أعلنت القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية
ستيفاني خوري، عن إطلاق عملية سياسية جديدة تهدف إلى تحقيق الاستقرار ومنع النزاع
وتوحيد مؤسسات الدولة والدفع بالانتقال نحو إجراء الانتخابات ومعالجة القضايا
الأساسية العالقة.
وشددت خوري على أن الاستقرار الهش في
ليبيا
ليس مستداما، وأن المؤسسات الليبية والاقتصاد مثقلان بالترتيبات الانتقالية وسوء
إدارة الأموال العامة.
وأوضحت ستيفاني خوري أن العملية السياسية
الجديدة ستتضمن تشكيل لجنة فنية من خبراء ليبيين لوضع خيارات لمعالجة القضايا
الخلافية في القوانين الانتخابية، وكيفية الوصول إلى الانتخابات في أقصر وقت ممكن،
ووضع خيارات لإطار واضح للحوكمة.
وأضافت ستيفاني أن من اختصاصات هذه اللجنة
أيضًا تحديد المحطات الرئيسية والأولويات لحكومة يتم تشكيلها بالتوافق.
وتتضمن الخطة ـ بحسب خوري ـ إطلاق حوار
مهيكل بمشاركة واسعة من جميع شرائح المجتمع الليبي لتوسيع نطاق التوافق على حل
مسببات النزاع القائمة منذ وقت طويل، علاوة على الدفع بالإصلاحات الاقتصادية
وتعزيز توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية ودعم المصالحة الوطنية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو
غوتيريش، قد أصدر تقريرًا يغطي الفترة من 9 أغسطس إلى 4 ديسمبر الجاري، حث فيه
القادة الليبيين على المشاركة البناءة في الحوار الذي تيسره
الأمم المتحدة بهدف حل
الخلافات وإجراء الانتخابات.
وأكد غوتيريش في تقريره أن الإجراءات
الأحادية من شأنها أن تزيد من إضعاف وحدة ليبيا وسيادتها، وتعمق الجمود السياسي،
صارفةً الانتباه عن توحيد المؤسسات.
وشدد الأمين العام على أن إجراء الانتخابات
العامة يمثل ضرورة لاستعادة شرعية مؤسسات الدولة الرئيسية.
و أعرب غوتيريش عن قلقه بشأن الخلاف
القائم بين مجلس النواب والمحكمة العليا حول البت في المسائل الدستورية، مؤكدًا
ضرورة الحفاظ على استقلالية القضاء.
وأشار غوتيريش إلى أن النزاع الطويل الأمد
داخل المجلس الأعلى للدولة يقوض وحدته، حاثًّا قادة المجلس وأعضاءه على إيجاد حل
يتوافق مع الاتفاق السياسي.
وفي ما يتعلق بالملف الأمني والعسكري، أكد
غوتيريش أهمية مضاعفة اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والأطراف الليبية المعنية
جهودها لتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، والمحافظة على وقف إطلاق النار.
وتأتي جهود الأم المتحدة بعد أيام قليلة من
مبادرة سياسية أعلنها المشير خليفة حفتر بغية تحقيق المصالحة في ليبيا، سرعان ما
تلاشت بسبب تسارع الأحداث محليا وإقليميا قبل أن تأتي مبادرة البعثة الأممية.
وفي طرابلس اعتبر الكاتب والمحلل السياسي
الليبي صلاح البكوش، في حديث مع
"عربي21"، أن مبادرة المصالحة الوطنية
التي أطلقها المشير خلبفة حفتر لا تتجاوز كونها مناورة سياسية للفت الانتباه إليه
محليا والعمل على تهيئة الخلافة لأحد أبنائه.
وقال البكوش: "مبادرة حفتر للمصالحة
ليست إلا محاولة ساذجة لترتيب الأمور لخلافة صدام، لأن أمر مصالحة ليس لقاء بين
الفرقاء السياسيين المتصارعين على السلطة فقط، وإنما هو إنصاف الضحايا والمتضررين
من الانقسام والاقتتال".
