لن يمر اتفاق جنيف بين
إيران والولايات المتحدة بدون قراءة آثاره. فقد رأى فيه معلقون مثل روبرت فيسك في صحيفة "إندبندنت" انتصاراً شيعياً ضَمِن بقاء الأسد الذي نام مرتاحا في سريره، في وقت كانت فيه
السعودية وحلفاؤها الخليجيون يتقاسمون مراسم العزاء.
آخرون رأوا في الاتفاق تراجعاً من قبل أمريكا عن التزاماتها الإقليمية، وتضحية بحلفاء تقليديين مقابل بحث إدارة الرئيس أوباما عن "الإرث".
فبدلا من المواجهة مع القوى الإقليمية ومنافسيها الدوليين (روسيا والصين)، وجدت واشنطن أن أحسن طريقة هي التفاوض، وقد دفعت هذه التطورات قادة الدول العربية لإعادة تقييم علاقاتهم مع القوى الدولية مثل روسيا والصين.
ويشير الكاتب ريتشارد سبنسر في صحيفة "ديلي تلغراف" أنه لو صدّقنا الأصوات المتصاعدة والمرعدة القادمة من القدس أو الرياض فعلينا توقع حدوث كارثة. وفي ذات الوقت قد تجد الحكومة الإيرانية الخارجة من الإتفاق الجرأة لمواصلة وزيادة دعمها لبشار الأسد، حيث يوجد الآن آلاف من المقاتلين التابعين لحزب الله، والميليشيات الشيعية من العراق وإيران.
وفي ضوء هذه التطورات نحن أمام عدد من السيناريوهات؛ منها قيام إيران باستغلال جنيف القنبلة
النووية وتحقيق نصر دبلوماسي للأسد في جنيف-2 يسمح له بالبقاء في السلطة، أو أن تزيد السعودية ودول الخليج من دعمها للمقاتلين في المعارضة السورية مما يسمح لزيادة صعود وحضور القاعدة والجماعات المرتبطة بها، وفي كلتا الحالتين سيستمر نزيف الدم السوري.
وفي سياق آخر قد تقوم السعودية بالبحث عن مشروعها النووي لاعتقادها أن التعهدات الإيرانية فارغة، مشيراً إلى أن القنبلة النووية الباكستانية عادة ما توصف "بقنبلة الردع السعودية بالوكالة" بسبب التعاون اللصيق بين البلدين.
يضاف إلى ذلك؛ السعودية لا تزال الدولة الأولى من ناحية إنتاج النفط، وأصبحت الضامن للحكومة العسكرية في مصر، وكانت سعيدة عندما وقعت القاهرة عقود صفقات أسلحة مع روسيا. ويرى الكاتب أن العالم السني يبدو على حافة الخروج من دائرة التأثير الأمريكي.
ويعتقد الكاتب أن غضب إسرائيل والسعودية منبعه عدم وجود الجهة التي يمكنهما التوجه لها والشكوى. ولا يستبعد أن يترك الإتفاق أثراً على مسار التسوية السلمية، الفلسطينية- الإسرائيلية فقد تجد السعودية وإسرائيل إطاراً مشتركا في ضوء التطورات الأخيرة لحل القضية الفلسطينية، خاصة أن السعودية تعتبر داعما رئيسيا للسلطة الوطنية التي تفضلها على حماس في غزة.
وفي سيناريو آخر قد تجد إيران أن الوقت قد حان للتخلي عن الأسد حالة شعورها بتطور في علاقتها مع الغرب، وأنها تجد ليست بحاجة لسورية وبشار الأسد.
ورغم كل هذه السيناريوهات فلن يتغير شيء على المدى القريب، حيث ستواصل إيران مواجهة الغرب وسيستمر الصراع الطائفي. وفي النهاية سيظل أثر الإتفاق ملاحظاً على السياسة الداخلية الأمريكية؛ فدعم السعودية لن يؤدي لحصول المرشحين على أصوات.
ويعتقد الكاتب في نهاية مقالته أن اتفاقية جنيف تناسب الداعين للعزلة في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي الماضي لم تنفع هذه السياسة، والخطوة الأخيرة كما يرى المحلل السياسي إميل هوكايم "تعتبر مقامرة كبيرة، فإن نجحت كان به، وإن فشلت فستخسر أمريكا كل شيء في العملية".