قضايا وآراء

براءة الإنتربول من تسليم عبد الرحمن القرضاوي

يدعو الكاتب إلى "الوقوف إلى جوار عبد الرحمن القرضاوي"- فيسبوك
الإنتربول هو الشرطة الدولية المعنية بتعميم نشرة حمراء على المدانين قضائيا، وتطلبهم دول بعينها بعد صدور حكم قضائي نهائي استوفى كل درجات التقاضي، ويمكن للمطلوب أن يوكل محاميا يقدم ما يثبت عدم صحة ملاحقته عن طريق الإنتربول، وقد حدث هذا تحديدا مع فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ورفع اسمه. وعلى كثرة القضايا وآلاف المطلوبين على القوائم الأمنية المصرية، لم يدرج على قوائم الإنتربول الدولي من رموز الإسلاميين إلا بضعة أشخاص.

لكن الذي حدث مع القرضاوي الابن لا علاقة له بالإنتربول الدولي لأنه ليس مدرجا على نشرته، وإنما استخدم مصطلح الإنتربول لإضفاء صبغة قانونية على الموضوع الذي يتلخص في الآتي:

توجه الشاعر عبد الرحمن يوسف القرضاوي إلى دمشق مباركا لأهلها على انتصار الثورة السورية، وسقوط نظام بشار الأسد، وسجل مقطعا قصيرا من المسجد الأموي، حذر فيه من تدخل بعض الدول العربية في سوريا، لأن ثورات الحرية تقابلها ثورات مضادة، وثار لغط شديد بعد نشر المقطع مما اضطره لحذفه. وخلال عودته عن طريق لبنان استوقفه الأمن اللبناني بحجة وجود طلب توقيف من الإنتربول العربي، وهذا الإنتربول مؤسسة خاصة بالدول العربية، تتبع مجلس وزراء الداخلية العرب، وهو الاجتماع العربي الوحيد الذي يعقد بانتظام، ويتم فيه تحديث البيانات وتبادل المعلومات أولا بأول، ولا يخضع لأي قانون وليس له مرجعية أو دستور إلا ما يتوافق عليه الأشقاء العرب، والتنسيق من خلاله بين الجهات الأمنية والمخابراتية على قدم وساق.

لم يكن اسم عبد الرحمن القرضاوي مدرجا على قوائم الترقب في مطار لبنان، وإنما جاء طلب التوقيف ابتداء من مصر التي أرسلته على عجالة، ولم ترسل الملف الرسمي لاسترداده إلا قبيل تسليمه، في الوقت الذي سارعت فيه الإمارات بتقديم طلب باستلامه استنادا إلى تهم لا تخرج عن كونها قصائد شعرية وآراء شخصية من قبيل حرية الرأي والتعبير، ولم يكن عبد الرحمن متهما بها في الإمارات ساعة توقيفه، واكتفت بهذا الطلب المبدئي الذي لا يستند لحكم قضائي، وذهبت للتركيز على الضغط بكل الوسائل على حكومة لبنان
لم يكن اسم عبد الرحمن القرضاوي مدرجا على قوائم الترقب في مطار لبنان، وإنما جاء طلب التوقيف ابتداء من مصر التي أرسلته على عجالة، ولم ترسل الملف الرسمي لاسترداده إلا قبيل تسليمه، في الوقت الذي سارعت فيه الإمارات بتقديم طلب باستلامه استنادا إلى تهم لا تخرج عن كونها قصائد شعرية وآراء شخصية من قبيل حرية الرأي والتعبير، ولم يكن عبد الرحمن متهما بها في الإمارات ساعة توقيفه، واكتفت بهذا الطلب المبدئي الذي لا يستند لحكم قضائي، وذهبت للتركيز على الضغط بكل الوسائل على حكومة لبنان، التي استجابت بسرعة لتسليمه للإمارات. وكان القاضي اللبناني جمال الحجار يسارع الزمن لتقديم تقريره إلى مجلس الوزراء وأوصى فيه بتسليمه، وجعل الوزراء التقرير على قمة أولوياتهم في اجتماع مجلسهم، وضربوا عرض الحائط بالاتصالات التركية التي طالبت بعودة عبد الرحمن يوسف إليها نظرا لأنه يحمل جنسيتها، وتدخلت لدى لبنان دول عربية وإسلامية أخرى، لكن رجحت كفة الإمارات، وتلخصت قضية الضغط المتبادل في قول الفرزدق في عبد الله بن الزبير في عدم استجابته لشفاعة أخيه مصعب:

لَيْسَ الشَّفِيعُ الَّذِي يَأْتِيكَ مُؤْتَزِرا    مِثْلَ الشَّفِيعِ الَّذِي يَأْتِيكَ عُرْيَانَا

وظهر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعامة وزرائه، وفي مقدمتهم من يمثلون حزب الله اللبناني، في غاية الحرص على إتمام صفقة التسليم، ولم يُسمع أي صوت معارض للقرار داخل مجلس الوزراء، ولم ينتظر المجلس نظر الطعون القانونية المقدمة للطعن على القرار من الجهات المختصة. وجاء في مذكرة التسليم التي قدمتها الحكومة اللبنانية كل ما يدينها أخلاقيا وقانونيا، حيث اعترفت بأنه لا يوجد اتفاقية تبادل متهمين بين لبنان والإمارات، وأنها موقعة على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، وكانت حجتها الباهتة أن دولة الإمارات تعهدت لها بمعاملته بما يتفق مع معايير حقوق الإنسان، فأصبح الأمر في صورة تواطؤ على الاختطاف، وليس مجرد تسليم.

ومن نافلة القول أن لبنان لا يعاقب على ما يندرج تحت حرية الرأي والتعبير، ومع ذلك: هل يضمن نجيب ميقاتي عدم تسليمه لمصر بعد التحقيق معه في الإمارات؟ وهل مجرد التحقيق يستدعي إرسال طائرة حكومية خاصة في نفس اليوم؟ وكيف للمواطن العربي أن يصدق نزاهة التحقيق والسلامة من التعذيب، وما زالت صورة سجون صيدنايا ومسالخ بشار ماثلة في الأذهان؟

وسجون سوريا صورة متكررة من السجون العربية، التي لا تخضع لأي نوع من الرقابة الحقوقية أو الإنسانية، والدليل أن أي محاميا عربيا يخشى على نفسه من السفر للدفاع عن عبد الرحمن القرضاوي، لذا انتدبت أسرته المحامية الأمريكية هايدي ديكستايل للدفاع عنه.
سجون سوريا صورة متكررة من السجون العربية، التي لا تخضع لأي نوع من الرقابة الحقوقية أو الإنسانية، والدليل أن أي محاميا عربيا يخشى على نفسه من السفر للدفاع عن عبد الرحمن القرضاوي، لذا انتدبت أسرته المحامية الأمريكية هايدي ديكستايل للدفاع عنه

وعلى ذكر الأسرة فإن ما يحدث لعبد الرحمن ليس فقط لكونه من رموز ثورة يناير، أو من خصوم الثورة المضادة، وإنما لكونه ابن القرضاوي الذي وقف مع كل ثورات الربيع العربي، وعاش منتصب القامة في وجوه كل المستبدين، وبدأ مسلسل الانتقام والتنكيل بسجن ابنته علا القرضاوي أربع سنوات في حبس انفرادي، حتى خرجت بوساطة كريمة ممن يعرفون قيمة العلامة القرضاوي وأثره في الأمة -حفظ الله أعراضهم وبلادهم- وبقي زوجها د. حسام خلف معتقلا حتى الآن، لأنه يحمل الجنسية المصرية فقط!

إن نصرة المظلوم حق محتوم، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: "المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَة، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَة مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِما سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ" (رواه البخاري).

وهذ يحتم علينا الوقوف إلى جوار عبد الرحمن القرضاوي، والأخذ على يد الظالم وفضح جريمته، ويحتم على أساتذة القانون الدولي محاسبة نجيب ميقاتي ووزرائه في المحاكم الدولية كمباشر أول للجريمة، وتحميل دولة الإمارات مسؤولية حياة وحرية عبد الرحمن بعدما نجحت في اختطافه. وعلى العلماء والمؤسسات العلمائية أداء حق الوفاء لشيخ الإسلام في عصره، العلامة يوسف القرضاوي في السعي في فكاك ولده عملا بقول الله تعالى: "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَة نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ".

ويتحتم الواجب على فضيلة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، وفضيلة الشيخ عبد الله بن بيه، أن يتدخلا في قضية عبد الرحمن يوسف لما بينهما وبين الشيخ القرضاوي من صلات وأرحام، ولما لهما من مكانة رسمية وأدبية في الإمارات.