سياسة دولية

كاتب بريطاني يتّهم بايدن وكير ستارمر بتدمير القانون الدولي لحماية الإبادة ضد الفلسطينيين

اتفاقية الإبادة الجماعية تصف على وجه التحديد أشكال الإبادة الجماعية- جيتي
اتّهم الكاتب البريطاني، جوناثان كوك، كلّا من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، بتدمير القانون الدولي لحماية الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

وفي مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" قال كوك: "عندما يتم فضح كل شيء، ينتصر أكبر الكذابين، وهذا هو المستقبل القاتم الذي ينتظرنا". في إشارة لما يتعرّض له الغزّيون من إبادة جماعية على يد الاحتلال الإسرائيلي، ومطالب وقف إطلاق النار التي لم يتم الاستجابة لها، منذ أكثر من عام كامل.

وبحسب المصدر نفسه، عزّز الساسة الغربيون ووسائل الإعلام ما وُصف بـ"عمليات الشيطنة"؛ لإصرارهم على أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تشنّ حربا مشروعة "دفاعية"، بأهداف محدودة، وهي: "القضاء على حماس وتحرير بضع عشرات من الأسرى الإسرائيليين المتبقين في غزة".

وتابع: "كان يجب أن يتم محو الصورة الكبرى من المشهد، وهي أن إسرائيل هدمت كل البنى التحتية في غزة التي يحتاجها الناس للبقاء على قيد الحياة. وأنها  قصفت الفلسطينيين في أي مكان لجؤوا إليه، وذبحت عشرات الآلاف من المدنيين، وربما مئات الآلاف، وجوّعت بشكل فعال السكان من خلال منعها وصول المساعدات".

ووفق المقال ذاته، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تغافلت عن كل هذا، قد فشلت في إحداث أي تأثير ملموس على قدرة حركة حماس القتالية، ومن المؤكد أنها: "عرّضت حياة الأسرى للخطر، بحملات القصف العشوائية التي شنّتها".

وبعد مرور 14 شهرا، وجّهت المحكمة الجنائية الدولية ضربة قوية لرواية الاحتلال الإسرائيلي المليئة بالأكاذيب والخداع، فضلا عن تواطؤ النخب الغربية. فيما أصدر قضاة المحكمة، الشهر الماضي، مذكرات اعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير حربه السابق، يوآف غالانت. 

وبعد ستة أشهر من التأخير، وافقت المحكمة الجنائية الدولية وسط حالة من الترهيب غير المسبوقة، على محاكمة الرجلين في لاهاي، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك استهداف المدنيين، واستخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب.

وإذا وطئت قدما الرجلين أرض أي من الدول الأعضاء الـ 124، بما فيها: بريطانيا وكل أوروبا، فإنها سوف تكون ملزمة باعتقالهما ونقلهما إلى لاهاي.

وقال كوك؛ إنّ "المذكرات من الجنائية الدولية ستعزز موقف محكمة العدل الدولية، التي قالت؛ إن أفعال إسرائيل في غزة ينطبق عليها تعريف الإبادة الجماعية. ومن الواضح أن الجدران تضيق على إسرائيل ويضيق الخناق على كل من ساعدوا على جرائمها، بمن فيهم الساسة الغربيون والمؤسسة الإعلامية".

ويرى أنّ: "هذه لحظة تاريخية وخطيرة في الوقت نفسه بالنسبة للمحكمة والنظام القانوني الدولي. فقد استجمع القضاة أخيرا الشجاعة اللازمة لمواجهة حليف لواشنطن، بل والدولة الوكيلة المفضلة لديها، بدلا من الاستمرار في استهداف جرائم الديكتاتوريين الأفارقة أو الأعداء الرسميين للغرب". 

وأكد كوك أن٬ "قرار المحكمة هو دليل على مدى خطورة جرائم إسرائيل وعدم قابليتها للنقاش، ومدى تعرض مصداقية المحكمة ذاتها للخطر إذا استمرت دون توجيه اتهامات. وكانت المحكمة تواجه مأزقا كبيرا، ذلك أن رفضها توجيه الاتهام إلى نتنياهو وغالانت، كان يعني موافقتها الضمنية على تفكيك إسرائيل لقوانين الحرب، شيئا فشيئا". 

