اقترح المستوطن
الإرهابي يوسي داغان، رئيس المجلس
الاستيطاني شمال
الضفة الغربية، زيادة عدد
الحواجز الأمنية في الضفة الغربية لضمان أمن المستوطنين وتسهيل حركتهم. داغان لم يذكر أن المقترح المقدم
قائم على الأرض منذ سنوات، ما يشير إلى حقيقة مفقودة تجاهلها داغان خلال حديثه أمام
حاجز مستوطنة كدوميم بالقرب من قرية فندقة
الفلسطينية، حيث قتل ثلاثة مستوطنين وأصيب
تسعة آخرون يوم الاثنين الفائت على يد مقاومين فلسطينيين، وهي أنه كلما زاد عدد
الحواجز زاد عدد العمليات الفدائية.
إحدى المفارقات
التي يتجاهلها داغان أن السبب الرئيسي للعمليات الفدائية تواجده والمستوطنون في
الضفة الغربية، ومصادرتهم للأراضي وهدمهم للبيوت، وإقامتهم للحواجز والطرق
الالتفافية، وانتهاكهم لحرمة المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، وقتلهم للنساء
والرجال والأطفال الفلسطينيين على نحو روتيني.
تضاعف عمليات
المقاومة يتناسب بهذا المعنى طرديا مع زيادة عدد الحواجز خلال السنوات الماضية
وليس عكسيا، كما أنه يتناسب مع عدد الاقتحامات للمسجد الأقصى وهدم البيوت، ما يعني
عبثية الحلول التي يقترحها -لوقف المقاومة في الضفة الغربية- داغان ومن معه من
قادة المستوطنين الذين التقوا يوم الأربعاء وزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس الأركان
هرتسي هاليفي إلى جانب الحاكم العسكري للضفة الغربية وقائد المنطقة الوسطى،
الجنرال الكاهاني المتطرف آفي بلوط، الذي أكد بدوره أهمية الدور الذي تلعبه أجهزة أمن
السلطة في حفظ الأمن وملاحقة المقاومين، ملمحا إلى عملية حصار مخيم جنين التي يشرف
عليها الجنرال الأمريكي منسق الشؤون الأمنية مايكل فنزل، بين السلطة في رام الله
وجيش
الاحتلال الإسرائيلي والسفارة الأمريكية.
رغم ذلك، فإن
مدراء مجالس الاستيطان وعلى رأسهم يسرائيل كاتس لم يعجبهم الأمر، إذ طالبوا في
اللقاء ذاته بمزيد من التحركات العسكرية لحماية المستوطنات، فالمقاومة تحولت إلى عائق
أمام نشاط المستوطنين في الضفة الغربية ومشاريعهم المستقبلية التي وعدت بها حكومة
الائتلاف؛ بضم الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها في المرحلة المقبلة المرافقة
لتولي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئاسة، فالمشروع مهدد بمقاومة شرسة
تدفع إدارة ترامب للعدول عن دعم مخططات الحكومة والمجالس الاستيطانية لتوسعة
نشاطها وضم الأراضي للكيان الإسرائيلي خشية التصعيد في المنطقة والإقليم، فترامب
لا يريد إغلاق ملف التصعيد والحرب في غزة ليفتح بديلا عنه في الضفة الغربية.
معوقات
الاستيطان المقاومة أم السلطة
التحديات
والمعوقات التي يواجهها الاستيطان ومشاريع ضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية
لم تكن يوما مالية أو ديموغرافية أو إدارية بل أمنية ناجمة عن مقاومة الشعب
الفلسطني، فالانتفاضة الأولى التي انطلقت في كانون الأول/ ديسمبر من العام 1987، عطلت
الاستيطان وفرضت على الاحتلال التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي
ووحيد للفلسطينيين، كما أن هبّة النفق في مدينة القدس عام 1996 عطلت المشاريع
التهويدية للمدينة، لتتبعها انتفاضة الأقصى في العام 2000 التي قضت على الاستيطان
في قطاع غزة، ثم عملية طوفان الأقصى في العام 2023 التي أفرغت الغلاف الاستيطاني
المحيط في قطاع غزة وأفقدته معنى وجوده الأمني والاقتصادي.
