انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو صادمة من إثيوبيا، تُظهر أعمدة دخان كثيف تتصاعد بشكل مرعب من أعماق أرض متصدعة. تزامنت هذه الظاهرة مع توالي الزلازل والهزات الأرضية بشدة، ما يكشف عن حدوث شيء غير مسبوق.
وأثارت المشاهد غير العادية التي اجتاحت إثيوبيا حالة من الذعر، وأعادت إلى الأذهان كوابيس قديمة حول احتمالات انهيار
سد النهضة الهائل. وفجرت الهزات الأرضية المتتالية التي ضربت الهضبة الإثيوبية، وكان أبرزها
زلزال عنيف بقوة 5.8 درجة على مقياس ريختر في العاصمة أديس أبابا صباح السبت، تساؤلات مشروعة حول تأثير تلك الهزات على السد العملاق.
هل يوشك السد على الانهيار؟
تزايدت المخاوف حول احتمالات انفجار سد النهضة العملاق، الذي يحجز خلفه بحيرة ضخمة، تمتد على مساحة 1800 كيلومتر مربع بارتفاع يقارب 600 متر.
في حال انهيار هذا الجبل المائي الضخم، سيندفع 74 مليار متر مكعب من المياه بقوة هائلة، ما سيؤدي إلى اجتياح الأراضي المنخفضة وتدمير كل ما يعترض طريقها، محدثة كارثة واسعة النطاق.
ومع تزايد الزلازل بنسبة 800%، أصبح السؤال المطروح ليس فقط "هل سينهار السد؟" بل "متى سيحدث ذلك؟".
11 زلزالًا بيوم واحد
في رده على هذا السؤال٬ قال أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة، عباس شراقي، إن عدد الزلازل التي ضربت إثيوبيا أمس الجمعة بلغ 11 زلزالًا بقوة تتراوح بين 4.5 - 5.5 درجة.
أوضح شراقي أن زلزالًا بقوة 5.5 درجة هو الأول من نوعه منذ 21 كانون الأول/ديسمبر الماضي، وذلك بعد وقوع زلزال سابق بلغت قوته 5.2 درجة، مما يشير إلى نشاط زلزالي ملحوظ في المنطقة.
وأشار إلى أنه صباح السبت شهد انفجار بركان في جبل "دوفن"، حيث انبعثت الأبخرة والغازات والغبار وبعض الحبيبات الصخرية. وبلغ إجمالي الزلازل في عام 2024 حوالي 90 زلزالًا، بينما وصل عدد الزلازل في العام الجاري 2025 حتى الآن إلى 29 زلزالاً.
أوضح أستاذ الجيولوجيا عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك" أن النشاط الزلزالي في إثيوبيا قد يزداد قوة، مشيراً إلى أن هذه السلسلة من الزلازل قد تكون مقدمات لنشاط زلزالي أشد، وأيضاً لنشاط بركاني قد يمتد إلى براكين مجاورة، أهمها بركان فنتالي إلى الجنوب، والذي يحظى بكثافة سكانية كبيرة.
وأكد شراقي أنه لا يتمنى انهيار سد النهضة، موضحاً أن السكان في إثيوبيا يعيشون في مأمن كونهم على مناطق أعلى من السد، ولكن الخوف يكمن في تأثير هذا على إخواننا في السودان، ولأن مياه سد النهضة تُعتبر احتياطياً مائياً لمصر.
الصدع بعيد عن سد النهضة
بينما قال عالم الفضاء بوكالة ناسا٬ عصام حجي، حول النشاط الزلزالي الحالي في إثيوبيا وتأثيره على سد النهضة٬ إن النشاط الزلزالي في إثيوبيا يتركز في منطقة الأخدود الأفريقي العظيم، التي تبعد أكثر من 560 كم عن موقع سد النهضة.
وهذا الصدع الجيولوجي نشط منذ أكثر من 25 مليون سنة، والنشاط الزلزالي فيه ليس وليد اللحظة، بل يصحبه نشاط بركاني متقطع بفترات تتراوح بين عشرات إلى آلاف السنين، مثلما يحدث اليوم في إثيوبيا. وأكد أن هذا النشاط الزلزالي سيستمر وليس بسبب بحيرة السد كما يشاع إعلامياً.
وأضاف حجي أن الكوارث الطبيعية مثل الزلازل لها تأثير كبير على المنشآت مثل السدود، ولكن عند بنائها يتم الأخذ في الاعتبار الطبيعة الزلزالية لموقع البناء ويتم تصميمها بمعايير دولية تحميها من الهزات المتوقعة. كمثال، الزلازل المدمرة التي حدثت في تركيا والمغرب في العامين السابقين لم تتسبب في انهيار السدود القريبة منها، ولذلك فإن احتمالية انهيار سد النهضة بسبب الزلازل الحالية ضعيفة.
وأشار حجي إلى أن الإعلام تناول موضوع انهيار سد النهضة بالتهويل مراراً وتكراراً دون وجود أدلة علمية كافية، مما يداعب مشاعر خاطئة للجمهور الذي يتخيل أن العدالة الإلهية لهذه القضية ستكون بانهيار السد، وهو مفهوم خاطئ يزيد الأمور تعقيداً.
وأكد أن هذا التخبط الإعلامي يصور الرأي العام والعلمي في
مصر بأنه يفتقر لفهم طبيعة النهر، ويجعل المطالبة بالعدالة في توزيع موارده أكثر تعقيداً.
وأشار حجي إلى أن الخطر الحقيقي ليس انهيار السد، بل هو الدخول في حالة جفاف مثل التي حدثت في الثمانينات، دون الوصول إلى اتفاق لتشغيل تعاوني بين سد النهضة والسد العالي، لحماية مصر من شح المياه في تلك الفترة. وأكد أن هذه هي نقطة النقاش الرئيسية التي تركز عليها المفاوضات والتي يجب أن تكون محل اهتمام الجميع.
ماذا تعرف عن الفالق الأفريقي؟
يُعد الفالق الأفريقي واحدًا من أعظم الظواهر الجيولوجية في العالم، حيث يمتد كشبكة ضخمة من الشقوق عبر قارة أفريقيا، وتُعتبر إثيوبيا نقطة محورية في هذا النظام الهائل. يبدأ الفالق العظيم من البحر الأحمر في الشمال الشرقي ويمتد إلى بحيرات شرق أفريقيا في الجنوب، ليشكل قلب هذا النشاط الأرضي المتواصل.
في إثيوبيا، يتجسد هذا النشاط في مشاهد مذهلة، مثل البراكين النشطة التي تخترق الأرض في منطقة "الدناكل" في شرق إثيوبيا، حيث يُعد "الصدع الإثيوبي" جزءًا أساسيًا من هذا التحول الجيولوجي المستمر.
تمثل المنطقة المحيطة بالفالق الأفريقي مركزًا للنشاط الجيولوجي والتغيرات الطبيعية العميقة. فقد أدت حركة الصفائح التكتونية إلى تشكل شقوق وفجوات هائلة في القشرة الأرضية، مصحوبة ببراكين وزلازل مستمرة، ما يجعلها واحدة من أكثر المناطق نشاطًا زلزاليًا وبركانيًا في العالم.
ولا تقتصر تأثيرات الفالق الأفريقي على الجانب الجيولوجي فقط، بل تمتد لتشكيل بيئات طبيعية متنوعة تشمل السهول الشاسعة، والجبال الشاهقة، والبحيرات العميقة، مما يوفر مأوى لمجموعة كبيرة من الأنواع النباتية والحيوانية الفريدة من نوعها.