"كان من شأنه أن يؤكد الانتقادات التي يوجهها أولئك الذين يقولون؛ إن المحكمة الجنائية الدولية لا تعمل إلا كسلاح آخر، تستخدمه الولايات المتحدة وحلف الناتو ضد الدول التي لا تحبها"، تابع الكاتب البريطاني.

واسترسل: "كما كان من شأنه أن يسمح لدول أخرى باتخاذ تجاهل جرائم إسرائيل كذريعة لارتكاب جرائمها ضد الإنسانية، وكان من شأن هذا أن يؤدي إلى إدانة المحكمة الجنائية الدولية والحكم على نفسها بالزوال".

ومن ناحية أخرى، أبرز كوك أن التحرك ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومن ثم ضد واشنطن وحلفائها الأوروبيين، يضع المحكمة مباشرة على مسار تصادمي مع الغرب.

ويرى أن: "هذا القرار يعرض للخطر النظام القانوني الدولي الذي أنشئت المحكمة من أجله، أي النظام الذي نشأ مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، لمنع الجرائم ضد الإنسانية التي بلغت ذروتها في الهولوكوست والقنابل الذرية الأمريكية على المدن اليابانية".

وهذا هو على وجه التحديد هدف نتنياهو، كما ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية، الأسبوع الماضي: "يعتزم نتنياهو تحويل مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضده، إلى تحرك عالمي بحجب الثقة عن القانون الدولي ومؤسساته".

"من المرجح أن تعمل واشنطن على هدم هذا البناء بأكمله بدلا من إرساء سابقة توافق فيها على التضحية بدولتها الوكيلة المدجّجة بالسلاح، التي تقع في موقع استراتيجي في الشرق الأوسط الغني بالنفط. ولا تتوقعوا الكثير من المقاومة من أوروبا، حتى من العواصم التي يحكمها الوسطيون وليس القوميون"، بحسب كوك.

وتابع: "سيتم الكشف عن نفاق الاتحاد الأوروبي الذي يُبدِي في خطابه أنه ملتزم بالقانون ومبادئ الإنسانية، لكنه في الممارسة العملية يتبع بالكامل عسكريا واقتصاديا وأيديولوجيا للمركز الإمبراطوري في واشنطن".

ومضى بالقول: "لم يكن الاتحاد الأوروبي مهتما بالدفاع عن "الإنسانية"، إلا عندما تخدم أجندة واشنطن أو أجندته الجيوستراتيجية، كما في حالة أوكرانيا التي استخدمها كساحة معركة لخوض حرب بالوكالة ضد روسيا".

وقال كوك؛ إنّ ما ارتكبته دولة الاحتلال الإسرائيلي من فظائع خلال الأشهر الـ 13 الماضية، كان في ذهن قضاة المحكمة عند إدانتهم لنتنياهو ورفيقه. ففي نهاية المطاف، اعترف رئيس الحرب الإسرائيلي السابق، موشيه يعلون، في نهاية الأسبوع الماضي، بأن الاحتلال الإسرائيلي لا يدافع عن نفسه في غزة، بل إنه "يطهر القطاع عرقيا". 

"لهذا السبب، بدأت على الفور حملة تشويه التهمة ومزجها بموضوع آخر، حيث اتهم نتنياهو المحكمة بأنها "معادية للسامية"، تماما كما يفعل مع كل هيئة تحاول محاسبته أو محاسبة الجيش على انتهاكاته الصارخة لقواعد الحرب"، أكد كوك.

وبحسب المقال، فقد زعم نتنياهو أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لا تجوع أهل غزة، رغم الأدلة الواضحة أمامنا، وعدم دخول مساعدات إنسانية للقطاع منذ وقت، وأن التهم ليست إلا محاولة لتسويد صفحته. ومرة أخرى، فرض نتنياهو ثنائية زائفة لا تؤدي إلى معاداة السامية، وهو بالطبع ما ردّده المعتذرون عنه: إما دعم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، أو فضح نفسك ككاره لليهود.

