كتب إريك تريغر في مجلة "فورين بوليسي" مقالا مطولا عن وضع
مصر بعد قانون التظاهر الذي أثار انتقادات واسعة، خاصة من النخب العلمانية التي دعمت الانقلاب على الرئيس محمد
مرسي في 3 تموز/يوليو الماضي.
وقال الكاتب إن النخبة الجديدة تعمل على إعادة مصر إلى الوضع الذي كان قائما في عهد
مبارك. ويشير إلى محاولة استعادة فكرة "الزبائنية" واستمالة العائلات المؤثرة التي كان النظام يعتمد عليها، خاصة في منطقة الدلتا والصعيد، وهي العائلات التي ظلت متعاطفة مع الرئيس المخلوع مبارك، وأعطت أصواتها لمرشح "الفلول" أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة، وستدعم وزير الدفاع وزعيم الانقلاب عبد الفتاح
السيسي إذا قرر ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية العام المقبل.
ويقول تريغر إن "تراجع التظاهرات إلى مناطق وجيوب معزولة داخل المدن بصورة تعطي بقية أحيائها فرصة للراحة ومساحة للهدوء لا يعني هدوءا حقيقيا" وإن من الخطأ اعتباره دلالة على الاستقرار.
ويرى الكاتب أن "النظام المصري الحالي يحاول الحفاظ على ملامح السلام من خلال العودة لحالة "الوضع المستقر" الذي كان سمة عهد مبارك". ويقوم العسكر لتحقيق ذلك بوضع السلطة في يد "الجماعات" أو القبائل التي دعمت مبارك لعقود طويلة، ولكنها خسرت سلطتها أثناء حكم مرسي. ويضيف تريغر أن محاولات إعادة عهد مبارك هي انعكاس لطبيعة التحالف الذي دعم الإطاحة بمحمد مرسي، إذا "كانت أقوى معارضة لنظام مرسي نابعة من العائلات والقبائل الكبيرة التي تعيش في منطقة الدلتا والصعيد التي كانت تشكل قاعدة نظام مبارك وانتفعت منه ومن طريقته في الحكم القائمة على مكافأة الموالين له".
وينقل الكاتب عن عبدالله كمال، وهو صحافي ومسؤول سابق في الحزب الوطني الذي كان يرأسه مبارك، قوله إن "تلك القواعد التقليدية تعتبر حيوية في عمليات الاقتراع الجماعية". فقد ظلت هذه العائلات ولعقود طويلة تمارس تأثيرا على السياسة وانتفعت من النظام الانتخابي الذي اتبعه مبارك، وكان يعتمد على تقسيم المناطق الانتخابية إلى مناطق صغيرة سمحت لهم بحشد أقاربهم وعائلاتهم ودعم فوز مرشحيهم. و"لأن البرلمان في عهد مبارك كان يمثل آلية لتوزيع مصادر الدولة فقد سَهُل على هذه العائلات تقديم الدعم ومكافأة الناخبين في هذه المناطق الانتخابية الصغيرة، مما ترتب عليه استمرار الدعم للحزب الحاكم. لكن الانتخابات في عام 2011 قضت على احتكار الجماعات الصغيرة لمناطقها حيث توسعت الدوائر الانتخابية، وحققت الجماعات الإسلامية الفوز في كل الانتخابات التي جرت في مصر منذ ثورة يناير 2011".
وفي الوقت الذي لم تظهر فيه بعد تفاصيل قانون الانتخابات البرلمانية، إلا أن الحكومة تتوقع أن يقوم النظام المقبل على الدوائر الانتخابية الصغيرة، مما يعني إعادة السلطة للقبائل والعائلات الصغيرة. ويدعو اللاعبون المؤثرون في الحكومة الحالية إلى نظام يضيق من حجم الدوائر الانتخابية، وينقل الكاتب عن الجنرال محمد رفعت عثمان، الذي عمل بوزارة الداخلية سابقا وكان مسؤولا عن رسم نظام الدوائر الانتخابية أنه شارك بنقاشات حول طبيعة نظام الانتخابات؛ وأنه نصح باعتماد النظام الفردي القائم على دوائر صغيرة يمكن للسلطة التحكم بها، لضمان حصول زعماء العائلات الموالين للنظام الحالي على أكبر فرصة للفوز في البرلمان.
وبالنظر إلى ما يتم نقاشه حول نظام الانتخابات، يرى الكاتب أن العائلات "ستلعب دورا" في جولتها القادمة، ما سيدفع الأحزاب التقليدية والعلمانية إلى التقرب منها للحصول على مكاسب انتخابية.
ويعتقد الكاتب أن "النظام في محاولته لدعم شبكات العائلات القديمة يريد أن يقدم صورة عن الاستقرار الذي لم يكن الإخوان المسلمون قادرين على تحقيقه، ولكنه يستبعد أن تنجح هذه السياسة، لسببين: الأول أن هذه السياسة لن تحل المشاكل التي أدت إلى قيام ثورة يناير عام 2011، والثاني يتعلق بطبيعة الصراع السياسي بين الحكومة والتيارات الإسلامية.
وفيما يتعلق بالسبب الأول، يرى الكاتب أن حكومة
الببلاوي تعيش حالة إنكار لوجود المشاكل الحقيقية، وينقل- للدلالة على هذه الحالة- عن مسؤول في وزراة المالية قوله: "نحن لا نقلق كثيرا على الاقتصاد". وفي الوقت الذي يعيد المسؤولون مشاكل الدولة الاقتصادية إلى عدم الاستقرار السياسي، إلا أن تقييمهم لعودة الأوضاع إلى طبيعتها قائم على فرضيات مثيرة للقلق حسب الكاتب، الذي يضيف: "أخبرني زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء أنه في حالة عودة الأمور إلى طبيعتها، فسيكون بمقدور الحكومة تمويل ميزانيتها المتضخمة بدون الاعتماد على الدول الخليجية المنتجة للنفط، وبشكل خاص من السياحة"، وقال "علينا أن لا نفترض أن مستوى السياحة سيعود إلى ما كان عليه "بل علينا أن نفترض أنها ستكون أعلى". ويقول الكاتب إن حسابات الحكومة لا تتطابق مع الحقيقة، ومن هنا فإن مصر التي سارت نحو هاوية اقتصادية في عهد محمد مرسي، تسير نحو هاوية أبعد في الوقت الحالي، لأن مستوى الإنفاق ليس دائما، ولا يمكن التحكم به، بحسب الكاتب.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين الحكومة والتيارات الإسلامية، يعتقد الكاتب أن هذه التيارات ربما ستلجأ إلى التخلي عن السياسة والسعي للتأثير على الاستقرار في البلاد، لأن الإسلاميين وفي مقدمتهم جماعة الإخوان يرون أن الحكومة المعينة من الجيش تحاول تحييد دورهم السياسي، إن لم يكن محوهم كليا.
وفي النهاية يقول الكاتب إن صراعات مصر الأيديولوجية تظل عرضا جانبيا، فمصير البلد سيقرره تداخل صراع القوتين؛ الصراع الضيق بين الإخوان والعسكر الذين أزاحوهم عن السلطة، والصراع الأوسع بين الجماعات المباركية القديمة والجماعات الإسلامية التي كانت بدأت بتعزيز مواقعها، لأن المخاطر بالنسبة للطرفين تظل وجودية، ولهذا علينا أن لا نُخدع بالهدوء الذي تعيشه مصر ونعتقد أنه صورة عن التقدم علاوة على كونه استقرارا.