بعد مطالبة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد
ترامب، أمس الاثنين، بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع
غزة "فوراً" قبل 20 كانون الثاني/ يناير القادم. يسأل البعض عن ما يهدد به ترامب الشرق الأوسط.
ففي منشور على حسابه عبر منصة "تروث سوشيال"، قال ترامب: "الجميع يتحدثون عن الأسرى، الذين يتم احتجازهم ضد إرادة العالم أجمع في الشرق الأوسط، إلا أن كل هذا مجرد كلام ولا يوجد فعل!".
وهدد ترامب قائلاً: "إذا لم يتم إطلاق سراح الأسرى قبل 20 يناير 2025، وهو التاريخ الذي أتولى فيه بفخر منصب رئيس الولايات المتحدة، فسيكون هناك جحيم يدفع ثمنه في الشرق الأوسط".
واعتبارا من 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، يتوجه ترامب وحكومته الجديدة لإدارة البلاد، بعد فوزه الشهر الماضي على مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية.
واختتم ترامب بالقول: "سيتعرض المسؤولون عن هذه الفظائع لضربة أقوى من أي ضربة شهدها التاريخ الطويل والحافل للولايات المتحدة... أطلقوا سراح الأسرى الآن!".
وبعد هذا التهديد٬ يطرح السؤال؛ هل من الممكن أن يستغل ترامب
القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط في تنفيذ هذا التحذير؟ وهو ما يدفعنا للحديث عن الدور الذي تقوم القواعد العسكرية في المنطقة.
30 ألف جندي
يتمركز نحو 30 ألف جندي أمريكي بشكل دائم في عشرات القواعد العسكرية المنتشرة في أكثر من 15 دولة في الشرق الأوسط وفقًا لأرقام وزارة الدفاع الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، تتغير أعداد الجنود بحسب المناسبات والظروف، مع وجود ترسانة ضخمة من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة.
كما تتواجد الأساطيل الحربية الأمريكية بشكل دائم في المياه المحيطة بالمنطقة، مع تعزيزات مؤقتة في أوقات التوتر والأزمات.
وخلال فترة ولاية الرئيس السابق باراك أوباما بين عامي 2008 و2016، اتجهت الولايات المتحدة نحو تخفيض وجودها العسكري في الشرق الأوسط، حيث انخفض عدد القوات الدائمة من 74 ألفاً في عام 2008 إلى 28 ألفاً في عام 2016.
ولم يكن الرئيس السابق دونالد ترامب متحمساً للعمليات العسكرية الخارجية. لكن الأزمة المتصاعدة مع إيران منذ عام 2019 أجبرت الولايات المتحدة على تعزيز قواتها مجدداً للحفاظ على مصالحها في المنطقة.
ومنذ عام 2019، دعمت أمريكا استراتيجية التركيز على القوات الجوية والبحرية وفرق المارينز، في حين قلصت عدد قواتها البرية في المنطقة.
وتحصل القوات الأمريكية على تسهيلات واسعة تشمل المناورات العسكرية المشتركة، وحق استخدام المجال الجوي والموانئ والمطارات والمعسكرات، بالإضافة إلى خدمات الوقود والصيانة وتخزين الأسلحة في معظم دول المنطقة. هذه التسهيلات تمنح القوات الأمريكية حرية ومرونة كبيرة في الحركة برا وجوا وبحرا.
حماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية
تهدف الولايات المتحدة من وجودها العسكري إلى حماية مصالحها في المنطقة، والقضاء على ما تسميه "الجماعات الإرهابية"، ودعم حلفائها الإقليميين، وإجراء التدريبات والمناورات العسكرية وتقديم المشورة. كما تعمل على تأمين تدفق المساعدات العسكرية الحيوية للاحتلال الإسرائيلي.
كما دعمت أمريكا وجودها العسكري في المنطقة بأساطيل حربية ضخمة، منها الأسطول السادس في البحر المتوسط، والأسطول السابع في المحيط الهندي وبحر العرب. تتمركز هذه الأساطيل بشكل دائم في البحار المحيطة بالمنطقة، وتحمل ترسانة كبيرة من الأسلحة، وتضم قوات بحرية وبرية وجوية.
