كل النصائح التي تعبر عن استيائها من الاستمرار في الإنفاق على مثل هذه المشروعات غير ذات الجدوى الاقتصادية".

استشاري التدريب ودراسات الجدوى، لفت ثانيا، إلى أن "الحكومة بالفعل استطاعت أن تبرم صفقات مع الإمارات وتركيا لبيع أراض داخل العاصمة الجديدة لبعض الشركات التركية الكبرى وبعض الشركات الإماراتية الكبرى، كون هذا في وجهة نظرها يعطيها بعض التنفس ويمنحها تمويلا للمرحلة الثانية من العاصمة".

وثالثا: أشار إلى ما وصفه بالجانب السياسي، معتقدا أن "أولئك المستفيدين من التدشين للمرحلة الثانية من العاصمة مثل المقاولين وأصحاب المناقصات وكل هذه الدوائر الملتفة حول السلطة والمستفيدة من تلك المشروعات بشكل أو بآخر يضغطون في سبيل استكمال هذه المشروعات".

وختم بالقول "برغم أنها مشروعات لا طائل منها وتتكلف أمولا طائلة في ظل أزمة الدولار هناك إصرار على استمرار تنفيذها، والنقاط الثلاث السابقة هي التي تدفع الحكومة دائما للتأكيد على أن هذه المشروعات مستمرة ولن تتوقف تحت أي حال من الأحوال".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع