في أحدث حلقة في مسسلسل
البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات النظام السوري على رؤوس السوريين، قصف الطيران الحربي صباح السبت سوقا شعبية للخضار في حي طريق الباب في حلب، ما أدى إلى مقتل 21 مواطنا وووقع عشرات الجرحى، كما قصف مناطق في حي الزبدية ومخيم حندرات.
وقالت الهيئة العامة للثورة
السورية إن 21 مدنيا، بينهم 4 أطفال وسيدتان وناشط اعلامي، قتلوا نتيجة إلقاء البراميل المتفجرة على السوق في حي طريق الباب ومحيط مشفى قريب.
ووصفت الهيئة ما جرى بأنه"مجزرة"، مشيرة الى ان "الغارات استهدفت سوق الخضار والمواد الاستهلاكية المكتظ بالأهالي"، ما يفسر وقوع عدد كبير من الضحايا. وأشارت الى "دمار كبير في مبان عدة وانهيار واحد منها".
ويواصل النظام السوري قصفه للمناطق الخارجة عن سيطرته، وخصوصا في حلب، بالبراميل المتفجرة.
وتقول اللجنة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها بعنوان: "البراميل المتفجرة: آلة الموت الرخيصة"، إنه "رغم الحجم الكبير لجرائم الحرب المتتالية في حلب على وجه الخصوص، فإنّ ردود الفعل الدولية كانت محدودة للغاية، ولم تسجّل أية مواقف واضحة منها، في الوقت الذي ينشغل المجتمع الدولي بعملية استلام الأسلحة
الكيميائية التي تمّ استعمالها ضد المدنيين في أكثر من عشرين موقعاً في سورية، دون محاسبة الجناة".
ويذكّر التقرير بأن استخدام البراميل المتفجّرة بدأ في النصف الثاني من عام 2012 بشكل محدود في محافظة إدلب، لكنه توسّع بشكل كبير مع بداية شهر أيلول/ سبتمبر 2012 في مدينتي حلب وإدلب، ليُصبح في عام 2013 أحد أهمّ الأسلحة المستخدمة من قبل السلطات السورية لإيقاع أوسع ضرر ممكن بالمدنيين.
وتُستخدم الطائرات المروحية بشكل أساسي لإلقاء هذه البراميل، وتُحلق هذه الطائرات على ارتفاع بين 5000-6000 قدم، بحيث لا تصلها المضادات الجوية التي يمتلكها المقاتلون المناوئون للحكومة. "ولا تستطيع الطائرات المروحية إصابة أهدافها بدقة، لذا فإنّ كثيراً من البراميل الملقاة تسقط في أماكن فارغة، وأحياناً يتكرر استهداف نفس المنطقة عدة مرات قبل أن يصيب البرميل هدفه، وهو في الغالب تجمعاً سكنياً مكتظاً"، حسب تقرير اللجنة السورية لحقوق الإنسان.
وتعتقد اللجنة أن "التوسّع في استخدام هذه السلاح من قبل الجيش السوري إلى انخفاض كلفة تصنيعها، مقارنة مع صواريخ الطائرات باهظة الثمن، وسِعة نطاق التدمير الذي يحدثه البرميل". وتضيف: "البراميل المتفجّرة تشبه في آلية عملها السيارات المفخخة، فهي تتكوّن من برميل محلي الصنع، محشوّ بمادة TNT والسماد النيتروجيني ومواد نفطية قابلة للاشتعال، بالإضافة إلى قصاصات وقطع حديدية ومسحوق الألمنيوم، بالإضافة إلى صاعق لإحداث الانفجار حال ارتطامه بالأرض، وفي بعض الأحيان يكون مزوّداً بمروحة. وتبلغ سعة البرميل الواحد من 150-300 كغم".
وتعتبر البراميل المتفجرة السلاح الأسوأ في الحروب، لأنها تلقى عشوائيا دون توجيه باتجاه أهداف محددة. وتقول المعلومات إن الديناميت المستخدم في صناعتها يتم شراء جزء منه من لبنان، إلى جانب ما يفيض من عبوات وذخائر غير منفجرة، وعملات معدنية سحبت من الأسواق، ونفط ومظاريف قذائف مدفعية مستعملة.
ورغم أن الغارات الجوية والقصف بالبراميل المتفجرة لم يتوقف على مدينة حلب منذ شهر آب/ أغسطس 2012 إلى اليوم، إلاّ أن الأيام الماضية "شهدت كثافة غير مسبوقة باستخدام البراميل المتفجرة، مترافقة مع الغارات الجوية، مستهدفة الأماكن المدنية المزدحمة، وموقعة مئات من القتلى وآلافاً من الجرحى".
وتقول بعض التقديرات إن حرب البراميل المتفجرة قتلت من السوريين أكثر مما قتل السلاح الكيميائي، لكنّ العالم لم يتحرك لوقف هذه المجزرة المستمرة.
وتشير أرقام مؤسسات العمل الإنساني في سورية، إلى أن الأسلحة الكيمياوية قتلت 1700 شخص وأصابت 820 آخرين. فيما قتلت البراميل، منذ التوقف "المعلن" عن استخدام الكيميائي حتى الآن أكثر من 1800 شخص، وأصابت أكثر من 5400 آخرين.
وقال الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية "إن 650 قتيلاً سقطوا خلال العشرة أيام (الأخيرة) من القصف بالبراميل المتفجرة على محافظة حلب"، في الوقت الذي أكد فيه أن عدد الضحايا جراء إلقاء تلك البراميل منذ بداية الصراع قبل ثلاث سنوات في البلاد بلغ نحو 20 ألفا.
وتؤكد اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن البراميل المتفجّرة تمثل "جريمة حرب مكتملة الأركان، بما تشمله من تدمير واسع النطاق للممتلكات دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تُبرر ذلك، وتعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية، وتعمّد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، مع العلم بأن هذه الهجمات ستُسفر عن خسائر في الأرواح، أو عن إصابات بين المدنيين، أو عن إلحاق أضرار مدنية مفرطة".
وتقول: "مما لا شكّ فيه، فإنّ استخدام البراميل المتفجّرة بما تحدثه من ضرر عشوائي وواسع النطاق ضد المدنيين يمثّل جريمة تزيد في أثرها عن جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية، والتي لم تخلّف من الضحايا ما خلّفته هذه البراميل، ولا تدمّر البيوت والممتلكات كما تفعل البراميل".
ورأت اللجنة "أن تجاهل المجتمع الدولي لجرائم الحرب المستمرة في سورية، ومن بينها جريمة استخدام البراميل المتفجّرة في سورية هو ما أعطى النظام السوري، وداعميه الإيرانيين والروس، رخصة مفتوحة للقتل، وسمح بالمزيد من قتل الأطفال السوريين بالصورة التي نراها بشكل يومي في سورية".
وفيما عرقلت روسيا بيانا لمجلس الأمن يدين القصف الجوي على المدن السورية، اكتفت الولايات المتحدة بإدانة على مضض عبر تصريح للمتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني الذي قال يوم الاثنين الماضي إن بلاده "تدين الهجمات الجوية المستمرة من جانب القوات الحكومية السورية على المدنيين، بما في ذلك استخدام صواريخ سكود وبراميل متفجرة بلا تمييز في حلب وحولها".
ورد النظام السوري بمهجمة واشنطن التي اتهما بأنها "تتعامى عن جرائم الإرهابيين". واعترفت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" بأن المناطق التي تتعرض للقصف هي مناطق مدنية. لكنها تساءلت: "لكن السؤال كيف تحولت إلى جبهة قتال يستخدم فيها الطيران، وهل أولئك الذين داخلها هم أصحابها أم أنهم عبارة عن مجموعة من السعوديين والقطريين والشيشانيين والأفغان والباكستانيين والليبيين" حسب قولها.
