في أجواء الاستقطاب الراهنة في
مصر بات متعذرا علينا أن نتحصل على قراءة نزيهة ومحايدة للواقع الذي استجد بعد عزل الرئيس محمد مرسي. إذ ضاقت الخيارات بحيث إنك إذا لم تكن مع ما جرى فأنت متهم ومصنف في معسكر الضد. إلا أن غيرنا أعفانا من المغامرة وفعلها. ذلك أن مؤسسة زغبي ذات المصداقية العالية في عالم الاستطلاعات والبحوث أجرت استطلاعا في مصر حول مؤشرات واتجاهات الرأي العام، ورجعت في ذلك إلى عينة من المواطنين في عشر محافظات. الاستطلاع تم في شهر سبتمبر من العام الحالي، وقورنت نتائجه بقياسات مماثلة للرأي العام جرت في المحافظات ذاتها خلال شهري مايو ويونيو السابقين.
المهمة كانت عادية بالنسبة للباحثين المتخصصين في المؤسسة الأمريكية. ذلك أنهم يباشرون العملية ذاتها في العديد من أقطار العالم، وحتى إذا أسفرت الاستطلاعات عن مفاجآت أو مفارقات أيا كان نوعها فإن ذلك لا ينال من صدقيتهم أو يضيرهم في شيء. إلا أن نشر نتائج الاستطلاع في مصر كان مغامرة من جانب الدكتور مصطفى النجار الذي عرضها في مقالة له نشرتها جريدة «الشروق» يوم الجمعة الماضي 22 نوفمبر. ذلك أن النشر صدم معسكر المهللين الذين استسلموا لغرائزهم وملأوا الفضاء المصري بضجيج حناجرهم، الأمر الذي أشاع جوا من الإرهاب الفكري الذي لم يسلم الدكتور النجار وأمثاله من رذاذه وسهامه. وهي السهام التي ما برحت جريدة «الشروق» تتلقاها منذ اختارت أن تفسح صفحاتها لمختلف الآراء، وقبلت بأن تدفع ثمن ذلك الموقف الذي لا يريد أن يغفره لها آخرون.
من أبرز النتائج التي توصل إليها الاستطلاع ما يلي:
• إن الثقة في المؤسسة العسكرية انخفضت من 93% في يوليو الماضي إلى 70% في شهر سبتمبر. والثقة في القضاء انخفضت من 67% في مايو إلى 54% في سبتمبر. أما الشرطة فالثقة فيها مستقرة نسبيا، حيث كانت 52% في مايو مقابل 49% في شهر سبتمبر.
• الثقة في الحكومة الانتقالية لم تتجاوز 42% في حين أن الذين فقدوا ثقتهم فيها كانت نسبتهم 52%.
• بالنسبة للقادة السياسيين فإن الفريق السيسي يحتل أعلا نسبة تأييد (46%) بينما يرفضه 52%. والثقة في الرئيس المؤقت عدلي منصور لم تتجاوز 29% بينما رفضه 58%. أما الرئيس المعزول محمد مرسي فقد بلغت نسبة تأييده 44% في حين رفضه 54% من المصريين.
• فيما خص القوى السياسية فإن نسبة مؤيدي الإخوان في شهر سبتمبر بلغت 34% وكانت 26% في مايو و24% في يوليو. وقد أعرب 59% عن رفضهم لهم. حزب النور انخفضت نسبة مؤيديه إلى 10% مقابل 86% لا يثقون فيه. ومثله جبهة الإنقاذ التي تدنى تأييدها إلى 13% بينما رفضها 84% أعربوا عن عدم الثقة فيه. وحركة تمرد عانت بدورها من تراجع الثقة فقد رفضها 62% من المصريين مقابل 35% أيدوها. أما نسبة المصريين الذين ليست لديهم ثقة في أي حزب فقد بلغت في شهر سبتمبر 17% بعد أن كانت في شهر مايو 39%.
• في تقييم الموقف من عزل الدكتور محمد مرسي بعد ثلاثة أشهر من العملية أبدى 46% من المصريين تأييدهم لتلك الخطوة، في حين رأى 51% أن عزله بتلك الطريقة لم يكن صوابا بما ترتب عليه من نتائج، ورأى 35% أن مصر أحسن حالا بعد 30 يونيو و46% قالوا إنها صارت أسوأ، بينما قال 18% إنه لم يتغير شيء.
عن موقف المصريين من المصالحة وإدماج الإخوان سياسيا رأى 50% ضرورة حظرهم، بينما رأى 42% ضرورة إيجاد صيغة لإدماجهم. ورأى 79% من المصريين أهمية المصالحة بشكل عام. حين رفضها 21%.
ليس ذلك آخر كلام بكل تأكيد، لكنه ليس أي كلام. أعني أننا لا نستطيع أن نعتبر هذه النتائج قراءة نهائية للواقع المصري، إلا أننا أيضا لا ينبغي أن نتجاهلها تماما. ذلك أن أهميتها تكمن في أنها ــ حسب علمي على الأقل ــ أول محاولة من نوعها سعت لدراسة الواقع المصري بأسلوب علمي، بعيدا عن التشنج والتهويل الإعلامي والتهريج السياسي. في ذات الوقت فإنها تدفعنا إلى إعادة النظر في فكرة «التفويض» التي أطلقت في الفضاء السياسي. وعند الحد الأدنى فإنها تنفي الادعاء بأنه كان تفويضا على بياض.
لن أستبعد أن يهب نفر من الناس غاضبين وقائلين بأن المؤسسة المذكورة جزء من المؤامرة الأمريكية. وأن جيمس زغبي استعاد أصوله اللبنانية والتحق سرا بالتنظيم الدولي للإخوان. وقد تفاجأ بفتوى تدعى أنه في الأصل كافر لا تسمع شهادته. لن أستغرب شيئا من ذلك بطبيعة الحال. لكن الذي أستغربه وأحذر منه أن نصدق تلك الدعاوى، بما يجعلنا ندفن رؤوسنا في الرمال ونصر على تجاهل الواقع وإنكاره.
إنني لا أدعو إلى الانطلاق من نتائج ذلك الاستطلاع، لكنني أدعو فقط إلى استعادة الوعي والانتقال من السكرة إلى الفكرة، بحيث نكف عن الاستسلام للأوهام والغرائز وتنصت إلى أجراس الحقيقة قبل فوات الأوان.
(عن الشرق القطرية)