وعززت واشنطن هذا العدد دعمًا للاحتلال الإسرائيلي بعد معركة "طوفان الأقصى" التي استهدفت مستوطنات غلاف غزة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بنشر حاملة الطائرات الهجومية "يو إس إس جيرالد فورد"، التي ترافقها قوة بحرية تضم نحو 5 آلاف من جنود البحرية ومجموعة من الطائرات الحربية والطرادات والمدمرات.
كما ألحقت بحاملة الطائرات "آيزنهاور"، التي تعمل بالطاقة النووية وتحمل على متنها حوالي 5 آلاف جندي. يمكن لحاملة الطائرات حمل ما يصل إلى 9 أسراب من الطائرات، بما في ذلك مقاتلات وطائرات هليكوبتر وطائرات استطلاع، بالإضافة إلى الطرادات ومدمرات الصواريخ.
وأرسلت الولايات المتحدة أيضًا إلى المنطقة 900 عنصر من وحدات التدخل السريع، بهدف دعم جهود الردع الإقليمية وتعزيز قدرات حماية القوات الأمريكية. وضعت نحو 2000 فرد في حالة استعداد عالية للانتشار، وعززت أنظمة الدفاع الصاروخي في المنطقة.
الميزة العسكرية الأمريكية وتأثيراتها
ووفقا لدراسة المقدم في القوات الجوية الأمريكية٬ والزميل العسكري في معهد واشنطن٬ ناثان أولسن٬ فتتمثل أكبر ميزة عسكرية دائمة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في إمكانية الوصول وبناء القواعد والحق في عبور المجالات الجوية.
حيث يمتلك الجيش الأمريكي جنود ينتشرون في جميع أنحاء المنطقة ويشاركون في التعاون الأمني مع الشركاء الإقليميين. غالباً ما يضمن الوجود العسكري الكبير إمكانية وصول الولايات المتحدة إلى القادة العسكريين والمدنيين الرئيسيين، مما يسمح بالحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية في أوقات التوترات الدبلوماسية أو الاقتصادية.
وأضافت الدراسة أن الولايات المتحدة، تتمتع بفضل العلاقات المبنية عبر الأنشطة العسكرية الإقليمية، بقدرة لا تضاهى على الحصول على تصاريح سريعة لإمكانية الوصول وعبور المجالات الجوية.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، إمكانية الوصول المباشر إلى قناة السويس التي تمنحها الحكومة المصرية غالباً للبحرية الأمريكية لتمكينها من المرور العاجل. هذا يمكن القوات الأمريكية من إجراء مجموعة واسعة من المهمات في المنطقة خلال مهلة قصيرة.
تبديد الشكوك وتعزيز الشراكات
ويرى الباحث أن المستقبل يعتمد على إمكانية وصول الولايات المتحدة وبناء قواعدها وحقها في عبور المجالات الجوية في المنطقة على نجاحها في تبديد الشكوك حول التزامها المستمر بأمن شركائها. لذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى بذل المزيد من الجهود لاحتواء الأنشطة الإقليمية والنووية لإيران، ومساعدة شركائها على الرد بالمثل على الأعمال العدوانية. هذا يتطلب إقامة شراكات حقيقية كما هو موضح في "استراتيجية الأمن القومي" لإدارة بايدن.
قواعد مدى الحياة
في العقد الأخير من القرن العشرين، تحول الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط إلى طابع دائم ومنظم، مع إنشاء قواعد عسكرية تضم قوات دائمة، بدلاً من التسهيلات المؤقتة التي كانت محدودة النطاق.
وشكلت حرب الخليج الثانية عام 1991 نقطة تحول رئيسية، حيث نشرت الولايات المتحدة أكثر من 500 ألف جندي في السعودية ضمن عملية "درع الصحراء"، التي شارك فيها إجمالاً 697 ألف جندي أمريكي، وفقاً لبيانات وزارة الدفاع الأمريكية.
وأدت هذه التحولات إلى تمكين الولايات المتحدة من إنشاء قواعد عسكرية استراتيجية في المنطقة، ما أتاح لقواتها تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق، تشمل الهجمات البرية والبحرية والجوية.