وقال مصدر أمني سوري لوكالة فرانس برس إن القصف على حلب يستهدف "مراكز للمقاتلين"، لكنه عزا ارتفاع حصيلة الضحايا الى وجود هذه المراكز في مناطق سكنية، حسب زعمه.
وفي وقت سابق اعترف النظام السوري بالقصف الجوي، لكنه قال إن طائراته تلقي قذائف في حين أن "الأرهابيين" يسمونها "براميل متفجرة" حسب قوله.
لماذا حلب؟
ويبرز سؤال: لماذا يتصاعد القصف على حلب؟ يقول في هذا السياق مسؤول عسكري في الجيش الحر ما يجري يتم بـ"موافقة دولية ضمنية" في إطار تسليم المخزون الكيميائي.
ويشرح الضابط المنشق عن قوات النظام السوري لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء: "إن خريطة الحرب في سورية خلال الشهرين الأخيرين تتبع خريطة تواجد السلاح الكيميائي، فبعد أن انتهى من تدمير ريف دمشق والقلمون لفتح الطريق الدولي أمام السلاح الكيميائي للخروج للساحل السوري من أجل نقله، يقوم النظام منذ عشرة أيام وحتى اليوم بقصف حلب وتدمير مناطق تسمح له بفتح الطريق نحو مطار كويرس المحاصر منذ أكثر من سنة، من أجل إخراج أسلحة كيميائية مخزّنة فيه".
ويقول الضابط الميداني في الجيش الحر: "كنا قد عرضنا على بعض الأوساط الدولية أن نساهم في فتح الطريق وتسهيل خروج هذه الأسلحة برعاية دولية، لكن بعض الدول وعلى رأسها روسيا رفضت بسبب خوفها من انتقال الأسلحة لأيدي كتائب المعارضة المسلحة".
وبالإضافة إلى ان العملية العسكرية في القلمون جاءت بعد تصريح لمسؤولة في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأن الطريق لنقل المخزون الكيميائي من مواقع في دمشق إلى الساحل غير آمن، فإن ما يعزز الرأي بأن القصف على حلب يندرج في ذات الإطار هو إعلان الخارجية السورية أن "المجموعات الإرهابية المسلّحة" (في إشارة الى مقاتلي المعارضة) هاجمت موقعين أحدهما في المنطقة الوسطى والآخر في ريف دمشق. وزعم ان قوات النظام السوري تصدت للمحاولتين.
ولم يصدر أي تحرك دولي لوقف إلقاء البراميل المتفجرة على المناطق المدنية، مثلما تحرك بسرعة منددا بعد الضربة الكيمياوية على الغوطتين في آب/ أغسطس الماضي، والعمل على نزع السلاح الكيميائي، رغم أن مجازر البراميل حصدت عددا أكبر من الأرواح حتى الآن. لكن مع التذكير بأن المجتمع الدولي لم يعاقب النظام السوري بعد ثبوت استخدام السلاح الكيميائي، بل قامت الولايات المتحدة بتقديم عرض يقوم بموجبه نظام بشار الأسد بتسليم المخزون الكيميائي الذي يملكه دون الحديث عن محاسبته، وإنما تركز الحديث على المشاركة في مؤتمر "
جنيف2".
وفيما تحترق حلب وتدمّر، يكثر الحديث حول التحضير لمؤتمر "جنيف2"، كما تنشغل المعارضة بما إذا كانت ستحضر المؤتمر وفي أي ظرف. ووصل التنديد الدولي بتدمير حلب متأخراً، ومعه وصل تهديد الائتلاف الوطني السوري بعدم المشاركة في مؤتمر "جنيف2" في حال لم يوقف النظام ضرباته. لكن يبدو أن النظام السوري يزيد من حدة قصفه مع اقترار الموعد المفترض للمؤتمر.