كتاب عربي 21

إنها الفوضى الخلاقة أيها الغبي!

1300x600
الانقلاب في مصر يتسير، وفي اللغة فان كلمة يتسير تعني أنه يذكر سيرته، وعندما يقع تفجير مديرية أمن الدقهلية، فلابد أن تذكر حادث كنيسة القديسين، الذي وقع ليغطي على عملية تزوير الانتخابات بالشكل الفج، الذي كان من دوافع قيام ثورتنا المجيدة، وفهم مبارك الرسالة، فقال في البدء باعتماد أحكام القضاء التي تؤكد وقوع التزوير في الدوائر المختلفة، ومع استمرار الثورة، قرر حل البرلمان، لكن فاته أن الوقت تأخر وأن إسقاطه صار رغبة مصرية أصيلة!

ولهم في حادث كنيسة القديسين، الذي لم يعثروا على مرتكبيه إلى الآن مآرب أخرى، لا تعلمونها الله يعلمها.

الانقلاب عندما يتسير الآن، فانه لم يذهب بعيداً، فقد ذهب إلى عهد مبارك، وهو جاء ليعيد هذا النظام بحذافيره، فقد استوعبت مؤسسات الدولة العميقة الثورة، ثم جاءت لتنفذ مخططها في الانقلاب عليها في 30 يونيه الماضي، وكان الهدف هو العودة إلى زمن مبارك، وها هم الآن يضعون النشطاء في خانة الأعداء، واقصد بهم الذين تحالفوا مع الانقلابيين، ومثلوا غطاء ثورياً للثورة المضادة.

الانقلاب مأزوم، وهو يتحرك في ظلمات بعضها فوق بعض، إذا اخرج الفريق عبد الفتاح السيسي يده لم يكد يراها، فهم في عجلة من أمرهم، لفرض سياسة الأمر الواقع، على قاعدة الانتهاء من الاستفتاء على الدستور، لكنهم يعلمون أن استمرار ثورة الشعب، ستمنعهم من إقامة حلقة ذكر لإدخال الغش والتدليس على الرأي العام الخارجي، بأن الانقلاب نجح في مصر، وأن الجماهير العريضة خرجت ملتفة حوله أمام لجان الاستفتاء، والنية تتجه لحشد مجندين بزي مدني أمام اللجان، لتنقلها الفضائيات ووكالات الأبناء التي تم السيطرة على مراسليها مؤخراً، بشكل صرنا معه لا نميز بين أداء وكالة "رويترز"، ووكالة أنباء الشرق الأوسط وهي الوكالة الرسمية المملوكة للحكومة المصرية.

الدعوة للتظاهر في هذا اليوم أفقدت الانقلابيين عقولهم، وكان لابد من العودة، إلى المنهج القديم المعتمد، الذي أشار به عليهم محمد حسنين هيكل، فانتقلوا به من فشل إلى فشل، ولم يبحثوا لأنفسهم عن مقرر دراسي جديد يعتمدوه.

أعني بالمقرر القديم هو سيناريو سنة 1954، عندما تمكن عبد الناصر من القضاء على الخطر الاخواني الذي يتهدده في ليلة. فات الانقلابيون ومرشدهم محمد حسنين هيكل، أن الزمن تغير، ثم إن عبد الفتاح السيسي ليس هو جمال عبد الناصر، وناصر وان اختلفنا معه كان لديه مشروع، في حين أن مشروع السيسي الوحيد هو أحلام اليقظة، فبين اليقظة والنوم يرى فيما يرى النائم أنه صار رئيساً، فيخفي في نفسه ما الله مبديه، فيكون كنيرون الذي أحرق المدينة، وهو يحرق مصر من أجل أن تصبح " مناماته" واقعاً.

لم ينتظر الانقلابيون تحقيقاً، ففي اللحظات الأولى لارتكاب حادث التفجير، علقوا الاتهام في رقبة الإخوان المسلمين،وعليه قرر رئيس حكومة الانقلاب إدراج الإخوان في قائمة الإرهاب، ثم كانت حملة الإبادة الإعلامية، والدفع بعناصر مجهولة الهوية، للاعتداء علي بيوت الإخوان، وممتلكاتهم ونهبها بعد ذلك!

لتكون هذه هي النوعية المدافعة عن الانقلاب، ليست أكثر من مجموعة من القتلة واللصوص، على نحو ذكرني بالذي مضي!
في يوم 25 يناير 2011، بدأت نقطة تحركي من أمام دار القضاء العالي، وهناك وجدت أمام باب المبني المرتفع، عدداً من النشطاء من بينهم الدكتور محمد البلتاجي، وأبو العلا ماضي، واستفزني المشهد، ولم أكن ملماً بتفاصيل هذا اليوم وما تقرر سابقاً ووقفت عليها بعد قليل.

ان هناك نقاط ارتكاز لوقفات، وهناك مسيرات في كل مكان في القاهرة، ونقطة الالتقاء هي "ميدان التحرير".. قلت في نفسي، قبل أن أحيط بحقيقة الموقف علماً: سنقضي عمرنا كله في وقفات على "السلالم"، ومن سلالم نقابة الصحفيين، إلى سلالم مجلس الدولة، التي جرى اختزالها بشريط زرع على الجانبين وسور حديدي، إلى سلالم دار القضاء العالي.