ولم يستبعد البكوش أن يكون لأمر المصالحة
المطروحة من طرف حفتر بعد سنوات من التصعيد العسكري والسياسي ضد غرب ليبيا، بأنه
قراءة استباقية لتداعيات انهيار النظام السوري، فإذا كانت روسيا قد تخلت عن الأسد
فما الذي يمنعها من التخلي عن خليفة حفتر؟".
وحول مبادرة الأمم المتحدة، قال البكوش:
"المبادرة هدفها تحقيق الاستقرار ومنع النزاع بين المؤسسات لكي يصل الليبيون إلى
الانتخابات.. وهي بذلك ستعتمد على المجالس الحالية، وهي مجالس هزيلة ولم تحقق شيئا
على مدى الأعوام الماضية، من أجل أن تصل إلى الاستقرار وبعدها إجراء الانتخابات..
هذا يعني برأيي مزيدا من إضاعة الوقت ليس إلا".
وأضاف: "أما عن تشكيل لجنة تقنية فإن
أي مراقب لعمل الأمم المتحدة وعارف لعملها يدرك أن تشكيل لجنة فنية ليست لها مخالب
لتنفيذ ما تسعى إليه لا معنى له".
وهكذا رأى البكوش أن ستيفاني خوري قدمت هذه
المبادرة تحت ضغوط دولية ولأن الزمن المتبقي للبعثة قصير وهي تواجه ممانعة كبيرة
من مصر وحفتر وحلفائهم لإنجاز أي مصالحة أو الذهاب إلى الانتخابات فإنها قدمت
مقترحا لا يزعج أحدا ولكنه يظهر أنها تفعل شيئا.. أما الأطراف الليبيون فباقون في
أماكنهم".
وأضاف: "الحل ليس إلا في الذهاب إلى
الانتخابات والوصول إلى حكومة واحدة تقود الليبيين. غير ذلك لا يمكن إلا أن يكون
ضمن تكريس للأمر الواقع وإضاعة الوقت على الليبيين ليس إلا"، وفق تعبيره.
وفي الدوحة اعتبر الأمين العام للاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين الكاتب والباحث الليبي في شؤون الفكر الإسلامي علي محمد
الصلابي، في حديث خاص مع
"عربي21"، أن "مبادرة المصالحة التي أطلقها
خليفة حفتر ليست لها أي آفاق، ولا تمتلك مقومات النجاح أصلا".
وقال: "المصالحة تتطلب وجود حكومة
واحدة ذات شرعية، وفي غياب هذا الشرط الأساسي
فإن مساعي المصالحة ليست إلا مناورات سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تحقق
المطلوب منها، وهو الاستقرار المجتمعي وإنهاء الخلافات المعرقلة للتنمية".
وأضاف: "المطلوب تحتاج إلى مصالحة
سياسية تقوم بها حكومة يقودها شخص يؤمن بوحدة ليبيا ويقبل بتعددية الشعب الليبي.. من
هذا المدخل فإن المصالحة السياسية تؤدي أهدافها".
وحول مبادرة البعثة الأممية لليبيا سواء
في ما يتعلق باللجنة الفنية أم في آليات الوصول إلى الانتخابات، قال الصلابي: "لا
شيء يمكنه أن يخرج الليبيين مما هم فيه الآن غير الإرادة الليبية، أما الأطراف
الأجنبية فهي عوامل مساعدة لا غير".
وأضاف: "الحل يكمن أولا في إيجاد
المشروع الوطني الجامع الذي يلتف حوله الشعب الشعب الليبي القائم على العدالة
والمساواة وشروط المواطنة الحقيقية، بعدها يمكن للأطراف الخارجية سواء كانت الأمم
المتحدة أو دول إقليمية أن تساعد في ترجمة الحل السياسي إلى أمر واقع، وجوهره أو
مدخله هو الانتخابات"، على حد تعبيره.
