كتاب عربي 21

لقاء القلق في الرئاسة المصرية!

"استمرار حكم بشار الأسد كان يمثل للجنرال المصري دفعة معنوية"- الرئاسة المصرية
مثلي لا يرى مبررا للقلق من الوضع السوري على مصر، لكن القوم قلقون!

في الأسبوع الماضي كتبت أنه لا داع القلق، ويبدو أن هذا كان باعثا لمزيد من القلق بدلا من أن يبعث على الاطمئنان!

فعلى غير العادة عقد الجنرال لقاء مع ثمانية من أذرعه الإعلامية مساء، وهو لا يميل للعمل في هذا الوقت المتأخر، فحتى ليلة القدر يحتفل بها صباحا، خلافا لطبيعتها (ليلة القدر) أو مع تقاليد الدولة المصرية. بيد أن لقاء الثمانية كان والناس نيام، وهو يهوى أن يبدأ عمله صباحا لدوام واحد كأي موظف حكومي، ولا تثريب عليه، فالليل لباسا والنهار معاشا!

ولا نعرف لماذا "ثمانية فقط"، منهم مقدمو برامج، ورؤساء تحرير، وأعضاء في الهيئات الإعلامية بدون رؤسائها، فليس لقاء مع كل مقدمي البرامج، أو كل رؤساء التحرير، أو كل رؤساء وأعضاء الهيئات الإعلامية ولو من باب التهنئة بالتشكيل الجديد، والمعنى أنه ليس للاجتماع عنوان، ولم يهتموا بأن يكون له مبرر، ولو بدعوة نقيب الصحفيين وأعضاء المجلس بمناسبة انعقاد المؤتمر العام السادس للنقابة!

الأعصاب المنفلتة:

لقد بدا أن ترتيبات اللقاء تمت على عجل، وعلى قاعدة من يرتدي ملابسه الآن يحضر فورا، فلا وقت أمامنا للانتظار، وإن لم يكن الأمر تم على هذا النحو، فالمعنى أن الثمانية هم من طلبوا اللقاء، لاستشعارهم القلق، ولحاجتهم لمن يبث الطمأنينة في قلوبهم!

منذ أن سقط النظام في سوريا والأعصاب في مصر منفلتة، ويركز بعض الإعلاميين في خطابهم على أن الجيش المصري قوي، وقادر على حماية مصر، فيبدو الكلام بلا سياق مفهوم، ولا تعرف هل هي رسائل لإسرائيل مثلا، لأن الكلام أحيانا يكون عن القدرة على حماية الحدود، أم أنه موجه للأشرار، الذين ربما يغريهم المشهد السوري فيعملون على تقليده
ومنذ أن سقط النظام في سوريا والأعصاب في مصر منفلتة، ويركز بعض الإعلاميين في خطابهم على أن الجيش المصري قوي، وقادر على حماية مصر، فيبدو الكلام بلا سياق مفهوم، ولا تعرف هل هي رسائل لإسرائيل مثلا، لأن الكلام أحيانا يكون عن القدرة على حماية الحدود، أم أنه موجه للأشرار، الذين ربما يغريهم المشهد السوري فيعملون على تقليده!

ولأول مرة يعبر رأس النظام عن القلق في لقاء الثمانية، وهو يقول إنه ليس قلقا، فيده لم تلوث بالدماء (استخدم مفردة قديمة)، كما أنه لم يستول على مال أحد!

ولن أكرر نفسي، أو أكرر ما يُعرف من المشهد المصري بالضرورة، فسوف أبتعد عن مناقشة صحة ذلك، إلى دوافع ما قال، فإذا كانت الطمأنينة مردها إلى عدم فعل ذلك، فمن حقه أن يقلق، وأن يقلقوا معه!

وسواء كان يطمئنهم بما قال، أو يطمئن نفسه ويطمئنهم في وقت واحد، فهذا لا ينفي القلق، مع أنه حاول بعد وقوع الأحداث أن يبدو مطمئنا!

فعندما سقط النظام السوري، كان الجنرال في جولة خارجية لا قيمة لها اقتصاديا، أو حتى على المستوى السياسي، فتبدو مثل غيرها من جولات إثبات الحضور، وكان عليه أن يعود، حتى وإن لم يكن لما جرى تأثير على الحكم المصري، لأن مصر لا تعتبر علاقتها بسوريا ثانوية، فضلا عن أن مكانة مصر لا تسمح بالترف ومواصلة الجولة وكأن شيئا لم يقع!

وفضلا عن ذلك، فسوريا تمثل دفعة مهمة للنظام الحاكم الآن، وذلك بعيدا عن تاريخ الوحدة الذي لم يتأثر بالانفصال!

مكانة سوريا:
الأسد سقط أخيرا، وكان سقوطه مهينا، إنه لم يمتلك شجاعة صدام حسين، أو الصلابة في حدها المتوسط التي مثلها القذافي وعلي عبد الله صالح، أو حدها الأدنى التي مثلها مبارك، الذي كان يدرك أنه في حماية أبنائه الذين سلمهم الحكم فلما اضطروا لسجنه، ذهب للمحكمة على سرير نوم! بشار النموذج، والقدوة، والمثل الأعلى، هرب ليلا بدون أن يخبر أحدا، كأي لص استشعر استيقاظ أهل الدار، فلاذ بالفرار!

