في سابقة من نوعها منذ أول تجربة برلمانية سنة 1963، أسقطت قوى
المعارضة بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان
المغربي)، مشروع قانون مالية 2014 مساء الخميس، بأصوات بلغ عددها 87 صوتا مقابل 33 صوتا، وذلك بعد ما نجحت الحكومة وأغلبيتها في إجازة المشروع نفسه بمجلس النواب (الغرفة الأولى) في العشرين من الشهر الماضي.
وسيعود مشروع قانون المالية الذي تم رفضه بمجلس المستشارين الذي تسيطر عليه المعارضة، إلى مجلس النواب الذي تحظى فيه الحكومة بالأغلبية.
وإذا ما أقر مجلس النواب مشروع القانون فإنه لن يعود مجددا لمجلس المستشارين، غير أن التحدي الزمني مطروح بقوة لكون القانون ينبغي أن يدخل حيز التنفيذ مع مطلع سنة 2014، وإلا فلن تتمكن الإدارات والقطاعات الحكومية من العمل إلا ببحث بعض الطرق الاستثنائية.
واعتبرت قوى المعارضة خلال مناقشتها للمشروع أن الحكومة لم تقدم أجوبة واضحة ودقيقة حول العديد من الأسئلة التي أثارتها، بخصوص عدد من القضايا ذات الأهمية، فيما رأت الحكومة أنها تفاعلت بإيجابية مع التعديلات التي تقدمت بها المعارضة، مؤكدة أن المعارضة فوتت فرصة المصادقة على مشروع قانون مالي يدعم السياسات الاجتماعية ويضع الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين والحفاظ على التوازنات الماكرو- اقتصادية في مقدمة أولوياته.
وسجل مراقبون التقاهم "عربي21" الحضور المكثف للمعارضة لأول مرة، ولوحظ أن عددا من المستشارين حضروا لأول مرة هذه السنة، كما أسرت مصادر أن حزبين في المعارضة جندا مستشاريهما من أجل إسقاط مشروع القانون، وبلغت حد الحجز لهم بفنادق فخمة بالعاصمة
الرباط، وعلى مقربة من البرلمان.
واتهم المستشار البرلماني عن الأغلبية عبد الله عطاش، المعارضة بتقصد إسقاط المشروع، وقال في تصريح لـ "عربي21" إن المعارضة بمجلس المستشارين "أسقطت المشروع بنية مبيتة وإن فكرة الإسقاط كانت سابقة على وصول المشروع إلى الغرفة الثانية"، وأضاف أن الإسقاط تم عن طريق تحريك مستشارين من المعارضة بالتحكم عن بعد، من طرف زعماء أحزاب المعارضة، وأنه غير مبني على معطيات دقيقة أو تناقضات تم تسجيلها عليه.
وتابع المستشار عن نقابة "الاتحاد الوطني بالشغل للمغرب"، قائلا: إن ما أقدمت عليه المعارضة يعد خطوة غير مبررة وغير مبنية على معطيات دقيقة، وإن الخطوة لا تعدو أن تكون قضية سياسية ولا صلة لها بالدفاع عن الجانب الاجتماعي أو المطالب الشعبية، "إنها خطوة تعبر عن المعارضة من أجل المعارضة وبشكل ميكانيكي".
من جهته، دافع العربي حبشي، المستشار البرلماني في المعارضة، عن قرار إسقاط مشروع القانون، وقال لـ "عربي21"، إن موقف الإسقاط "سياسي ولا شيء يمارس خارج السياسة، وإن النقاش حول قانون المالية كان ساخنا وديمقراطيا بعيدا عن لغة الخشب".
وعن دوافع إسقاط مشروع القانون، قال المستشار عن الفريق "الفيدرالي للوحدة والديمقراطية" إنها تتلخص في كون هذا المشروع جاء بعد انتظار طويل، أثر على الاقتصاد الوطني وعلى الدورة الاقتصادية وعلى الطبقة العاملة، كما أن تشكيلة النسخة الثانية من حكومة ابن كيران، حسب حبشي، لم تكن بمستوى تطلعات الشعب وأنه طغى عليها المقوم التقني على حساب السياسي "وهو ما اعتبرناه تبخيسا للمسألة الاجتماعية، وفي هذا الإطار رفضنا مالية 2014".
وأضاف حبشي، أن من بين أسباب إسقاط الميزانية كذلك، فشل الحوار الاجتماعي بين النقابات والحكومة، فضلا عمّا اعتبره غيابا للإرادة السياسية لدى الحكومة في مواجهة المعضلات الاجتماعية، بالإضافة إلى ما قامت به هذه الأخيرة من اقتطاع من أجور المضربين عن العمل في غياب سند قانوني.
أعادت الواقعة للواجهة النقاش من جديد، حول جدوى مؤسسة
مجلس المستشارين بالنظر إلى كونه يكرر العديد من الأدوار والجهود التي يقوم بها مجلس النواب، كما أعاد من جديد الحديث عن ضرورة تسريع مواءمة الانتخابات، وتشكيل هذه المؤسسة مع مقتضيات دستور تموز/ يوليو 2011 الجديد، حيث إن الغرفة الثانية وعلى عكس الأولى، ما تزال تسير وفقا للدستور القديم.