وكان مجلس الأمن الدولي، قد صوت نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بالإجماع على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى
ليبيا التي انتهت في موفى تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لـثلاثة أشهر، وحث السياسيين
الليبيين على حل المسائل الخلافية المتصلة بالانتخابات في أقرب وقت.
ونص القرار الجديد الذي حمل رقم 2755 لعام
2024، على أن "تمدد فترة تفويض البعثة الأممية لدى ليبيا حتى 31 كانون
الثاني/ يناير 2025، على أن تمدد ولاية البعثة تلقائيا لـ9 أشهر إضافية في حال جرى تعيين
ممثل خاص للأمين العام لرئاسة البعثة في ليبيا".
وأكد القرار الجديد لمجلس الأمن، على شرعية
الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات المغربية عام 2015، وخارطة الطريق التي
أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف عام 2021، وكذلك القوانين الانتخابية
المحدثة للجنة المشتركة (6+6)".
و"اتفاق الصخيرات" جرى توقيعه في كانون الأول/ ديسمبر 2015، بين طرفي النزاع الليبي.
"ونتج عن
الاتفاق تشكيل مجلس رئاسي يقود حكومة الوفاق، إضافة إلى التمديد لمجلس النواب،
وإنشاء مجلس أعلى للدولة، لكن خليفة حفتر، قائد قوات الشرق سعى طوال سنوات إلى
تعطيل الاتفاق وإسقاطه".
ولجنة (6+6) المشتركة بين مجلسي النواب
والدولة الليبيين كانت قد أصدرت في 6حزيران/ يونيو 2023 عقب مباحثات في مدينة
بوزنيقة المغربية القوانين التي ستجرى عبرها الانتخابات المنتظرة، إلا أن المجلس
الأعلى للدولة رفض الاعتراف بنتائجها خاصة وأنه تم التعديل على مضمونها الأصلي دون
موافقته.
وحث مجلس الأمن في ذات القرار المعتمد
بالإجماع "المؤسسات السياسية الليبية وأصحاب المصلحة الرئيسيين، على حل
المسائل الخلافية المتعلقة بالانتخابات في أقرب وقت ممكن".
كما أنه طالب بـ"تقديم الحلول الوسط
اللازمة لإحراز تقدم في مفاوضات يقودها الليبيون وتيسرها بعثة الأمم المتحدة للدعم
في ليبيا، من أجل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وطنية حرة ونزيهة وشفافة وشاملة
في أقرب وقت ممكن".
ودعا إلى "فرض عقوبات على من يقوضون
جهود السلام في ليبيا (دون تسميتهم)"، مطالبا في الوقت ذاته "بعثة الأمم
المتحدة للدعم في ليبيا بتسيير حوار بين الجهات الفاعلة لمنع العنف وتصعيد النزاع".
وتأتي تلك التحركات ضمن جهود تهدف لإيصال
ليبيا إلى انتخابات تحل أزمة صراع بين حكومتين إحداهما حكومة الوحدة الوطنية
برئاسة عبد الحميد الدبيبة، المعترف بها دوليا، ومقرها طرابلس (غربا)، وتدير منها
كامل غرب البلاد، والأخرى عينها مجلس النواب مطلع 2022 برئاسة أسامة حماد ومقرها
بنغازي (شرقا) التي تدير منها كامل شرق البلاد ومعظم مدن الجنوب.
ويأمل الليبيون أن تؤدي الانتخابات التي طال
انتظارها إلى وضع حد للصراعات السياسية والمسلحة وإنهاء الفترات الانتقالية
المتواصلة منذ الإطاحة بنظام حكم معمر القذافي (1969- 2011).
اقرأ أيضا: ما وراء طرح "حفتر" مبادرة تخص المصالحة والتوافق الوطني الآن؟.. هل يتعرض لضغوط؟