قضايا وآراء

كمال داود.. وقائع جائزة معلنة!

لا يتوقف كمال داود في مجلة "لوبوان" عن التماهي والترويج والتبرير لطروحات اليمين الفرنسي المتطرف، وبـ"هوس" خاص في موضوع الاستعمار الفرنسي للجزائر تحديدا.
مثلما توقعت في مقال سابق، هنا في "عربي21"، قبل نحو شهرين، فاز مؤخرا، الروائي الفرنسي ـ الجزائري كمال داود بجائزة "الغونكور" لهذا العام 2024، وهي أكبر جائزة أدبية فرنسية عن روايته "حور العين" (Houris). توقعي كان مبنيا على الدعاية والتلميع الكبير الذي حظي به داود في مختلف وسائل الإعلام الفرنسية، لروايته التي اختار لها عن قصد عنوانا دعائيا "حور العين" يدغدغ به كليشيهات قطاع واسع من الغربيين عن الإسلام والمسلمين. ومثلما كتبت فإن الجائزة كانت تبدو محسومة لكمال داود برعاية اللوبي الصهيوني الداعم لإسرائيل، وكمكافأة له بسبب موقفه الخاذل للشعب الفلسطيني المحتل، والاعتذاري والتبريري في المقابل للاحتلال الإسرائيلي وحرب الإبادة التي يقوم في غزة، والذي أخذ بعدا آخرا بعد 7 أكتوبر 2023، وخاصة في مقالاته بعموده بمجلة "لوبوان" اليمينية الفرنسية المناصرة للكيان الصهيوني.

وإلى جانب الاعتذارية للكيان، لا يتوقف كمال داود في مجلة "لوبوان" عن التماهي والترويج والتبرير لطروحات اليمين الفرنسي المتطرف، وبـ"هوس" خاص في موضوع الاستعمار الفرنسي للجزائر تحديدا.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مالك مجلة "لوبوان" هو الملياردير الفرنسي فرانسوا بينو، الذي كان التحق بجيش الاحتلال الفرنسي في الجزائر، وخدم فيه بين 1956 و1958.

يواصل الاحتلال الإسرائيلي جرائمه في الضفة الغربية المحتلة وبشكل أفظع في غزة، بينما كمال داود "بطل الدفاع عن المرأة المزعوم"، كما يقدم لا يهزه وضع النساء الكارثي في غزة جراء الهولوكست الإسرائيلي
وفي هذا السياق تشير الأستاذة الجامعية والناقدة الأدبية المعروفة، كريستيان شوليه عاشور في قراءة نقدية تفكيكية معمقة لرواية (حور العين) نشرتها في موقع "كولاتيرال" أن كمال داود يعمد مما يعمد في الرواية لـ"محاولة كتابة تاريخ الحرب الأهلية بين الجزائريين على أنها أكثر دموية بكثير من الحرب ضد فرنسا المستعمرة. ويفضل الروائي تقنيتين: التركيز والتكرار".

وقد حصل كمال داود على الجنسية الفرنسية بقرار رئاسي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 2020، رغم أنه لا يحقق شروط الإقامة الدائمة الطويلة في فرنسا. وغادر داود مدينة وهران الجزائرية، قبل سنتين، ليقيم في فرنسا. وفي أغسطس الماضي قال لمجلة "لوبوان": "أنا أتعرّض للهجوم في الجزائر لأنني لست شيوعياً، ولا ملتزماً بمناهضة الاستعمار، ولا معادياً لفرنسا".

وذهب كمال داود إلى حدّ القول، في إشارة إلى الشاعر غيوم أبولينير الذي ولد في بولندا وتجنّس في ذروة الحرب العالمية الأولى، "أنا مصاب بمتلازمة أبولينير، أنا فرنسي أكثر من الفرنسيين"!

أية قيمة أدبية؟

كمال داود كاتب جيد لغويا لا اختلاف حول ذلك حتى وإن اختلفنا معه فكريا لا يمكن إنكار قدراته الكتابية.. لكن الحديث عن حصوله على جائزة "غونكور" للقيمة الأدبية لرواية "حور العين" فيه مبالغة وتزييف، فالأجندة السياسية والإيديولوجية للكاتب، ولرعاته في فرنسا هنا أكثر من مفضوحة.

سأخصص مستقبلا مقالا لقراءة أدبية بشيء من التفصيل لرواية "حور العين"، التي وجدتها ممططة ومنمطة، ومليئة بالكليشيهات والتناقضات وبالحشو بأكثر من 400 صفحة.. وأدبيا ليست بقيمة روايته مثلا "ميرسو .. تحقيق مضاد" أو "زابور" على كل ما فيها من حشو كذلك.. فكمال داود يتخذ، في مونولوغ طويل، بطلة روايته، التي أسماها "فجر" كقناع فقط ليمرر رسالته ورسالة رعاته وعرابيه بكل تهافتها، ويخوض في طروحات فكرية ودينية وتصفية حسابات تاريخية (مع ثورة التحرير الجزائرية من الاستعمار الفرنسي) أكبر من بطلته الحلاقة، التي يقول في روايته إنها توقفت عن الدراسة في المرحلة الثانوية بسبب حصولها على علامة صفر في تاريخ الجزائر، والدليل هنا أكبر من معبر حتى لا نقول مديناَ!

