نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" الأمريكية تحقيقا مصورا، مرفقا بلقطات فيديو احتفالية للجنود الإسرائيليين في
غزة، بعنوان: "انتقام، نيران ودمار: عام من أشرطة فيديو للجنود الإسرائيليين من غزة". شارك في إعداده والتحقّق من الأشرطة كل من: لافدي موريس، وسارة كهلان، وجوناثان باران، ولويزا لافلاك.
وجاء في التحقيق الذي ترجمته "عربي21": "مع انسحاب وحدتهم من شمال غزة، أواخر العام الماضي، أطلق جنود الاحتياط الإسرائيليون من كتيبة النقب 9208 قذائف من الدبابات ونيران المدافع الرشاشة على ما كان في السابق منطقة سكنية".
وتابع: "نشر جندي من الوحدة مقطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، يوثّق القصف الذي استمر أربع دقائق، مصحوبا بأربعة رموز تعبيرية لإطلاق النار. فيما حذّر في نظام الاتصالات عبر الفيديو وقبل إعطاء الأمر بالتفجير: من الآن فصاعدا، سيفهم أي شخص يريد العبث معنا أن هذه ستكون النتيجة".
وأضافت الصحيفة أنه "خلال 14 شهرا، منذ إطلاق القوات الإسرائيلية عملية الغزو ضد غزة، أظهرت الصور ولقطات الفيديو المنشورة على مواقع التواصل الجنود، وفي أكثر من مرة، وهم يدمّرون بنايات بأكملها، بما في ذلك المنازل والمدارس، فضلا عن نهبها وإحراقها".
وبحسب المصدر نفسه، تظهر صور أخرى جنودا إسرائيليين يقفون بجوار الشهداء، ويدعون إلى إبادة وطرد الفلسطينيين. وما يجمع معظم هذه الصور هو موضوع "الانتقام" من غزة، بسبب هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر التي شنتها حماس على دولة
الاحتلال الإسرائيلي، ردّا على سنوات طويلة من العدوان.
إلى ذلك، نشر الجنود الإسرائيليون، وفق التحقيق، آلاف الصور ومقاطع الفيديو من قلب ساحة المعركة، وسجّلوا أفعالهم في الحرب، وبثّوها على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أمرت الجنود بعدم تصوير ونشر مقاطع فيديو "انتقامية"، فإنهم لا يزالون ينشرونها. وكانت النتيجة مخزنا من المواد، تعطي صورة نادرة، لكنها مقلقة حول تصرف عناصر جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال واحدة من أكثر الحروب دموية وتدميرا في الذاكرة الحديثة.
إثر ذلك، تحقّقت "واشنطن بوست" من أكثر من 120 صورة ومقطع فيديو للحرب في غزة، نشرت ما بين تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وتشرين الأول/ أكتوبر 2024، وسجّل معظمها جنود، أو تمّت مشاركتها علنا على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتظهر الصور جنودا يفجرون أو يشعلون النار في المباني، وغالبا ما يحتفلون بالتدمير. كما تظهرهم وهم يحتلون المباني المدمرة، ويسخرون من الفلسطينيين، ويدعون لإعادة المستوطنين إلى غزة.
وفي السياق نفسه، أجرت الصحيفة مقابلات مع سبعة جنود حول تجربتهم في غزة، وقامت بفحص تصريحات القادة العسكريين العلنية، حيث تمثل المواد البصرية والشهادات "صورة عن الحرب"، التي ارتكب فيها الجنود أعمالا متجاوزة في ساحات القتل، وفي بعض الأحيان حرق البيوت، حيث قالوا إنهم كانوا يتبعون الأوامر.
وعقب مشاهدته لمقاطع الفيديو التي أكدت "واشنطن بوست" صحّتها، قال الأستاذ الذي ساعد في كتابة مدونة أخلاقيات جيش الاحتلال الإسرائيلي، آسا كاشير: "إنه انهيار ليس فقط للانضباط العسكري، بل إنه انقطاع في فهم ما يلزم لتمثيل الجيش الإسرائيلي وإسرائيل".
كذلك، شاركت "واشنطن بوست" مقاطع فيديو تم التحقق منها، مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي قال إنه أجرى "حوارات تأديبية" مع بعض الجنود المتورطين بسبب حوادث "انحرفت عن قيم الجيش ومبادئه، وتناقضت مع اللوائح". فيما لم يقدم أي تفاصيل أخرى.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه "إذا كان وجد شبهة سوء السلوك الجنائي، فإنه يتم إحالة الحالات إلى الشرطة العسكرية"، ووصف مثل هذا السلوك بأنه "حوادث استثنائية".
وتقول الصحيفة، إنّ "الجيش حاول فرض قيود صارمة على مقاطع الفيديو المثيرة للجدل، وسط مخاوف من أنها قد تساهم في التحقيقات الجارية بشأن إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية".