فسوريا مضرب الأمثال لإثبات نجاح الجنرال، فلم تصبح مصر بفضله كسوريا، والسلطة بقرارها بعودة المذيعة ريهام سعيد للشاشة، ذكرتنا بهذا المشهد المبتذل في بداية الانقلاب العسكري في مصر، عندما ذهبت بسيارة مساعدات لتصور السوريين المتكالبين عليها، للتأكيد على أن الجيش المصري بانقلابه حمى المصريين من هذه النهاية، صحيح أن المشهد تكرر في مصر، من تكالب على مساعدات تقدم للفقراء، لكن ظلت سوريا مضرب الأمثال على أنه إن لم يكن للنظام المصري من إنجاز فيكفي أنه حمى المصريين من هذا البؤس، ورحلة الشتات في بلاد الله الواسعة! فضلا عن أن استمرار حكم بشار الأسد كان يمثل للجنرال المصري دفعة معنوية، فالتقتيل وضرب الشعب بالبراميل المتفجرة لا يدفع المجتمع الدولي لعزله، وقد مثّل قدوة له منذ اليوم الأول، فذهب يقلده بالانعطاف شرقا، والتقرب من الروس ومن الصين، مستلهما تجربة بشار الأسد!

بيد أن الأسد سقط أخيرا، وكان سقوطه مهينا، إنه لم يمتلك شجاعة صدام حسين، أو الصلابة في حدها المتوسط التي مثلها القذافي وعلي عبد الله صالح، أو حدها الأدنى التي مثلها مبارك، الذي كان يدرك أنه في حماية أبنائه الذين سلمهم الحكم فلما اضطروا لسجنه، ذهب للمحكمة على سرير نوم!

بشار النموذج، والقدوة، والمثل الأعلى، هرب ليلا بدون أن يخبر أحدا، كأي لص استشعر استيقاظ أهل الدار، فلاذ بالفرار!

بيد أن محاولة إثبات عدم الاكتراث دفعت رأس السلطة في مصر أن يذهب بعيدا في سياق التجاهل، حتى لا يبدو متأثرا، فلم يعد من الخارج إلا بعد انتهاء جولته، وترك المسألة السورية لوزير الخارجية، ولم يتدخل في الموضوع، ولو من باب أنه يرأس الدولة العربية الكبرى، أو لأن استقرار سوريا يمكن أن يكون هدفا، ولا يزال الجيش السوري الذي سقط إلى الآن هو الجيش الأول في الجمهورية العربية المتحدة، ولهذا فإن مصر لديها الجيشان الميدانيان الثاني والثالث، فإذا سئلت عن الجيش الأول فأضف إلى معلوماتك أنه الجيش السوري الذي اختفى في ظروف غامضة!

افتعال اللقاء:

لقد ظل النظام المصري يخفي قلقه مما جرى، ويترك الأمر للإعلاميين، إلى لقاء الثمانية، الذي جاء بلا موعد مسبق، أو ضرورة معلنة، والمعنى في بطن الشاعر! فهل تم افتعال اللقاء للإعلان عن عدم القلق (من قال لكم إنكم قلقي؟)، أم لأن المجتمعين كانوا يبحثون عند رئيسهم عن الأمان؟!
الخوف من هذه النهاية لا يجوز إلا إذا قامت ثورة، وبسبب منسوب القلق لدى القوم، وإن عبّر رأس النظام بأنه ليس قلقا لأن يديه لم تتلوث بدماء المصريين ولم يستول على أموالهم، يشككون في تحليلاتنا

مهما يكن الأمر، يبقى السؤال: هل هذا القلق يستند على مبررات، أم أنه قلق مرضي من أناس رأوا المشهد السوري، وكيف أن الثورة السورية قررت محاكمة الإعلاميين الحربيين الذين انحازوا لبشار الأسد في سياساته الاستئصالية، وهم فعلوا نفس ما فعل الإعلاميون السوريون؟ ومن هنا كانت دهشتهم التي عبّروا عنها، فالثورة المصرية سمحت لإعلاميي مبارك بالتحول، حتى أن لميس الحديدي وبعلها وغيرهما جاءوا لميدان التحرير، وادعت الأذرع الإعلامية للتوريث أنها كانت مضطهدة في عهد مبارك، وتسامحت معهم الثورة، حتى أعادوا إنتاج أنفسهم من جديد! الثورة السورية تؤسس لقواعد مختلفة عن تلك التي عرفها الربيع كله.

والخوف من هذه النهاية لا يجوز إلا إذا قامت ثورة، وبسبب منسوب القلق لدى القوم، وإن عبّر رأس النظام بأنه ليس قلقا لأن يديه لم تتلوث بدماء المصريين ولم يستول على أموالهم، يشككون في تحليلاتنا..

وهذه التحليلات تنتهي بي بأن مصر ليست سوريا، فحتى النسخة الإسلامية مختلفة، فضلا عن أن الثورة السورية لديها جبهة مساندة تمثلها دولة الجوار، والجوار المصري كما نعرف. والثورة السورية مسلحة، والسلطة في مصر من تحتكر السلاح، وتاريخيا فإن كل التنظيمات التي حاولت الاستقواء على الدولة بالسلاح انتهت إلى الهزيمة الساحقة الماحقة، مثل تنظيمات الجهاد، والجماعة الإسلامية، والفنية العسكرية، والتكفير والهجرة، بجانب تنظيمات يسارية مثل التنظيم الناصري المسلح!

فهل يعلمون ما لا نعلم، أم هي المبالغة في تقدير الأمور؟!

x.com/selimazouz1