وأضاف: لقد اعتاد الفلسطينيون والناشطون المدافعون عنهم ومنظمات حقوق الإنسان على هذا. ولكن الآن، حتى قضاة المحكمة الجنائية الدولية يوصمون بأنهم معادون للسامية. فهل يمكن أن يكون هناك مسار أسرع لجعل معاداة السامية محترمة؟ 

وتابع: "بدلا من الدفاع بقوة عن المحكمة وسيادة القانون، حاولوا بشكل يائس دعم الرواية القائمة: وهي أن إسرائيل هي الطرف المظلوم، وليس عشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا وشوهوا بقنابلها، وأكثر من مليوني مدني يموتون جوعا بسبب حصارها ومنعها للمساعدات. وكما هو الحال، فقد كانت بريطانيا والولايات المتحدة، هما أسوأ المذنبين".

واسترسل: "فقد طعن الرئيس جو بايدن في دوافع المحكمة، واصفا قرار فرض القانون الدولي ضد الدولة الوكيلة لواشنطن بأنه "صارخ". وأشار متحدث باسم البيت الأبيض إلى "أخطاء في الإجراءات" في حكم المحكمة، لكنه لم يتمكن من تحديد ماهية هذه الأخطاء المزعومة".

وأردف: "لم توقع لا أمريكا أو إسرائيل على نظام روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، فهما تتعاملان مع القانون الدولي، كعربة لمصالحهما وليس كمحدد للسلوك العسكري. فقد قلب اتهام الجنائية الدولية النظام الدولي القائم على القواعد، وهو النظام الذي تزعم واشنطن أنها تحميه".

وفي الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" افتتاحية كرّرت هذا الكلام حيث قالت؛ إنّ "المحكمة ليس من حقها محاسبة القادة المنتخبين لدولة ديمقراطية على الجرائم ضد الإنسانية التي اتهموا بارتكابها".

وبحسب كوك: "لكن حتى لو قبلنا هذه الفرضية الزائفة، هل يمكن للطغاة فقط ارتكاب جرائم حرب؟ كما أن إسرائيل ليست دولة ديمقراطية بأي مقياس. إنها دولة استعمارية استيطانية تمارس نظام الفصل العنصري، كما حذرت جماعات حقوق الإنسان، بما فيها الجماعات الإسرائيلية، ولسنوات".

وأوضح: "ذلك أن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، ليست سوى تتويجا لعملية محصلتها صفر وجارية منذ عقود، حيث سعت للقضاء على الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني الأصلي بوطنه. ويعد طرد السكان الأصليين أو عزلهم أو إبادتهم جزءا من الحمض النووي للدول الاستعمارية الاستيطانية، وهو ما يجب أن تعرفه الولايات المتحدة جيدا من تاريخها".

واسترسل: "على اليمين الأمريكي، هناك دعوات لاستحضار ما يسمى: "قانون غزو لاهاي" لعام 2002، إذا تم تقديم نتنياهو أو غالانت للمحاكمة، حيث يسمح هذا القانون لواشنطن باستخدام القوة العسكرية ضد المحكمة، إذا وجهت اتهامات إلى أفراد أمريكيين بارتكاب جرائم حرب". 

"كما أن هناك دعوات في الكونغرس ومن الحزبين لإحياء العقوبات ضد مسؤولي الجنائية الدولية. وفي عام 2018 فرض دونالد ترامب، عقوبات على المحكمة؛ لأنها حاولت التحقيق في جرائم ارتكبها الجنود الأمريكيون في أفغانستان، وإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، تابع كوك. 

وأبرز: "قد رفع بايدن العقوبات مقابل عدم اهتمام المحكمة بأفغانستان. وتعرف المحكمة أنها ستواجه العقوبات بعودة ترامب مرة ثانية إلى البيت الأبيض. ولهذا السبب، تتدافع الدول الأوروبية للبقاء على الجانب الصحيح من واشنطن، وتجاهل التزاماتها بموجب نظام روما".

