مقالات مختارة

روح الروح

إكس
في أواخر نوفمبر من سنة 2023، هزّت العالم مقولة لشيخ فلسطيني من غزة، يدعى خالد نبهان، أصبح على خبر استشهاد حفيدته ريم، في قصف صهيوني إرهابي، ضمن مخطط الإبادة الشاملة، لكل ما ينبض بالحياة.

لم يجد الرجل، وقد دأب على شرب الحنان من بسمات حفيدته الصغيرة كل صباح، من كلمات وتنهيدات تشفي حزنه، سوى أن يصيح واصفا إياها، بأنها “روح الروح”، وكانت فعلا مثل كل الفلسطينيات والفلسطينيين، الذين قضوا في حرب الإبادة الصهيونية روح الروح، أو كما قال هو نفسه بأنه يحس بأن كل عربي وكل مسلم “روح الروح”.

مرّت أكثر من سنة على صيحة روح الروح، التي سافرت إلى كل بقاع العالم، وأحدثت هزة مشاعر، فتُرجمت إلى كل اللغات الشفوية والقلبية والروحية أيضا، وعرّفت العالم بأن ما يقوم به الصهاينة في غزة ليس تتبّعا لأرواح المقاومين، وإنما إبادة للرُّضع، وحرمان الحفيد من جدته، والجد من حفيدته، في أقذر الحروب التي عرفها العالم في تاريخه الدموي.

وقد انزوى الحاج خالد نبهان “روح الروح”، زاهدا بعيدا عن العالم، لا يدري لروحه روحًا، ينتظر دوره ليرتقي بروحه إلى أرواح الروح، في حضرة باعث الروح، ومع ذلك تتبع الإرهاب الصهيوني آخر “روح”، بعد أن قتل روح الروح، واغتاله، في قصف استهدف مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ليرتقي حيث الأحبّة ومنهم حفيدته ريم “روح الروح”.

وكما منح الغرب وبعضُ العرب للصهاينة ما سمّوه “حقّ الدفاع عن النفس” بتتبّع من سمّوهم “الإرهابيين” من شباب المقاومة، فقد أطبقوا الصمت كعادتهم، وهم يشاهدون بأمّ العين قتل حفيدة دون سنتها الأولى، وجد يفوق السبعين، في مشهد يؤكد بأن الإرهاب الذي بلغه الصهاينة ومن معهم فاق كل أعمال الطغاة.

يوجد في كتب التاريخ العديد من القصص والأساطير، عن التضحيات التي قدّمتها الأمم من أجل حريتها بالخصوص، وحكايات عن همجية الظالمين، ولكن ما حدث في العدوان على غزة، قدّم متناقضين لا يمكن سوى استشراف نهايتهما، من طاغية مستعدٍّ لأن يبيد كل شيء، من أجل نفسه، التي هي في الحقيقة لا شيء، ومقاوم مستعد ليضحي بكل شيء من أجل الشيء الأعظم.

اسمه خالد نبهان، واسمها ريم، كانا يعيشان حياة الرقي بين جدٍّ وحفيدته، إحساس لا يعرف مذاقه إلا الراقيون، فارتقت وأبى إلا أن يرتقي، حيث المرتقين، هناك حيث الطهارة، بعيدا عن قذارة “هنا”.

لقد قتلوا ذات خريف روح الروح، وعادوا ذات شتاء ليقتلوا صاحب صيحة روح الروح، ولكن ستبقى منبع روح الروح، فلسطين، تطل في كل ربيع لتطلق مزيدا من روح الروح.

الشروق الجزائرية