الحال ذاته شمال
فلسطين على الحدود اللبنانية، ليقابل ذلك كله توسع الاستيطان في لحظات السلم التي
قادتها السلطة في رام الله عبر اتفاق أوسلو، فالفترات التي قويت فيها السلطة ومسار
المفاوضات العبثي قوي الاستيطان على نحو مناقض لما يجب أن يكون، ليزيد تعداد
المستوطنين من 100 ألف إلى 750 ألفا، وهي قفزات تحققت خلال مراحل تفعيل مسار أوسلو
التفاوضي لا مسار المقاومة الذي تميز بديناميكية تنشط كرد فعل على نشاط الاستيطان.
يسرائيل كاتس، وردا
على مطالب رؤساء المستوطنات بعملية عسكرية واسعة النطاق وجباية ثمن باهظ من السلطة
الفلسطينية الذي طالبه به قادة المستوطنين إلى جانب وزير الأمن القومي إيتمار بن
غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أكد أن جيش الاحتلال "يستعد لرد أكثر
أهمية وجدية. يجب فعل كل شيء لتعزيز الأمن، كل شيء"، مضيفا أن "إسرائيل
تعتمد على الجيش الإسرائيلي فقط لضمان الأمن وليس على أي جهة أخرى"، الأمر
الذي يؤكد أن المقاومة تحولت إلى التحدي الأساسي أمام مشاريع الضم والاستيطان
المستقبلية.
ديناميكية
المقاومة ومفارقتها السياسية
التعويل على
السلطة لتحقيق الأمن للمستوطنين رهان مؤقت عند الجنرال بلوط والوزير كاتس، فرهان
كاتس وقادة المستوطنين على الجيش الإسرائيلي والقوة الضاربة للمستوطنين الممثلة
بالمليشيات المسلحة، غير أن انشغال جيش الاحتلال في قطاع غزة وجنوب لبنان وسوريا
حال دون ذلك، إذ كشف المحلل العسكري لـصحيفة "يديعوت أحرنوت" يوآف زيتون
أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يواجه في الضفة الغربية المحتلة ما يسميه طوفان
الأسلحة، مشيرا إلى أنه في مواجهة ذلك، ستعود كتائب المشاة النظامية في جيش
الاحتلال من غزة إلى الضفة الشهر المقبل لتحل محل كتائب الاحتياط للمرة الأولى منذ
طوفان الأقصى، وسيحول الاهتمام من غزة ولبنان وسوريا إلى الضفة، وذلك بحسب ما نقل
عن رئيس الأركان هرتسي هاليفي.
الاحتلال الإسرائيلي
في سباق مع الزمن لتوفير الموارد الكافية لإطلاق عملية واسعة في الضفة الغربية
لفرض السيطرة التي باتت مفقودة في الضفة الغربية تمهيدا لتسويق مشاريع الضم
قبيل تولي ترامب منصبه، فالمقاومة تهدد مشاريع الضم وتعطل مشاريع الاستيطان أسوة
بما حدث في سنوات سابقة، في حين أن السلطة في رام الله ومشروع الجنرال الأمريكي
مايكل فنزل لم يفلحا في تحقيق نجاح طوال شهر كامل من عمل أجهزة السلطة في جنين، في
حين أن المشروع قوّض شرعية السلطة وهدد بتفكك وتحلل مؤسساتها وشرعيتها على نحو
كارثي لا يخدم مصالح الولايات المتحدة التي تبحث عن مفاوض يفتح بوابة التطبيع إلى المنطقة
العربية ويتجاوز جراحات غزة.
ختاما..
المقاومة في
الضفة الغربية من ناحية واقعية تحدٍّ للاحتلال كونها أداة قوية لتقويض الاستيطان
ومشاريع الضم الإسرائيلية، وهي فرصة للسلطة والدول العربية لدحر مشاريع الضم
ومحاصرة الاستيطان وإزالته عبر الاستثمار السياسي في أدائها، فآخر ما يريده دونالد
ترامب والمجتمع الاستيطاني في الأراضي المحتلة عام 48 أن تتوقف الحرب في قطاع غزة
وجنوب لبنان وفي البحر الأحمر مع حركة أنصار الله اليمنية، لتشتعل في الضفة
الغربية على هيئة حرب استنزاف طويلة ومرهقة وممتدة على مستوى الإقليم، فالمقاومة
لها ما يبررها على الأرض في حين أن السلطة في رام الله لم يعد لها ما يبرر وجودها
لدى الاحتلال وأمريكا سوى مكافحة المقاومة وتسويق خطابها، وهي مفارقة تحتاج من
السلطة والدول العربية الداعمة لها مراجعة حساباتها وقراءتها للمشهد قبل فوات الأوان.
x.com/hma36