ثلاثون عاما حكم فيها
مبارك مصر في ظل
الطوارئ، وفي النهاية سقط، ولم تحصن الطوارئ نظامه، ولم تحمه من مظاهرات حاشدة قادت إلى ثورة في 25 يناير 2011.
تلك الثورة أسقطت عمليًا الطوارئ لأنها كانت ضد الحكم القمعي، وقد تمتع الشعب المصري بحريته كاملة دون رعب الأجهزة التي كانت تمسك بسيف الطوارئ لحبس المصريين في الزنزانة، لكن ثبت أن أسوار التخويف والاستبداد مهما ارتفعت فإنها ليست حائلًا من السقوط، وليست حلًا للأزمات، وثبت أن الطوارئ لا تستطيع تحقيق الأمن، ولا منع الحراك السياسي ولا الجرائم، ولا تقضي على العنف أو حتى الإرهاب، فلا يمكن لأي حكم غير شعبي يريد فرض نفسه بقوة القوانين والمحاكم الاستثنائية أخذ بلد وشعب رهينة بالطوارئ.
الحكم المنتخب لا يلجأ للطوارئ مهما واجه من تحديات أمنية، لأنه جاء لتنفيذ إرادة الشعب، فلا يمكن أن يلجأ لقمع مواطنيه، والسلطة فيه تُعلي من شأن المواطن، ولا تتعامل معه على أنه خادم عندها أو بلا كرامة وحقوق، وإذا كانت هناك ضرورة قصوى وخطر داهم على الأمن القومي فتُفرض الطوارئ لمدة قصيرة قد تكون من أسبوع إلى شهر، أو لحين انتهاء الخطر، ويكون ذلك بموافقة البرلمان وبشروط قاسية في التطبيق، فالأصل هو الحرية، والاستثناء هو القيود على الحريات الفردية والعامة.
صحيح أنه تم حصول انفلات وفوضى وإساءة استخدام الحرية بعد ثورة يناير، لكن ذلك لم يكن سلوكًا عامًا من المصريين جميعًا، إنما من قطاعات محددة سياسية وثورية وفئوية، وربما كان العذر لذلك الانفلات هو المنع الطويل من ممارسة حرية الاحتجاج دون خوف من بطش السلطة، وقبضة أجهزة الأمن.
مرسي فرض الطوارئ لمدة شهر في محافظات القناة الثلاث، ومع ذلك لم يتم الالتزام بها، ليس فقط لأن المواطنين صاروا يتململون من القيود الاستثنائية، إنما لأنه كان هناك هدف آخر خفي وهو محاولة إضعاف هيبة الرئيس وحكومته، وإظهار عدم قدرتهم على تنفيذ قراراتهم لتكون الرسالة أن هناك تحديًّا شعبيًا لهذا النظام.
السلطة الانتقالية اضطرت سريعًا لفرض الطوارئ يوم فض اعتصامي رابعة والنهضة الذي خلف جراحًا عميقة في نفوس قطاع من المصريين. كان هناك عنف آخر في هذا اليوم والأيام التي تلته، لكن ماهو مستوى تورط الإخوان وحلفائهم في ذلك العنف؟، النظام يتهمهم رسميا بالمسؤولية الكاملة عما حصل من عنف واستهداف لبعض المنشآت الشرطية والدينية والمدنية، لكن هذا مرهون بصدور أحكام إدانة قضائية، أو خروج لجان تقصي حقائق نزيهة باستخلاصات قاطعة حتى نعرف أيضا حقيقة ما جرى في فض الاعتصامين لتوضع النقاط على الحروف في قضية ذات بعد إنساني مأساوي.
الطوارئ يمكن أن تجعل السلطة تسيطر على الشارع بقوة السلاح، لكنها لا تحل الأزمة، لأن الحلول الأمنية لا تصلح، لا في مصر، ولا في غيرها، إنما الحلول السياسية فقط سواء في الأزمات المحلية أو الدولية، وأمريكا مثلا اضطرت للانسحاب من العراق، وهي ستنسحب من أفغانستان، وهي تشجع حكومة كرزاي للتفاوض مع طالبان لوضع حد لحرب طاحنة طويلة، ومصر ليست العراق ولا أفغانستان، إنما هناك أزمة سياسية معقدة، وكل طرف يريد تأكيد أحقيته وحده بالشرعية، لكن يرافق ذلك عنف ودماء وإجراءات متعسفة، والخروج من تلك الحالة يتطلب اعتراف كل طرف بحقيقة وضعه على الأرض، ومن هنا يبدأ نقاش مفتوح متوازن للوصول لحلول.
الطوارئ لم تمنع المظاهرات في الأيام العادية، وفي أيام الجمعة، ولم تمنع المظاهرات ليلا رغم الحظر، ولم تمنع الجرائم الجنائية وممارسات البلطجية، بل أساءت لصورة مصر في الخارج، والأخطر أن الحظر تسبب في خسائر كبيرة للاقتصاد المنهك من الأساس.
فرض الطوارئ كان يعني أن الوضع في البلاد غير مستقر بعكس ما قيل للترويج لـ 3 يوليو وخريطة المستقبل من بدء مرحلة جديدة أفضل، والطوارئ هي وصفة لفشل أو إخفاق أو تأزم أي سلطة حاكمة.
كان يكفي الشهر الأول، وإرجاء التمديد، إلا إذا استدعت ضرورة قصوى للعودة إليها، وما تردد عن التزام الناس بالحظر هو التزام اضطراري بسبب الإجراءات الأمنية المشددة، فالمواطن يقع بين سندان الخوف، وبين مطرقة أنه منح تفويضًا مفتوحًا لمواجهة العنف والإرهاب فاتسع هذا التفويض أكثر من اللازم لينال من حريته، إضافة إلى أن هذا المواطن خرج فرحًا بيوم 30 يونيو لبدء مرحلة جديدة تحل فيها مشاكله الاقتصادية والأمنية بالأساس، لكنه يجد اليوم الوضع يزداد صعوبة ، لذلك هو مضطر لكظم غيظه والتحلي بمزيد من الصبر.
tmyal66@hotmail.com
(عن الراية القطرية)