وفي رسالة إلى القادة في شباط/ فبراير، حثّ رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، هيرتسي هاليفي، الجنود على "عدم نهب أو تصوير مقاطع فيديو انتقامية".
وقال بعض الجنود الذين تحدثوا إلى "واشنطن بوست"، إنّ "تصرفات زملائهم الجنود جعلتهم يشعرون بعدم الارتياح". وقال طبيب عسكري يبلغ من العمر 26 عاما نقل إلى خانيونس لمدة شهرين في كانون الأول/ ديسمبر، يوفال غرين، إنه واجه جنودا مدفوعين بالتعصب الديني أو الرغبة في الانتقام. وكانوا على معرفة بأشخاص ماتوا في أثناء هجوم حماس.
وقال غرين، إن "هذه الدوافع أخبرتهم أنه يجب عليهم تدمير غزة والتسبب بالضرر"، مضيفا أن "الأفعال من المفترض أن تخدم غرضا عسكريا، لكن كل شيء ممتزج بالعاطفة".
من جهته، ردّد جندي الاحتياط في لواء القدس التابع لوحدة متمركزة على ممر نتساريم، مايكل زيف، ذو 29 عاما، نفس الرأي، بالقول "إنك تشعر بهذا الشعور القوي للغاية بالانتقام من الجميع". مضيفا أن "نظام الانضباط الذي من المفترض أن يحمل الجنود المسؤولية، لا يعمل".
إلى ذلك، قال خبراء قانونيون راجعوا مقاطع الفيديو التي جمعتها "واشنطن بوست"، إنّ "الجنود في أكثر الحالات فظاعة يسجلون فعليا أدلة على انتهاكات محتملة للقانون الإنساني الدولي".
وعلّقت بروفسورة القانون بجامعة ميلان، والمستشارة بالجرائم الدولية في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، والتي راجعت الأدلة بطلب من الصحيفة، شانتال ميلوني: "من بين المخاوف التي تثيرها مقاطع الفيديو هو التدمير غير المتناسب للبنية التحتية المدنية".
وأوضحت الصحيفة أن العديد من الجنود الأفراد الذين نشروا مقاطع فيديو وصور على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يستجيبو أو رفضوا طلبات التعليق. لكن البعض لم يعتذروا، أو قالوا إنهم لا يعتقدون أن الجنود يسخرون أو يهينون أحدا.
وقال الجندي الذي نشر مقاطع فيديو تظهر تفجير ما لا يقل عن عشرات المباني في غزة العام الماضي، شمعون زكرمان، إن "الجيش طلب منه التوقف عن النشر عبر الإنترنت في وقت سابق من هذا العام". مردفا: "لقد التقطت هذه المقاطع لرفع معنويات الناس في البيوت، ولست نادما على ذلك ولو للحظة".
وتحقّقت الصحيفة من مقاطع فيديو وصور متعددة أظهرت جنودا يشعلون النيران في المباني أو يقفون أمام منازل مشتعلة، وهي حوادث امتدت من بيت حانون في الشمال إلى خانيونس في الجنوب. إذ تتوافق الأدلة المرئية مع شهادات الجنود الذين وصفوا في حوادث منفصلة تلقيهم تعليمات بحرق منازل خاصة، ومن الفلسطينيين الذين يقولون إنهم عادوا إلى أحيائهم ليجدوا شققا محترقة.
وقال غرين: "كنا نترك منزلا، وكانوا يخبروننا عندما نخرج منه أن نحرقه". وعندما سأل قائده عن الغرض من هذه السياسة، قيل له إن السبب هو أن المعدات العسكرية التي يتركها الجنود وراءهم يمكن أن تقدم معلومات للعدو.
ووصف كيف أشعل الجنود النيران: "قليل من البنزين على تلك الفرش، وسوف تحترق، سيستغرق الأمر بعض الوقت، لكن كل شيء يحترق". وأخبر قائده أنه إذا استمر الحرق، فسوف يغادر.
وتابع: "غادرت في اليوم التالي". فيما شرح جندي آخر يبلغ من العمر 22 عاما، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، بالتفصيل كيف كان الجنود يشعلون النار في المنازل، وهي ممارسة قال إنها حدثت "منذ بداية الحرب".
وأوضح: "طلب منا أن نحرق كل بيت عليه علامة لحماس، لكن حماس هي القوة الرئيسية في غزة، ومعظم البيوت عليها علم حماس أو صورة هنية"، في إشارة لرئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، الذي اغتيل في تموز/ يوليو. أما في البيوت التي علقت فيها صورة ياسر عرفات، فقد كان للجنود "خيار حرقها".
وأبرز أنّ "الوحدة حرقت على الأقل 20 بيتا خلال خمسة أشهر من خدمته". وبرّر الجيش أن "الحرق كان في ظروف تبرّرها الضرورات العسكرية".