وأردف: "بعد أن أشارت فرنسا في البداية إلى أنها ستنفذ مذكرة الاعتقال ضد نتنياهو، عادت الأسبوع الماضي لتؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "محصّن" من الاعتقال. ورددت باريس ما قالته واشنطن من أن إسرائيل لم توقع على نظام روما، وأنها لا تدخل في صلاحيات المحكمة. مع أن لها صلاحية في المناطق الفلسطينية التي ارتكبت فيها إسرائيل جرائمها". 

"ولم تتحدّ بريطانيا المحكمة علانية في ردها على مذكرات الاعتقال. وبدلا من ذلك، قدمت أقل قدر ممكن من الدعم. والتزم ستارمر، ووزير خارجيته ديفيد لامي، وكلاهما محاميان، بصمت مدروس. وتركا نتنياهو وبايدن يشوّهان سمعة المحكمة ومكانة القانون الدولي"، استرسل كوك.

وأبرز: "تجاهلت وزيرة الداخلية التي كان لزاما عليها الموافقة على مذكرة الاعتقال في حال وصول نتنياهو أو غالانت إلى بريطانيا، إيفيت كوبر، المسؤولية، متظاهرة بأنها فجأة لم تفهم الجوانب الأكثر أساسية للقانون البريطاني، أو دورها، قائلة: الأمر ليس بيدي".

وفي الوقت نفسه، زار رئيس هيئة الأركان المرشّح اسمه على قائمة المتهمين بالجنائية الدولية، هيرسي هاليفي، بريطانيا، الأسبوع الماضي، واجتمع مع عدد من نظرائه من دول أخرى. 

ومن المؤكد أن حكومة ستارمر قد منحته حصانة "المهمة الخاصة" قبل سفره؛ نظرا لخطر إصدار مذكرة اعتقال في وقت قصير في أثناء زيارته. فيما قارن الكاتب بين شجب لامي لروسيا في مجلس الأمن؛ لأنها استخدمت "الفيتو" ضد قرار تقدمت به بريطانيا بخصوص السودان، ولم يستخدم الوزير البريطاني اللغة الشاجبة نفسها ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمها في قتل الفلسطينيين وتجويعهم. 

وأبرز الكاتب: "بل زاد من الطين بلة، عندما زعم لامي، الشهر الماضي، أن إسرائيل لم تقتل عددا كافيا من الفلسطينيين حتى ينطبق عليه تعريف الإبادة الجماعية. وهذا كلام غير صحيح، فإن أي محام أو قاض جاد، لا يعتقد أن الإبادة الجماعية تحدد وقف إحصاء أو صيغة رياضية".

"ذلك أن اتفاقية الإبادة الجماعية تصف، على وجه التحديد، أشكال الإبادة الجماعية؛ مثل التهجير القسري للأطفال من مجموعة إلى أخرى، التي قد تؤدي إلى فقدان الأرواح" وفق المقال.

كذلك لاحظت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، فرانشيسكا ألبانيزي، مرارا وتكرارا، أن: "هدف اتفاقية الإبادة الجماعية هو الاعتراف بالإبادة الجماعية في أقرب وقت ممكن، حتى يمكن تجنب المذابح الجماعية". وفي هذه الحالة، حتى يتم ردع دولة الاحتلال الإسرائيلي عن نشر الإبادة الجماعية من غزة إلى الضفة الغربية والقدس المحتلة. وأكدت ألبانيزي أن: "الإبادة الجماعية هي عملية وليست فعلا، ولا يوجد فلسطيني آمن تحت الحكم الإسرائيلي".

ويعلق كوك: "التناقض واضح في تعليقات ستارمر الذي تجنب وصف الإبادة الجماعية في غزة، لكنه لم يتورع عن استخدام الوصف في مرافعات له سابقة. وعليه، يجب النظر إلى تصريحاته السابقة مع لامي على أنها محاولة لتقويض قواعد الحرب، والالتزام بما تريده واشنطن".