أشرت لهم بالهبوط، فأشاروا لي بالصعود، فبقي كل منا في مكانه. وفي هذا اليوم كان سيدة تنتمي إلى "البرولتاريا الرثة" تحمل علم مصر، وتسب المتظاهرين بفحش القول، وتهتف لحسني مبارك، وعندما لا تسعفها العبارة، أو تُرهق حنجرتها، تشير بأصبعها وذراعها إشارات لها دلالات جنسية فاحشة!

قلت لضابط شاب ساخراً: كان عليكم أن تتخيروا لأنفسكم ولرئيسكم من الشخصيات ما يشرف، فرد بابتسامة: 
هذا هو النوع المتوافر عندنا،.. وقلت له: كان عليكم أن تكلموا أحمد عز ( القيادي بالحزب الحاكم) ليسد هذا العجز عندكم من اختياراته المشرفة، ورد الضابط متبسماً أيضاً: لكي تأتي شرطة الآداب، وتلقي القبض عليهن.. وتسعدوا أنتم بذلك؟!

لا بأس، إنهم أنصار على دين انقلابهم، وإذا كان قادة الانقلاب يؤمنون بالحكمة البليغة: "إذا عشقت اعشق قمر، وإذا سرقت اسرق جمل" فقد سرقوا سلطة الحكم، وتركوا أنصارهم يسرقون من ممتلكات الإخوان، ما يمثل عندهم "جملاً"!

لم يقدم الانقلابيون، دليلاً واحداً على أن الإخوان هم من فجروا مديرية أمن الدقهلية، وهناك قرائن ترتقي إلى مرتبة الدليل على أن من فعلها ليسوا من الإخوان، أو القوى الموالية للشرعية.

فداخل مديرية الأمن يوجد معتقلون من الإخوان، ومن القوى الرافضة للانقلاب، وهناك حرائر المنصورة اللاتي تم القبض عليهن قبل هذا الحادث، فهل قرر الإخوان تصفية رجالهم؟!

لا يمكن لمثلي أن يمرر بسهولة، ما قاله جندي في مداخلة هاتفية مع أحد برامج "التوك شو" الموالية للانقلاب، من أنه يوضع يومياً "كمين" أمام مديرية الأمن، وأن هذا الكمين قد ألغي ليلة وقوع الحادث وهو كلام لو صح لكنا أمام معلومة تأخذ بالاتهامات في الاتجاه المعاكس تماماً.

لا تنسى أن المعلومة التي قيلت، عن أن التفجير تم من الشارع لم تكن دقيقة، لأنه بدا واضحاً للجميع أن التفجير لم يبدأ بالطابق الأول لكنه كان في الطابق الثاني والخامس، على نحو كاشف بأنه كان من الداخل، فكيف سمح لمن قاموا به بالدخول لمديرية الأمن في هذه الساعة المتأخرة من الليل. 

وهناك سؤال يطرح نفسه، ومن أخبر من خططوا ونفذوا هذه العملية، بأن اجتماعاً لمدير الأمن سيكون معقوداً في هذه اللحظة مع قيادات أمنية بالمحافظة، واجتماعات سيادته لا تعلن في نشرات الأخبار؟!

هذا فضلاً عن أنه ليس هو الحادث الأول من نوعه الذي يتعرض له هذا المبنى.
ففي يوم 4 فبراير الماضي تعرض لهجوم بالمولوتوف..
ويوم 3 مارس تعرض لاقتحام من قبل البلطجية
ويوم 12 اكتوبر تم اطلاق رصاص مجهولين على المبنى
ويوم  23 أكتوبر حدث هجوم وأصيب فيه 14 شخصاً من بينهم 12 مجندا
ويوم 25 أكتوبر أيضا تم إطلاق الرصاص من مجهولين على مجند أمام مديرية الأمن هذه.

وهذا كله أدعى بأن تكون هناك حراسة مشددة على المبني، ومديريات الأمن لأنها مستهدفة خاضعة أصلا لحراسة مشددة!

وقبل هذا وبعده، فعندنا ثلاثة تفجيرات كبرى وقعت في مصر، فكانت معالجة الموقف مختلفة بحسب طبيعتها، فمجزرة الاقصر الشهيرة أطاحت بوزير الداخلية حسن الألفي، وتفجيرات كنيسة القديسين ظل وزير الداخلية حبيب العادلي في موقعه لان الشبهات تحوم حول انه مرتكبها.. وفي الحادث الأخير لماذا لم تتم الإطاحة بوزير الداخلية لهذا القصور الأمني الفادح، وللفشل الأمني المتكرر!

ان ما حدث وتداعياته، استدعىإلىالذهن تصريحات كونداليزا رايس وهي تتحدث عن الفوضى الخلاقة، التي بشرت بها، واذا كان الربيع العربي منع من تنفيذ هذا المخطط فقد جاءت الثورة المضادة في الاقطار العربية التي شهدت ربيعاً عربياً لتنفذ هذه السياسة، لا تظن أن القوم بالداخل يمثلون قادة للانقلاب.. إنهم مجرد عمال لدى المقاول الكبير في البيت الابيض.

إنها إذن الفوضى الخلاقة أيها الغبي.