هل "سرق" الرواية؟

وقد فجرت سيدة جزائرية جدلا كبيرا باتهام كمال داود بسرقة واستغلال قصتها الحقيقية في روايته "حوريات" (الأدق "حور العين") التي فاز من خلالها بجائزة "الغونكور".

وأكدت السيدة سعادة عربان في مقابلة مع قناة جزائرية أنها تعرف كمال داود شخصيا وزوجته الطبيبة النفسية، التي كانت تعالجها لسنوات، وأنها رفضت طلبا من الكاتب وزوجته لرواية قصتها، لتكتشف لاحقا ـ حسبها ـ أنه "استغل قصتها مع تحويرات في الأمكنة والأحداث في روايته، لكن عدة فقرات تحيل بوضوح إليها". واتهمت سعادة زوجته بـ"إفشاء سرّها الطبي الذي تتكتم عنه".

وأكدت سعادة على أن قصتها تتقاطع بتفاصيل كثيرة مع قصة بطلة رواية داود، التي أسماها "فجر"، وهي فتاة نجت (مثل سعادة)، وهي في الخامسة من العمر من عملية ذبح خلال هجوم إرهابي في الجزائر أثناء ما سميت بالعشرية السوداء.

 ويبدو مدهشا هنا فعلا أن يتم تقديم كمال داود في فرنسا على "أنه كسر تابوهات" كبيرة، وكأنه هو الأول والوحيد الذي تناول موضوع "الحرب الأهلية في الجزائر"، وأنه تحدى القانون الجزائري الذي يمنع ذلك (كما أشير لذلك في بداية الرواية)، رغم أن عشرات الروايات والكتب تناولت هذا الموضوع "حد التخمة" منذ تسعينيات القرن الماضي.. وكنموذج مثلا روايات ياسمين خضرة، واسمه الحقيقي محمد مولسهول، وهو ضابط سابق في الجيش الجزائري، والذي يقول إنه عمل في الميدان في مواجهة الجماعات الإرهابية.

طبعا يجب أن أؤكد أنني ضد قرار منع دار "غاليمار" الفرنسية (ناشرة رواية كمال داود) من المشاركة في معرض الجزائر الدولي للكتاب مؤخرا، وقد قدم ذلك خدمة دعائية له وللإعلام الفرنسي الداعم له، الذي سارع للقول إن ذلك راجع للقانون الجزائري الذي يمنع الخوض في جراح عشرية الإرهاب السوداء في تسعينيات القرن الماضي.

"بطل" الدفاع عن المرأة الذي "ضرب زوجته السابقة بعصا"!

المفارقة في المقابل أن كمال داود، الذي يقدم في فرنسا على أنه بطل الدفاع عن الحريات، لم يرفع صوته للتنديد بقمع الحريات الحاصل منذ سنوات في ما تسمى بـ"الجزائر الجديدة" بل وبرر ذلك بمهاجمة وشيطنة الحراك الشعبي السلمي في الجزائر، وكان يحاور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مجلة "لوبوان" الفرنسية في حوار ناعم جدا (أقرب إلى الدعاية) ولم يجرؤ على طرح سؤال حول هذا الموضوع!

كما يُقدم كمال داود بكثير من الدعاية في فرنسا، وكأنه هو المدافع الوحيد عن المرأة، رغم أنه متهم في الجزائر بالاعتداء بعصا على زوجته السابقة!

ووجب التذكير هنا أن اسم كمال داود (الإسلاموي السابق!) ارتبط بفضيحة مقاله عن "هجوم مدينة كولون الألمانية" في ليلة رأس سنة 2016، والذي زعم فيه أن هجوما جماعيا جنسيا (شمل اغتصابات) لعشرات اللاجئين ومهاجرين مسلمين ضد ألمانيات، وأن ذلك يعبر عن "البؤس الجنسي للمسلمين ونظرتهم للمرأة". واللافت أن مجموعة من المثقفين الغربيين انتقدوا في عريضة مقال دواد واعتبروه ترويجا لطروحات إسلاموفوبية عنصرية يشجعها ويرعاها اليمين العنصري (المعادي تاريخيا لليهود). وقد اتضح لاحقا أن ما طرحه كمال داود لم تكن إلا أكاذيب وأن تحقيقا ألمانيا كشف عن عدم وجود أية اعتداءات جنسية تلك الليلة، إنما أكاذيب روجها اليمين العنصري المتطرف وقام داود بتدويرها!

