بعد 43 عاما من
تثبيت
إيجارات العقارات في
مصر (منذ عام 1981)، بل ويرجع تثبيت إيجارات بعضها إلى عام
1952 حين تم خفض قيمة الإيجارات، فوجئ المصريون بقرار من
المحكمة الدستورية العليا
في التاسع من الشهر الحالي، بعدم دستورية تثبيت الإيجارات بقانون تنظيم العلاقة
بين المالك والمستأجر الصادر عام 1981، باعتبار أن ذلك يخل بحقوق المُلاك في ظل
عوامل التضخم التي تجعل القيمة الشرائية الثابتة للإيجارات لم تعد تفي باحتياجات
أصحاب تلك الوحدات السكنية، ولا توفر عوائد مناسبة لاستثماراتهم.
وزاد تعجب
المصريون من أن الدعوى المرفوعة لطلب تحريك إيجارات الشقق القديمة موجودة في المحكمة
الدستورية العليا منذ عام 1998 أي منذ 26 عاما، كما طالب المتضررون من تثبيت
الإيجارات من أصحاب الوحدات السكنية بتحريك أسعار إيجاراتها خلال العقود الماضية،
عبر وسائل الإعلام والأحزاب والبرلمان والنقابات والقضاء، كما كوّنوا جمعيات أهلية
للتعبير عن مطالبهم، إلا أن مطالباتهم لم تجد استجابة من قبل الحكومة أو البرلمان.
ونتصور أن أسباب
صدور حكم المحكمة الدستورية العليا الأخير:
تعجب المصريون من أن الدعوى المرفوعة لطلب تحريك إيجارات الشقق القديمة موجودة في المحكمة الدستورية العليا منذ عام 1998 أي منذ 26 عاما، كما طالب المتضررون من تثبيت الإيجارات من أصحاب الوحدات السكنية بتحريك أسعار إيجاراتها خلال العقود الماضية، عبر وسائل الإعلام والأحزاب والبرلمان والنقابات والقضاء، كما كوّنوا جمعيات أهلية للتعبير عن مطالبهم، إلا أن مطالباتهم لم تجد استجابة من قبل الحكومة أو البرلمان
أولا- عامل سياسي:
يتعلق بتوقيت صدور الحكم في وقت زاد فيه امتعاض المصريين وغضبهم من الموقف الرسمي
المتخاذل بل والمتواطئ ضد المقاومة في غزه، رغم ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين
وتزايد شدة الحصار لشمال غزه خلال الأسابيع الأخيرة، وهو الغضب الذي زادت حدته مع
تفريغ إحدى السفن الحاملة لأسلحة لإسرائيل حمولتها في ميناء الإسكندرية رغم رفض
عدة دول استقبالها، وتلا ذلك مرور سفينة حربية بقناة السويس تحمل العلم الإسرائيلي
وبجواره العلم المصري.
فاتجهت السلطات
المصرية لإخراج حدث جماهيرى يشغل حديث الناس ويصرفهم عن الحديث عن المشاركة في دعم
إسرائيل، فكان حكم عدم دستورية تثبيت إيجارات القديمة الذي يخص أصحاب أكثر من ثلاثة
ملايين مبنى بنظام الإيجار القديم، إلى جانب أولادهم وأحفادهم المتضررين من ثبات
القيمة الإيجارية منذ عقود، وتوارث عقود الإيجارات لأسر المستأجرين حتى الأحفاد، في
أن المحتاجين منهم للسكن لا يستطيعون الاستفادة من العقارات المملوكة لهم!
ولا حرج أن يتم
الأمر من قبل المحكمة الدستورية العليا، فهي المحكمة التي تم تعيين رئيس سابق لها
كرئيس مؤقت لمدة عام بعد انقلاب الجيش على الرئيس الشرعي المنتخب، كما تم تعيين
رئيس آخر لها كرئيس لمجلس الشيوخ حاليا إضافة لرئاستة لحزب بارز رغم عدم سابق خبرة
سياسية له بالمرة، وتعيين رئيس سابق لها كرئيس للبرلمان حاليا، وتعيين الرئيس الحالي
للمحكمة بعد استبعاد الرئيس السابق للمحكمة قبل انتهاء مدته لأسباب صحية، إلى جانب
تعيين رئيس هيئة القضاء العسكرى كنائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا في تموز/
يوليو 2022، في سابقة لم تحدث من قبل.
ثانيا- زيادة
إيرادات الموازنة: تمثل الضرائب على العقار أحد موارد الموازنة المصرية، ففي العام
المالي 2022/2023 بلغت حصيلة الضرائب من العقار 7.7 مليار جنيه، موزعة ما بين 1.8
مليار جنيه من ضريبة الثروة العقارية و5.9 مليار جنيه من ضريبة المباني، ولم تحقق
تلك الإيرادات الربط المستهدف لكل منها، حيث كانت نسبة تحقق إيرادات ضريبة الثروة
العقارية 86 في المائة وضريبة المباني 79 في المائة.
كما تحقق وزارة
المالية إيرادات أخرى تتعلق بالعقار منها رسوم نقل الملكية، وضريبة القيمة المضافة
على المقاولات وأعمال التشييد، وخدمات الاستشارات الهندسية، والدمغة على العقود،
ورسوم الشهر العقارى لعقود إيجارات الشقق وملكيتها.