وكان الجنود يجمعون عفش المنزل في غرفة، ثم يرشونها بمادة مشتعلة، ويشعلون الناس. وقال الجندي: "كانوا يستمتعون بعمل هذا، وعندما تقضي الكثير من الوقت هناك، تتوقف عن التفكير في الفلسطينيين الذين يعيشون في هذا المنزل، وفي الفلسطينيين الذين سوف يعيشون هناك في المستقبل".
ويظهر مقطع فيديو نشر في شباط/ فبراير منزلا يحترق من الداخل. ويقول شخص ما خارج الكاميرا: "كل شيء سوف يحترق". وعندما سئل الجيش إن كان حرق بيوت المدنيين مسموح به في غزة، أجاب أن الهجوم هو لبنية حماس والأهداف العسكرية الأخرى.
وتحولت مساحات واسعة من غزة وعلى مدار العام الماضي والحالي إلى أنقاض، إما بسبب الغارات الجوية أو الجرافات العسكرية. وقال أحد الجنود في مقطع فيديو نشر في كانون الثاني/ يناير، قبل أن ينفجر المبنى متعدد الطوابق خلفه في سحابة من الغبار: "لا يوجد سوى حل واحد لغزة".
وبحسب تقييم أجرته الأمم المتحدة في غزة، فإن نسبة 66 في المئة من مباني غزة تضررت، بما في ذلك 227,591 منزلا تقريبا. وقال زكرمان، الذي يعمل ضمن طاقم هندسي تابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي مكلف بإجراء تفجيرات محكومة، إن المباني لم يتم تفجيرها إلا إذا كانت مفخخة أو اعتبرت "بنية تحتية إرهابية".
غير أن جنودا آخرين تحدثوا لـ"واشنطن بوست"، قالوا إنهم غالبا ما لم يفهموا الغرض العسكري من التفجيرات. وتظهر صور أخرى تم التحقق منها من قبل الصحيفة جنودا يقيمون معسكرا في منازل مهجورة، ويخربون الممتلكات، ويلتقطون الصور مع الملابس الداخلية المسروقة من النساء الفلسطينيات. وفي بعض الأحيان، استخف الجنود بالدمار واسع النطاق.
وتظهر مجموعة من مقاطع الفيديو التي تم التحقق منها من قبل الصحيفة جنودا يطرقون الأبواب أو يقرعون أجراس الأبواب، ثم يستديرون ليسألوا الكاميرا عن مكان الجميع، ثم يبتعدون لإظهار أنها دمرت.
واستخدمت
جنوب أفريقيا بعضا من أشرطة الفيديو في ملفها الذي قدمته لمحكمة العدل الدولية، واتهمت فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب إبادة جماعية في غزة. ويقول الخبراء إن مقاطع الفيديو التي تصور سوء معاملة المعتقلين والجثث تثير أيضا مخاوف بموجب القانون الدولي.
وفي بداية كانون الأول/ ديسمبر، تم اعتقال مجموعات كبيرة من الرجال الفلسطينيين في عملية اعتقال جماعي في بيت لاهيا شمال غزة. وتم توثيق الاعتقالات في عدة مقاطع فيديو. وظهر في أحدها، أكثر من 100 فلسطيني راكعين على الطريق وأيديهم خلف رؤوسهم في برد الشتاء.
ويخبر جندي إسرائيلي الرجال أن جيش الاحتلال الإسرائيلي "يهدم غزة"، ويعمل على احتلالها بالكامل. "هذا ما تريدونه؟ هل تريدون حماس معكم؟". وقال مارك إليس، الخبير في القانون الجنائي الدولي والمدير التنفيذي لنقابة المحامين الدولية، إن الفيديو "فظيع بشكل خاص"، مستشهدا بحقيقة مفادها أنه بموجب قوانين الحرب يجب حماية المعتقلين من أعمال العنف والمعاملة المهينة، بما في ذلك التعرض للإهانات وإثارة "فضول الجمهور".
أيضا، علّق المدير التنفيذي للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، فرناندو ترافيسي، بأن الفيديو يبدو أنه ينتهك القوانين الإنسانية الدولية التي تلزم المقاتلين بمعاملة جثث الموتى باحترام.
وفي مقاطع فيديو أخرى التقطت في غزة، دعا الجنود إلى عودة المستوطنين الإسرائيليين إلى غزة، أو طرد الفلسطينيين. وهو ما ظهر في مقطع فيديو يعود إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وتعهد جندي بأن كتيبته لن تتوقف حتى تكمل ما يقول إنه مهمتها "الغزو والطرد والاستيطان". وعرض مقطع من الفيديو خلال حفل افتتاح مؤتمر انتصار "إسرائيل" في كانون الثاني/ يناير، وهو المؤتمر الذي دعا إلى "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين في غزة.
وتضمن خطابات من ساسة اليمين المتطرف وقادة المستوطنات، بمن فيهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. كما يظهر الجندي في صورة من غزة تم التحقق منها من قبل "واشنطن بوست" وظهر وهو يحمل علما إسرائيليا مزينا بكلمات "العودة إلى الوطن" - شعار حركة إعادة التوطين.