ورغم هذا واصل كمال داود العزف على هذا الوتر، والحديث عن المرأة في العالم العربي والإسلامي بكثير من المبالغات فيما يخص الجزائر، حيث زعم في قناة فرنسية أنه يتم إجبار الفتيات في الجزائر عند بلوغهن الـ 18 على الزواج، وعدم مواصلة دراستهن، وهذا كذب مفضوح!

لا يمكن أن يكون كمال داود مرجعا له مصداقية في مزاعم الدفاع عن المرأة، مثلما كتب الكاتب الصحافي الفرنسي جاك ماري بورجيه في أكتوبر 2022 في مقال في موقع "لوسوار" عنونه بـ" عندما ضرب كمال داود صديق ماكرون زوجته السابقة"!، وتحدث فيه عن القضية التي رفعتها زوجة كمال داود السابقة التي تتهمه فيها بضربها بعصا!
ولا يمكن أن يكون كمال داود مرجعا له مصداقية في مزاعم الدفاع عن المرأة، مثلما كتب الكاتب الصحافي الفرنسي جاك ماري بورجيه في أكتوبر 2022 في مقال في موقع "لوسوار" عنونه بـ" عندما ضرب كمال داود صديق ماكرون زوجته السابقة"!، وتحدث فيه عن القضية التي رفعتها زوجة كمال داود السابقة التي تتهمه فيها بضربها بعصا!

وكان الصحافي الفرنسي جاك ماري بورجيه (81 عاما)، أصيب، في 2000 في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، بجروح خطيرة برصاصة أطلقها جندي من الجيش الإسرائيلي، بينما كان يقوم بتغطية صحافية هناك. وقد منعت سلطات الاحتلال في البداية وصوله إلى مستشفى القدس ثم رفضت السماح له بالعودة إلى فرنسا، قبل أن يتدخل الرئيس الفرنسي، حينها جاك شيراك شخصيا. وبعد عامين من العلاج وإعادة التأهيل، بدأ بورجيه معركة قانونية طويلة استمرت 18 عامًا. قبل أن تعترف إسرائيل بجريمتها وتقوم بتعويضه كضحية لعمل ينتهك القانون الإنساني الدولي.

التبرير لإسرائيل ومهاجمة ريما حسن والمدافعين عن فلسطين

ويواصل الاحتلال الإسرائيلي جرائمه في الضفة الغربية المحتلة وبشكل أفظع في غزة، بينما كمال داود "بطل الدفاع عن المرأة المزعوم"، كما يقدم لا يهزه وضع النساء الكارثي في غزة جراء الهولوكست الإسرائيلي، حيث إن غالبية ضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة هم من النساء والأطفال، وقد فاق عدد الشهداء الـ50 ألفا، بينما قدرت مجلة "لانسيت" الطبية العالمية المرجعية عدد الشهداء في يوليو 2024 عند 186 ألفا طبقا لأكثر السيناريوهات تفاؤلا. والعدد الآن ربما فاق الـ200 ألف مع استمرار، بل زيادة المجازر الإسرائيلية في عزة، أي ما يعادل نحو 10 بالمئة من سكان القطاع المحاصرين والمشردين والمجوَّعين.

ولا يتوقف كمال داود هنا عن التبرير لإسرائيل، بل التهجم على من يتضامنون ويناصرون فلسطين، وقد شارك في مجلة "لوبوان" اليمينية الصهيونية المتطرفة ضمن حملة شملت أذرع إعلامية صهيونية ويمينية متطرفة فرنسية أخرى ضد عضوة البرلمان الأوروبي (عن حزب فرنسا الأبية اليساري)، المحامية الفرنسية من أصل فلسطيني ريما حسن، التي برزت كواحدة من أشجع الأصوات التي عرت الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه.

كما هاجم داود رئيس حزب فرنسا الأبية جان لو ميلنشون، الذي يصفه تهكما بـ"الشيخ ميلينشون"، وزعم بأن الأخير يستهدف أصوات الناخبين المسلمين في فرنسا، وذهب داود للتساؤل: "هل مسلمو فرنسا هم أغبياء حزب فرنسا الأبية اليساري المفيدين""؟ وتحدث داود عن وجود "تصويت لمسلمي فرنسا يعتمد على أساس "معاداة السامية، والرغبة في تدمير دولة إسرائيل" و"الكراهية المزعومة للحضارة الفرنسية والغربية". في المقابل قام داود بالإشادة بمليكة سورال، النائبة في البرلمان الأوروبي عن حزب التجمع الوطني اليميني العنصري، وهي جزائرية الأصل، واسمها الأصلي مليكة معيوف، وهي "لوبانية" في طرحها أكثر من رئيسة الحزب اليميني المتطرف مارين لوبان، التي ورثت الحزب عن والدها جان ماري لوبان، مجرم الحرب الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، والمدان في قضايا الكراهية ومعاداة السامية!

*كاتب جزائري مقيم في لندن