ومن هنا فإن
زيادة إيجارات العقارات القديمة يمكن أن تساهم في إعادة استخدام الوحدات السكنية
المؤجرة والتي قام مستأجروها بإغلاقها، أو تدفع تلك الزيادات للإيجارات للتفاهم
بين المستأجرين والمُلاك على تركهم لها مقابل دفع الملاك مبالغ لهم، الأمر الذي
يتيح الاستفادة من جانب من الوحدات السكنية لتلبية الطلب في سوق العقار، والإسهام في
زيادة حصيلة الدولة من ضريبة الثروة العقارية والضريبة على المبانى وغيرها من
موارد الموازنة المتعلقة بالعقار، والتي منها أيضا ضريبة الدمغة على استهلاك الغاز
الطبيعي والكهرباء، وتقليل الفاقد الضريبي المتمثل في الإعفاءات الضريبية بقطاع
العقار، في ظل موازنة حكومية مصابة بالعجز المزمن.
فقد كانت تقديرات
العجز الكلي بموازنة العام المالي الحالي 2024/2025 نحو تريليون و243 مليار جنيه،
بمتوسط 311 مليار جنيه كل ربع عام، لكن نتائج الربع الأول من العام المالي الحالي أشارت
لبلوغ العجز الكلي 362 مليار جنيه بنمو 16 في المائة عن التقديرات.
عندما تتسبب زيادة إيجارات الشقق القديمة في فتح جانب من الشقق المغلقة، أو عودة جانب منها للمُلاك كي يتصرفوا فيها، فإن هذا يزيد من فرص إيجارها للأجانب سواء من السودانيين أو غيرهم، حيث تنتشر شقق الإيجار القديم في القاهرة والإسكندرية والمحافظات في مناطق وسط المدينة، وبعضها يقترب من نهر النيل سواء في القاهرة أو الجيزة والقليوبية، مما يزيد من الإقبال عليها من الخليجيين الذين يفضلون الإقامة في الشقق عن الفنادق كأُسر، وهو الأمر الذي يزيد مما تسميه شركات العقار بتصدير العقار
ثالثا- زيادة
الإيرادات الدولارية: في ضوء زيادة الطلب على العقار من قبل السودانيين الفارين
لمصر من الحرب الأهلية هناك، والذين ذكرت بيانات الأمم المتحدة بلوغ عددهم 1.2
مليون سوداني، تسبب ذلك في ارتفاع أسعار إيجارات الشقق بمصر لمعدلات غير مسبوقة. ويمثل
وجود السودانيين موردا دولاريا إضافيا، حيث يقومون بتحويل ما يصل إليهم من دولارات
من أقاربهم العاملين في الخارج إلى جنيهات مصرية للإنفاق على المعيشة، فهناك أكثر
من مليوني سوداني يعملون في الخارج؛ بلغت تحويلاتهم عام 2022 نحو 1.5 مليار دولار
بخلاف التحويلات غير الرسمية التي عادة ما تزيد عن قيمة التحويلات الرسمية.
وعندما تتسبب
زيادة إيجارات الشقق القديمة في فتح جانب من الشقق المغلقة، أو عودة جانب منها للمُلاك
كي يتصرفوا فيها، فإن هذا يزيد من فرص إيجارها للأجانب سواء من السودانيين أو
غيرهم، حيث تنتشر شقق الإيجار القديم في القاهرة والإسكندرية والمحافظات في مناطق
وسط المدينة، وبعضها يقترب من نهر النيل سواء في القاهرة أو الجيزة والقليوبية،
مما يزيد من الإقبال عليها من الخليجيين الذين يفضلون الإقامة في الشقق عن الفنادق
كأُسر، وهو الأمر الذي يزيد مما تسميه شركات العقار بتصدير العقار، سواء ببيع
الشقق أو تأجيرها للأجانب بالدولار، مما يزيد من الحصيلة الدولارية، خاصة مع صدور قرارات
جديدة تربط شراء العقار المصري بالحصول على الإقامة للأجانب، بل وإمكانية الحصول
على الجنسية المصرية في حالة شراء العقار بقيمة معينة، وهو أمر تسعى إليه شرائح من
السوريين واليمنيين وغيرهم.
رابعا- يساهم رفع
قيمة الإيجارات للعقارات القديمة في زيادة دخول أصحاب تلك العقارات وأولادهم، بعد
تضررهم لسنوات طويلة من ثبات القيمة الإيجارية وسوء الحالة المادية لبعضهم، مما
يقلل العبء على وزارة التضامن الاجتماعي التي تصرف مساعدات دورية لأصحاب الدخل
المحدود وكبار السن والمعاقين، وزيادة الطلب في الأسواق
المصابة بالركود، كما تساعدهم على الوفاء بفواتير المرافق التي زادت لدرجة دفعت
أستاذا بجامعة الأزهر ليدعو الناس لعدم دفعها.
كما تساهم تلك
الدخول في عودة ملاك العقار للإهتمام بصيانة العقارات بعد أن أهملوا ذلك لسنوات
طويلة، أملا في انهيار تلك العقارات وبناء مساكن جديدة عليها؛ يتم تمليكها أو
تأجيرها بالنظام الجديد للإيجار الذي بدأ عام 1996، والذي تتحرك به قيمة الإيجارات
حسب العرض والطلب، وتستفيد من الزيادة السنوية للإيجارات، أو تحولها إلى سكن مفروش
للحصول على عوائد أعلى.
x.com/mamdouh_alwaly